على الرغم من مرور ستّة أعوام على استعادة القوات العراقية السيطرة على نينوى، ثاني أكبر المحافظات العراقية، فإنّ المحافظة وعاصمتها الموصل تعانيان من أزمة حقيقية في القطاع الصحي.
وفي حين أنّه لم يُعَد حتى اليوم إعمار المستشفيات التي دُمّرت أثناء الحرب، تعتمد نينوى، التي يزيد عدد سكانها عن 4.5 ملايين نسمة، على ما يُعرَف بـ"المستشفيات الكرفانية" التي تتألّف من غرف جاهزة يرى الدفاع المدني العراقي أنّها غير آمنة.
وبعد انتهاء المعارك في صيف 2017، وتدمير معظم البنى التحتية في الموصل، لجأت السلطات العراقية إلى إنشاء مستشفيات كرفانية إلى حين الانتهاء من إعمار المرافق الصحية التي خرجت من الخدمة، والتي كانت من ضمن أولويات متطلبات الإعمار. لكنّ سوء التخطيط وقلة المخصصات المالية وتفشّي الفساد على حساب ملف الإعمار حالت دون إنجاز ذلك، وهو ما أكّده نواب عن المحافظة.
وكانت مستشفيات نينوى تضمّ 4800 سرير، لكنّ المتوفّر اليوم يعمل بـ1600 سرير فقط، من جرّاء تعرّض أغلبها للدمار.
وقد أتى حريق قاعة أعراس الحمدانية، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ليؤكد تدهور الخدمات الصحية التي تقدّمها مستشفيات نينوى. فالمؤسسات الاستشفائية ظهرت حينها شبه خالية من الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بالحروق، لكنّ الأمر تمّ تداركه من خلال إرسال وزارة الصحة شحنات من الأدوية، في حين قدّمت الصيدليات ومخازن الأدوية الخاصة ما يُطلب لعلاج المصابين.
وقد أفاد مصدر طبي في الموصل بأنّه لو أسفر حريق الحمدانية عن 500 إصابة، لكانت صحة نينوى أعلنت انهيار القطاع الصحي في المحافظة.
وعقب الحريق الذي تسبّب في وفاة 125 شخصاً وإصابة العشرات، اتّخذت السلطات العراقية قرارات لمعالجة ملفّ المباني غير الخاضعة لشروط السلامة والأمان، من بينها المباني الكرفانية، وقرّرت وزارة الصحة إغلاق كلّ المرافق الصحية الجاهزة في نينوى لتجنّب وقوع كارثة مشابهة لحريق الحمدانية.
ويشير مواطنون وناشطون من الموصل إلى أنّ قرار إغلاق المستشفيات الكرفانية في نينوى كان ضرورياً، لكنّ تطبيقه فجأة ومن دون توفير بدائل سوف يفاقم الوضع الصحي، لا سيّما أنّ المرافق التي تقدّم خدمات صحية بمعظمها هي مواقع كرفانية.
وقد كشف مصدر في صحة نينوى لـ"العربي الجديد" أنّ 10 مرافق سوف تُزال في الموصل، من بينها مستشفيات كرفانية وأقسام في مستشفيات وأقسام إدارية تابعة للصحة، وذلك من ضمن توجيهات وزارة الصحة.
أوضح المصدر نفسه أنّ ذلك يشمل المستشفى الجمهوري الذي يمثّل الثقل الأكبر لجهة أقسام الجراحة في المدينة، ومستشفى الخنساء للأمراض النسائية والتوليد، ومستشفى الأمل للأطفال (سعة 100 سرير)، ومستشفى البتول للأمراض النسائية والتوليد، ومستشفى العتبة الحسينية في ناحية برطلة، ومستشفى العزل والحمّيات (سعة 100 سرير) الذي خُصّص للمصابين بكوفيد-19. وأضاف أنّ الإغلاق يشمل كذلك قسم الأطفال وقسم العناية المركّزة، وقسم الأمراض الداخلية في مستشفى السلام.
من جهته، قال المتحدّث باسم دائرة صحة نينوى بشار الجادر لـ"العربي الجديد" إنّ "الإغلاق قرار اتُّخذ فعلاً ويشمل مستشفيات وأقساما في مستشفيات أخرى"، مشيراً إلى أنّ "دائرة الصحة بدأت بتوفير البدائل للمرافق المغلقة، وتعمل على توفير باقي المواقع في الفترة المقبلة". وأضاف أنّ "عمليات إنشاء عدد من المباني المخصّصة للصحة على وشك الانتهاء، وهذه المباني سوف تُستخدَم كمرافق بديلة إلى حين الانتهاء من إعمار مباني المستشفيات الأصيلة".
في الإطار نفسه، قال عضو مجلس "أسر وأعيان الموصل" لازم حميد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوضع الصحي في نينوى مأساوي نتيجة التأخير في إعادة إعمار المستشفيات، وعدم توفّر أدوية وعلاجات كثيرة، وتعطّل أجهزة طبية تشخيصية كثيرة وتأخّر تصليحها".
ورأى حميد أنّ "قرار إغلاق المستشفيات الكرفانية قرار صحيح، ويدعم ذلك ما حصل بالحمدانية"، مشيراً إلى أنّه لا بدّ لهذه الحادثة أن تمثّل حافزاً لاستكمال المستشفيات التي أُنجزت فيها أعمال الإنشاء بنسبة كبيرة. وشدّد حميد على أنّ "مشكلة القطاع الصحي في نينوى تكمن في التلاعب الكبير بالأموال المخصّصة لإعمار المستشفيات، واستشراء الفساد".
في سياق متصل، قال الناشط محمود الجماس لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع الصحي في نينوى مهزلة صحية وجريمة في حقّ سكان ثاني أكبر محافظة عراقية"، مشيراً إلى أنّ "هذا أقلّ ما يمكن قوله".
أضاف الجماس أنّ "الخدمة لم تعد إلى أهم مستشفيَين في الموصل، وهما مستشفى ابن سينا ومستشفى الجمهوري، على الرغم من مرور ستّة أعوام على استعادة المدينة من داعش".
وأوضح الجماس أنّ "ملف إحالة مستشفى ابن سينا إلى الإعمار بحدّ ذاته مهزلة كبيرة، لأنّ الحكومة المحلية في نينوى أحالت المشروع قبل خمسة أشهر إلى إحدى الشركات بمبلغ 300 مليار دينار عراقي (نحو 230 مليون دولار أميركي)، ثمّ وضع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حجر الأساس للمشروع، وأعقب ذلك إلغاء إحالة المشروع من قبل الحكومة المركزية بحجّة أنّ الإحالة ليست من صلاحيات الحكومة المحلية في نينوى، وحتى الآن لم يُحَل المشروع إلى شركة جديدة".
ورأى الجماس أنّ "سكان نينوى بين نارَين، إمّا أن يتعالجوا في مستشفيات كرفانية وهي عبارة عن قنابل موقوتة، وإمّا أن يموت المرضى من دون مستشفيات، لأنّ الوزارة أقدمت على إغلاق المستشفيات الكرفانية من دون أن تكمل إعمار المستشفيات المدمّرة". وبيّن أنّ "كلّ ما شُيّد بعد استعادة الموصل من منشآت صحية أتت كرفانية مخالفة للشروط والضوابط الخاصة بالسلامة والأمان".
بدوره، أكد مسؤول منظمة "المتحدة" لحقوق الإنسان في نينوى سامي الفيصل لـ"العربي الجديد" أنّ "المستشفيات في الموصل ما زالت على حالها من دون إنجاز، على الرغم من مرور أعوام على استعادة المدينة من هيمنة تنظيم "داعش"". وذكر أنّ "التلكؤ الحكومي في إعمار المستشفيات يعود إلى أسباب عدّة، من بينها غياب الإرادة الحقيقية لإعمارها، وانعدام التخطيط الصحيح، وعدم منح القطاع الصحي الأولوية في الإعمار".
وأشار الفيصل إلى أنّ "الأهم من ذلك هو وجود جهات متنفّذة تعوّق إعمار المستشفيات في الموصل، وذلك لإجبار المرضى من أبناء المحافظة على مراجعة مستشفيات من خارجها وتلقّي العلاج فيها، علماً أنّ ذلك يكون عادة في مستشفيات خاصة في بغداد ومحافظات جنوب العراق وإقليم كردستان العراق".