إزالة مقابر القاهرة التاريخية: الجيش يشرف على مخطط التطوير

30 مايو 2023
المقابر المهددة بالإزالة تضمن مدافن لشخصيات مصرية شهيرة (Getty)
+ الخط -

واصلت الأجهزة التنفيذية في محافظة القاهرة حملة إزالة المقابر التاريخية بمنطقة جبّانات الإمام الشافعي، التي تضمّ عدداً كبيراً من المدافن التي يتجاوز عمر بعضها أكثر من ألف عام، تحت مزاعم تطوير منطقة السيدة نفيسة بقلب العاصمة المصرية.

ونفى مجلس الوزراء المصري، الثلاثاء، ما تداولته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من منشورات حول تنفيذ حملة شاملة لهدم مقابر أثرية، مؤكداً أنه لا مساس بهذه المقابر لأنها خاضعة لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، الذي يجرّم أي عمل يتلف أو يهدم أثراً.

وقال عضو في لجنة الثقافة والآثار بمجلس النواب لـ"العربي الجديد"، إن "مقابر الإمام الشافعي تضمّ مدافن لشخصيات تاريخية هامة، ولكن الحكومة لا تعتبرها أثرية، وبالتالي لا ينطبق عليها أحكام قانون حماية الآثار"، موضحاً أن "مخطط تطوير هذه المنطقة يشمل إزالة أكثر من 2700 مقبرة، ونقل رفاتها إلى مقابر بديلة في مدينتي 15 مايو والعاشر من رمضان".

وأضاف أنّ "من المقرر تولي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع لوزارة الدفاع (الجيش)، مهام الإشراف على تنفيذ مخطط التطوير، الذي يتضمن توسعة ورصف الطرقات بعد الانتهاء من إزالة المقابر، وإنشاء جسر جديد لتسهيل حركة المرور، تقع أسفله باكيات (محلات) تجارية ستطرح للإيجار، بالإضافة إلى ساحة كبيرة لانتظار السيارات مقابل رسوم".

من جهته، دان حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" الحملة التي تشنها السلطات لإزالة عدد كبير من المقابر الخاصة بشخصيات تاريخية أثرت الحياة المصرية، داعياً الحكومة إلى إجراء حوار مجتمعي حول تلك الإزالات، يضم خبراء في الآثار والتخطيط العمراني، للاستماع إلى آرائهم بشأن الحفاظ على التاريخ والتراث.

وفي بيان للحزب أصدره اليوم، قال إن إزالة مقابر تاریخیة یتجاوز عمر بعضھا الألف عام، من دون إفصاح الدولة عن خططھا بشأن ما يعرف بـ"التطوير"، يمثل تدميراً للتراث المصري، وحرمة الأموات، متسائلاً باستنكار: "كیف تتعامل الحكومة مع ھذا التراث بھذه الدرجة من الاستخفاف والاحتقار؟".

وأضاف الحزب أنه "أُزيلَت مقابر شخصیات یخلدھا التاريخ المصري والعربي، من دون حتى إخطار ذويها، ومنها مقبرة شاعر النیل حافظ إبراھیم، ومدافن عائلة ذو الفقار التي تضم رفات الملكة فریدة (رفاتها نقلت للمقابر الملكية بمسجد الرفاعي العام الماضي)".

وتابع: "عشوائیة اتخاذ القرار، وعدم التنسیق بین أجھزة الدولة لإخطار أھالي الموتى، جزء من تدمیر ذاكرة الأمة. كذلك، تبریر الإزالة بتحدیث العمران وتسھیل المرور، أمر غیر مقبول، إذ إن الأولویة دائماً للحفاظ على الحضارة والتراث، وتبریر أن ھذه المقابر غیر مسجلة كآثار، أمر مرفوض أيضاً، لأنھا جزء من ذاكرة مدینة القاھرة، ومن تاریخ المصریین".

والمقابر المهددة بالإزالة تضمن مدافن لشخصيات مصرية شهيرة، منها شيخ الأزهر السابق محمد مصطفى المراغي، والشيخ محمد رفعت، والإمام ورش صاحب رواية ورش عن نافع لقراءة القرآن، والشاعر والسياسي محمود سامي البارودي، فضلاً عن مقابر عدد كبير من الأمراء والمماليك المعروفين.

وشهدت مصر في عام 2021 هدم جزء من منطقة جبانة المماليك، التي تضم مقابر تاريخية وآثاراً إسلامية تعود إلى نحو خمسة قرون، ومنها مقابر مصنفة تراثاً عالمياً لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، في إطار مخططات حكومية لتوسعة شبكات الطرقات الرابطة ما بين مناطق القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة، وإنشاء جسر مروري جديد باسم "الفردوس".

وغرد نجل الرئيس المصري السابق علاء مبارك، عبر صفحته بموقع "تويتر" قائلاً: "الحكومة تعتزم تعويض أصحاب المقابر التي تُهدَم بأخرى بديلة. بعض هذه المناطق تاريخية، وتعتبر تراثاً حيث تحتوي على تحف معمارية وقباب ضريحية جميلة، وشواهد رخامية عليها نقوش قديمة لا تقدر بثمن، وتعود إلى مئات السنين".

وأضاف علاء: "الموضوع ليس موضوع تعويض، ولا أحد ضد التطوير، ولكن التطوير يجب ألا يأتي على حساب إزالة الرفات والجثث، خصوصاً أن بعض هذه المقابر تقع بمناطق لها طابع تاريخي، وتحتوي على فنون معمارية نادرة، وذات قيم روحية ورمزية. نتمنى إعادة النظر!".

وكان الفنان والمقاول المصري محمد علي، الذي عمل قرابة 15 عاماً في مشروعات يشرف عليها الجيش، قد كشف في عام 2019 العديد من وقائع الفساد في تنفيذ المشروعات التي تتولى مسؤوليتها المؤسسة العسكرية، نتيجة عدم خضوعها لأي رقابة، أو عرضها على المكاتب الاستشارية، وهو ما أدى إلى تكوين قيادات في المؤسسة ثروات طائلة من أموال المصريين.

ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم عام 2014، لا تمارس أي سلطة الرقابة الإدارية أو المالية على تصرفات الجيش وأجهزته، الذي واجه في السنوات الأخيرة اتهامات متكررة بالفساد، ونهب أموال الدولة، ولا سيما في تنفيذ مشروعات الطرق والجسور الجديدة. وحينما حاول "الجهاز المركزي للمحاسبات" تفعيل هذا الدور قبل أعوام عدة، رفضت هيئة الشؤون المالية التابعة لوزير الدفاع السماح لموظفي الجهاز بـ"الاطلاع على أي مستندات تخصّ مشروعات أجهزة الجيش".

المساهمون