إعدام الغزيين... إسرائيل تدهس مواطنين بجنازير دباباتها

08 مارس 2024
بحث عن مكان قد يكون أكثر أماناً (أحمد زقوت/ الأناضول)
+ الخط -

لم يتردد الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه المستمر على قطاع غزة في دهس بعض الأهالي وهم أحياء بآلياته العسكرية، وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم. وكانت نجاة البعض من هذه الهجمات بمثابة أعجوبة.

خلال الأيام الأخيرة، وصل عدد من النازحين من مناطق شمال وغرب مدينة خانيونس إلى مدينة رفح، بعدما باغتهم الجيش الإسرائيلي وهم في منازلهم وخيامهم في المناطق التي شهدت هدوءاً مؤخراً، وعمد إلى قصفهم ومهاجمتهم بآلياته. ودمّرت دبابات الاحتلال الكرفانات والخيام في تلك المنطقة.
نجت عائلة محمد أبو عودة (43 عاماً) من الدبابات الإسرائيلية، وتمكنت من الخروج بسرعة من الكرفان الموجود في المنطقة الشمالية الغربية لمدينة خانيونس، التي عادوا إليها بداية الشهر الماضي. خرجوا حفاة ووصلوا إلى شارع البحر الغربي واستمروا في المشي إلى أن نقلتهم إحدى العربات إلى الحي السعودي ثم تل السلطان بمدينة رفح. ووثّقت مؤسسات حقوقية عاملة في القطاع تكرار حوادث قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي مدنيين فلسطينيين دهساً تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية بشكل متعمد وهم أحياء، كما دمّر ممتلكاتهم، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة. 
وكانت أسرة أبو عودة من بين الأسر الناجية التي شهدت على اعتداء الاحتلال الإسرائيلي المباشر على المدنيين بالدبابات وقتلهم. ويوضح محمد أن الأصوات فاجأتهم واستيقظوا فوراً وفروا من دون أخذ أي شيء، حتى ملابسهم. ويقول لـ "العربي الجديد": "قضى أحد أقارب زوجتي، وهو من عائلة أبو بصير، ويدعى راسم ويبلغ من العمر 60 عاماً، تحت جنازير الدبابات في بلدة بيت حانون، حين دخلت بعض المنازل التي لم يخلها أهلها نهاية العام الماضي. بعد شهر، وجدت الجثة متحللة وفوقها آثار الدبابة. يريد الاحتلال الإسرائيلي إعدام كل مدني وطفل في المكان".
لدى أبو عودة 4 أبناء، وقد نزح من شمال قطاع غزة، وتحديداً من مخيم جباليا، وصولاً إلى مدينة رفح، متوقّفاً في 8 محطات. واستشهد الكثير من أفراد عائلته إلى درجة أنه لم يعد يستطيع عدّهم. والحال نفسه ينسحب على عائلة زوجته، ولا يزال البعض مفقوداً أو تحت الأنقاض. كان يخشى أن يفقد أحداً من أبنائه. يضيف: "عدد ممن كانوا معنا باتوا في عداد المفقودين بعد دخول الدبابات المنطقة وقصفها المكان بالصواريخ. لا نعرف شيئاً عن مصيرهم. أما عائلتي، فقد نجت بأعجوبة، ولا يزال أبنائي يشعرون بخوف كبير. يسألني أصغر أطفالي أيهم (9 سنوات) إن كانت الدبابة تطير من شدة رعبه منها". 

مؤخراً، انتشرت صورة لجثة شهيد لم يتم التعرف إلى اسمه في حي الزيتون شرقي مدينة غزة، الواقع في المنطقة الشمالية المحاصرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وأشار شهود إلى أن الجريمة حدثت في شارع صلاح الدين الرئيسي المطل على حي الزيتون من الجهة الشرقية. وبعد معاينة الجثة، تبين أنها "كانت مربوطة بأسلاك بلاستيكية وقد تعرضت للاعتقال والتعذيب".

أحد الشهود يدعى أحمد عزام، وهو من سكان شارع كشكو المعروف في حي الزيتون، رأى صاحب الجثة قبل أن يستشهد، وكان ضمن الذين اعتقلوا وعذّبوا، بالإضافة إلى آخرين من أفراد عائلته، علماً أن البعض لا يزال معتقلاً. ويوضح أن الشهيد دُهس من قبل الدبابة بقصد القتل، مضيفاً أنّ الجثة كانت موضوعة على الإسفلت بدلاً من الرمال المجاورة، ما يدل على تعمد الاحتلال سحق جسده بالكامل. ولم تكن الجثة متحللة، ما يعني أنه صاحبها قتل قبل يوم من انسحاب الجيش من المنطقة. أما هو، فقد نزح وعائلته إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
ويقول أحمد لـ "العربي الجديد": "في الحارة الخلفية من وادي العرايس في المنطقة، عثرنا على جثتين. الأولى هي لفرد من عائلتي يدعى محمد عزام، والأخرى لم يتم التعرف إلى صاحبها. سارت الدبابات فوقهما الشهر الماضي مع استمرار جرائم الإبادة في حي الزيتون، وهو أحد أكثر الأحياء التي أُبيدت ومُسحت بالكامل". يضيف أن "الاحتلال دمّر المباني بشكل كامل، ليمسح كل ذكرياتنا في الحي الذي كبرنا فيه".

دبابة إسرائيلية في خانيونس (مصطفى الخروف/ الأناضول)
دبابة إسرائيلية في خانيونس (مصطفى الخروف/ الأناضول)

ويقول إن هناك الكثير من الجثث المتحللة. لا نعرف كل وسائل الإعدام التي اعتمدها الاحتلال في الحي، وقد اعتقل العديد من الرجال والنساء ولم يتردد في إعدام الأطفال والمسنين. الدبابات دمّرت الكثير من المنازل. رأيت جثتين لرجل وطفل، لكنهما كانتا متحللتين".   
وسجلت أول عملية دهس ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي من خلال دباباته وآلياته العسكرية في 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. في ذلك اليوم، استخدم جرافاته ودباباته ليقتحم ساحة مستشفى كمال عدوان وقد دهس المدنيين الموجودين في قلب ساحة المستشفى وهم في خيامهم. وكان في المكان مسنون وأشخاض من ذوي الإعاقة. وبعد دهسهم، جرف المكان بالكامل وأزاح الإسفلت فوق الجثث وسار فوقها مرة أخرى، كما وثقت الطواقم الطبية. 
كذلك سجّلت جرائم مماثلة أثناء تكثيف الهجوم على مدينة خانيونس ومحاولة إفراغها من سكانها والنازحين فيها في أماكن الإيواء داخل المنطقة الغربية على مقربة من أبراج طيبة. ودهست دبابة إسرائيلية أفراداً من عائلة غنام وهم نيام، ما أدى إلى مقتل أب وابنته ونجاة الأشقاء المتبقين الثلاثة.
الابنة الصغرى أمينة غانم (13 عاماً) شهدت على المجزرة، حين كانت وآخرين من أفراد عائلتها في منزلهم الصغير، علماً أن سقفه من الألواح الأسبستية. كان الناس نياماً قبل أن يسارعوا للهرب إلى مجمع ناصر الطبي وسط مدينة خانيونس في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي. وكانت جراحهم متفاوتة وتظهر عليهم علامات الصدمة. وتوجهت الطواقم الطبية بعد الانسحاب الإسرائيلي لاستخراج الجثامين، لتظهر آثار الدبابات عليها.

دمر الاحتلال الممتلكات المادية للغزيين (مصطفى الخروف/ الأناضول)
دمر الاحتلال الممتلكات المادية للغزيين (مصطفى الخروف/ الأناضول)

 
عولجت الطفلة أمينة التي كانت عيناها مليئتين بالدماء وكادت تفقد بصرها. باتت أفضل حالاً بعد مرور شهر ونصف الشهر على حادثة إعدام والدها وشقيقتها، وهي الآن برفقة بقية أفراد عائلتها الناجين في إحدى الخيام على الحدود المصرية. تقول لـ "العربي الجديد" إن الدبابة جاءت لتقتلها من دون سابق إنذار، مضيفة أن "الدبابة سارت حوالي أربع مرات فوق والدتي وشقيقتي وقتلتهما، كما دمرت منزلنا. المنزل كله دمّر، ولو كان من الباطون لقتلنا. كنا خائفين من الخروج في البداية"، علماً أنها أصيبت بسبب هدم جزء من المنزل رؤوسهم. "خرجنا بأعجوبة وكنت أمسك بيد جميع إخوتي". 

جريمة حرب موصوفة

استطاعت المؤسسات الحقوقية توثيق وجمع أدلة تتعلق بحصول إعدامات في شمال القطاع، منها بلدة بيت حانون وبيت لاهيا، بالإضافة إلى شرق مدينة غزة في حي الزيتون والمناطق المحاذية لها والمنطقة الشرقية لمدينة خانيونس. وأدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بشدة تكرار حوادث قتل الجيش الإسرائيلي مدنيين فلسطينيين دهساً تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية بشكل متعمد وهم أحياء، وتدمير الممتلكات المدنية في إطار جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ووثق قتل الجيش الإسرائيلي شاباً فلسطينياً دهساً بشكل متعمد في حي الزيتون بمدينة غزة يوم 29 فبراير الماضي، وجمع إفادات لشهود عيان تفيد بأن الجيش اعتقل الضحية وقيّد يديه بقيود بلاستيكية وأخضعه للتحقيق قبل دهسه بمركبة مدرعة، فيما يتضح أن الدهس تم من النصف السفلي ثم العلوي من جسده.
وفي 16 ديسمبر 2023، وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إقدام الدبابات والجرافات الإسرائيلية على دهس وسحق نازحين داخل خيامهم في ساحة مستشفى كمال عدوان، في بيت لاهيا، ما أدى إلى مقتل عدد منهم، بمن فيهم مصابون، إلى جانب سحق جثامين قتلى كانت مدفونة في قبور في جانب من الساحة. ويوم 20 فبراير، نجت أسرة فلسطينية بعدما داست دبابة إسرائيلية خيمة تقيم فيها على شاطئ بحر خانيونس، خلال عملية مفاجئة نفذتها القوات الإسرائيلية. وأفادت مواطنة بأنها فوجئت بنفسها بين جنازير الدبابة التي داست خيمتها بشكل مفاجئ. ويؤكد المرصد أن كل هذه الانتهاكات تأتي في سياق نزع الإنسانية عن الفلسطينيين جميعاً في قطاع غزة، وبالتالي تبرير وتطبيع الجرائم التي ترتكب ضدهم، حيث تشكل عمليات القتل بالسحق تحت جنازير الدبابات أحد الأساليب الوحشية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي لقتل الفلسطينيين في قطاع غزة دون إيلاء اعتبار لإنسانيتهم وآلامهم وكرامتهم. وتعكس تلك الممارسات رغبات انتقامية لدى الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين كقومية بهدف القضاء عليهم وترهيبهم وإيذائهم جسدياً ونفسياً. 

المساهمون