يشكو مئات النازحين الليبيين من المناطق المتضررة من "العاصفة دانيال" طوال الأيام الماضية من عدم وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية بالشكل الكافي، في حين لا تتوقف قوافل الإغاثة القادمة من أنحاء البلاد، وخصوصاً من المناطق الغربية، سواء الرسمية أو الشعبية.
وبادرت العديد من الدول إلى إرسال المساعدات عبر جسور جوية وبرية وبحرية ، من أبرزها مصر وتركيا وقطر والإمارات، كما وصلت مساعدات إغاثية وفرق إنقاذ من تونس والجزائر والسعودية والأردن وإسبانيا، ومن بنغلادش ورومانيا وألمانيا والكويت وسلطنة عمان، وشاركت بعض الجاليات المتواجدة في ليبيا في حملات جمع المساعدات وإرسالها إلى مدينة درنة المنكوبة، من بينها الجاليتان المغربية والتشادية.
يتولى المتطوعون غالبية جهود جمع وتوصيل مواد الإغاثة، حتى في داخل المطارات التي تستقبل المساعدات، في حين كشف رئيس شركة الخدمات العامة الحكومية، محمد إسماعيل، في أحد المؤتمرات الصحافية لحكومة الوحدة الوطنية، عن توجيه نحو 80 في المائة من موظفي وقدرات الشركة إلى درنة.
وعلى وقع الكارثة، تعددت اللجان المشكلة، سواء من مجلس النواب، أو من حكومته، أو من حكومة الوحدة الوطنية، ما زاد من عشوائية التعاطي مع الحدث، وتسبب في مزيد من الفوضى في ملف التعامل مع الإغاثة، سواء القادمة من الخارج، أو تلك المحلية، ما يؤدي إلى التوزيع غير العادل للمساعدات، وحرمان بعض المتضررين من الحصول على ما يحتاجونه.
يؤكد مئات المنكوبين الليبيين عدم وصول أي نوع من المساعدات إليهم، ومع شكوى الأسر المتضررة من عدم وصول المساعدات إليها، تتكرر مجموعة من الأسئلة، من بينها: أين هي قدرات الحكومتين؟ وأين تذهب المساعدات؟ وما هي طرق إيصالها إلى المحتاجين؟ ولماذا لم يتم تنظيم طرق جمع وتوصيل مواد الإغاثة بعد مرور 6 أيام؟ وإلى متى يستمر هذا التخبط الحكومي؟
وتؤكد شهادات عديدة لأشخاص متضررين من فاجعة الفيضانات عدم وصول أي نوع من المساعدات إليهم حتى الآن، وخصوصا المناطق والقرى المنكوبة المجاورة لمدينة درنة التي تتكدس المساعدات في ضفتها الغربية منذ أيام، بينما لا أحد يهتم بإيصال المساعدات إلى مناطق مثل البياضة وتاكنس وقصر ليبيا والحنية، وكلها تقع بين مدينتي البيضاء والمرج في شرق بنغازي، وكذلك منطقتي التميمي والمخيلي في شرق درنة.
في السياق، يبدو أن تداعيات الكارثة في درنة ستستمر، ويشير إلى ذلك إعلان المركز الوطني لمكافحة الأمراض (حكومي)، السبت، حال الطوارئ لمدة سنة في المدينة، ويتوقع البعض أن يتمدد ذلك في كل المناطق المتضررة.
ويقول رئيس جمعية الهلال الأحمر الليبي، عبد السلام الحاج، إن فرق الجمعية تعمل في درنة على توزيع المعونات على المتضررين، وإنقاذ المصابين، والمساعدة في انتشال الجثامين، لكنها تواجه صعوبات في الوصول إلى بعض المناطق المتضررة. مؤكداً أنه "لا تتوفر أرقام دقيقة للضحايا أو المفقودين، لكن عدد النازحين من المدينة يقارب 20 ألف أسرة".
يقول منصف أبو خشيم لـ"العربي الجديد": "المساعدات الغذائية والمياه توصلها فرق الإغاثة إلى بيتي، لكن التوزيع عشوائي، وقد يتكرر وصول مواد ما لا نحتاجها، وحين أبلغ الفرق عن احتياجي لمواد غيرها، يقولون إنها ليست متوفرة لديهم، وإن علينا الانتظار حتى تمر سيارة أخرى بها تلك الاحتياجات. حتى الآن، لا يمكن الوصول إلى مراكز ومخازن الإغاثة للحصول على الاحتياجات المطلوبة، فالوضع الأمني الخاص بمنع السرقات أو تكرار الحصول على الإعانات يمنع وصول المواطنين إلى المخازن، ويتم إبلاغنا أن سيارات الإغاثة ستمر على البيوت".
أزمة ربط شطري مدينة درنة تعطل نقل المساعدات بينهما
ويؤكد أبو خشيم أن "الرعاية الصحية لا تزال ضعيفة، فالقطاع الصحي رغم أنه متخم بالمتطوعين والإعانات، لكنه لا يملك ما يكفي من الأدوية والكوادر الطبية والمسعفين، وهناك أدوية مهمة غير متوفرة بالمرة، إذ يعاني والدي المسن من غياب أدوية السكري، وهناك نقص حاد في أدوية الأمراض المزمنة كالأورام والكلى، ويصعب الحصول على موعد لجلسات غسيل الكلى".
ويقول سالم الحصادي إن هناك تركيزا على المواد الغذائية، وهذا جيد، لكن هناك مستلزمات أخرى ضرورية، وإنه اضطر إلى السفر عدة مرات إلى مناطق تبعد نحو 80 كيلومترا إلى الشرق من درنة، لشراء احتياجات زوجته وبناته. مضيفاً لـ"العربي الجديد": "بعض الاحتياجات متوفرة في الضفة الغربية من المدينة، حيث تتدفق المساعدات بكميات كبيرة، أما في الجانب الشرقي، فلا تزال قضية ربط الضفتين تحول دون وصول المساعدات، حتى ما يتوفر منها في الضفة الغربية. يربط الضفتين حالياً طريق ترابي ضيق تم تمهيده قبل يومين، لكنه لا يكفي لنقل كل مواد الإغاثة، ويشهد زحاماً متواصلاً، وعادة يمكنني الوصول إلى منطقة مرتوبة على بعد 35 كيلومترا في فترة أقصر من الوقت اللازم للوصول إلى الضفة الغربية للمدينة، ولا شك أن عدم ربط الضفتين سريعاً هو أحد جوانب سوء إدارة الأزمة".
ويؤكد المتطوع طاهر عثمان، لـ"العربي الجديد" أنه "نستطيع القول حالياً إن مواد الإغاثة يجري توزيعها بشكل جيد، وقد وصلت إلينا مؤشرات تدل على رضا الأسر المتضررة، لكن هذا لا ينفي أن الأيام الأولى شهدت بعض التخبط، والسبب أن الكارثة غير مسبوقة في ليبيا، ما جعل تدفق وتوزيع المساعدات غير منظم بالشكل المطلوب".
ويقول إن "الجهود الفردية البعيدة عن سلطة الدولة يصعب تقدير أرقامها، وهذا مؤشر غير مفيد في تقدير حجم المساعدات التي وصلت، خصوصاً وأن كثيرا من المتبرعين يرفضون الإفصاح عن حجم ما تقدموا به من مساعدات، إما لأسباب دينية، أو بسبب عادات الليبيين الاجتماعية التي ترى أن الإفصاح عن المساعدات معيب. نظام الفزعة الذي انتهج في الأزمة، أو حملة (فزعة خوت) كما سماها الليبيون، كان ممتازاً في تحفيز الناس على التبرع، وقد تم توفير كميات كبيرة من الأغذية والملابس وغيرها من الاحتياجات الإغاثية، لكن تنظيم توزيع المساعدات يتوجب أن يتحسن سريعاً".
ويرصد الأكاديمي الليبي المتخصص في التمويل، سليمان الشحومي، بعض خلفيات الفوضى القائمة في عملية الإغاثة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "في تقديري أن ليبيا غير محتاجة إلى مواد إغاثة دولية، فالدولة لديها ما يكفي، وقد شاهدنا جهوداً مشكورة ساهمت فيها كل المدن التي انصهرت في بوتقة واحدة، وقدمت الكثير من المساعدات العينية والغذائية والطبية، وهذا يدل على تلاحم الليبيين مع بعضهم برغم الانقسام والتفتت الموجود على المستوى السياسي. لكن تلك الجهود تحتاج إلى تنظيم، ولا يمكن أن تظل مبعثرة أو عفوية، بل نحتاج إلى مؤسسة وطنية متخصصة في الإغاثة، وللأسف هذا أمر مفقود في ليبيا، فلا توجد مؤسسة فاعلة لديها إمكانات وموارد لإدارة تداعيات الكوارث الطبيعية، مثل الإجلاء، وترتيب المخيمات، وتوصيل المساعدات المعيشية للناس. ما حصل قد يكون درساً يستفاد منه في إعادة تنظيم هذه الأمور في المستقبل عبر الاستفادة من تجارب المؤسسات الدولية المتخصصة".
يساهم الطبيب في جهاز الطب العسكري بطرابلس، هشام المالطي، في جهود الإنقاذ الطبي في مدينة درنة، ويقول لـ"العربي الجديد": "تم توزيع قدر كبير من المساعدات الطبية، لكن عشوائية التوزيع، وعدم الاعتماد على دراسات أو بيانات أو مؤشرات تظهر حاجة كل منطقة كان لافتاً، وكان من الضروري العمل على توفير الاحتياجات الخاصة بالأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وكذا مرضى السرطان والسكري والفشل الكلوي وغيرها".
بدوره، يتساءل الناشط السياسي، مالك هراسة، عما يمنع الحكومتين من تشكيل هيئة أو لجنة وطنية موحدة للتعامل مع الكارثة. ويقول لـ"العربي الجديد": "الحكومتان أقرتا بأن الأزمة أكبر من إمكانات ليبيا، وهو ما ترجمه مطالبة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي للمجتمع الدولي بضرورة تقديم العون ودعم جهود الإنقاذ، لكن لماذا لا يتم تشكيل لجنة دولية لتنسيق تلك الجهود المبعثرة؟ لماذا لم تبادر البعثة الأممية التي تكتفي بالبيانات، إلى اقتراح إحداث لجنة دولية أو أممية للإشراف على تنسيق جهود الإغاثة والإنقاذ؟".