استمع إلى الملخص
- تعاني بعض الأسر من إدمان المسنين على الإنترنت، مما يؤثر سلبًا على صحتهم وعلاقاتهم الاجتماعية. يقضي أكثر من مائة ألف من كبار السن أكثر من 10 ساعات يوميًا على الإنترنت، مما يثير القلق.
- الإنترنت يمكن أن يكون سلاحًا ذو حدين للمسنين، حيث يعزز الروابط الاجتماعية لكنه قد يؤدي للإدمان. يجب تعزيز الأنشطة خارج الإنترنت وتقديم الرعاية اللازمة للمسنين.
يجد عدد كبير من المسنين الصينيين ضالتهم في مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته من أجل قتل الوقت والوحدة، وجني أموال تعينهم على توفير معيشتهم بعد تقاعدهم من العمل.
يفيد مركز معلومات شبكة الإنترنت في الصين بأن نحو 300 مليون مستخدم للإنترنت تجاوزوا سن الخمسين، ما يمثل نحو 30 % من إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت في البلاد.
وأنشأ مستخدمون تزيد أعمارهم عن 60 عاماً أكثر من 600 مليون مقطع فيديو قصير على منصة "دوين" الشهيرة في الصين بدءاً من إبريل/ نيسان 2021. وهم يفتحون حسابات بأسمائهم لنشر قصص عن حياتهم وربما مرضهم في بعض الأحيان، وأيضاً عن تخلي أحفادهم عنهم، ما يكسبهم تعاطف متابعين كثيرين، لكن الحضور في الإنترنت لا يحميهم من الإساءات، إذ يبدي كثيرون قلقهم من أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المسنّين يصبحون أهدافاً سهلة لمحتالين.
إدمان مفرط
بذلت شياو جينغ، الطالبة في جامعة شينزن (جنوب)، جهوداً كبيرة خلال الأشهر الأخيرة لثني والدها عن إدمان الإنترنت. وتقول لـ"العربي الجديد": "في إبريل 2023 اشتريت لوالدي هاتفاً ذكياً في مناسبة عيد ميلاده، فواجه صعوبة في استخدامه في البداية، ثم اعتاد بعد أيام قليلة على تصفح الأخبار ومتابعة البرامج والتفاعل مع التطبيقات الموجودة عليه. وبسرعة أصبح مدمناً على مشاهدة الفيديوهات القصيرة على منصة دوين إلى درجة أنه بات لا يطيق أن يتحدث معي كي لا يغلق هاتفه. وأصبحت مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة طوال اليوم نشاطاً روتينياً يومياً في حياته. ولم يعد يتحدث مع أصدقائه، ولا يخرج في المساء للسير في الحديقة الخلفية كما اعتاد سابقاً. وهو لا يكاد يقضي ساعة أو ساعتين خارج المنزل، وعند منتصف الليل أرى الضوء الخافت للهاتف المحمول في غرفته، لذا بت أخشى على صحته، فنومه غير منتظم، وأصبح أكثر عصبية".
وتخبر شياو أنها قرأت قبل شهرين دراسة أشارت إلى أن أكثر من مائة ألف من كبار السن يقضون أكثر من 10 ساعات على الإنترنت يومياً، فسارعت إلى والدها لإطلاعه على نتائج الدراسة، وتأثير الأمر على الصحة العامة، لكنه لم يهتم.
وتتحدث أيضاً عن أنه بات يصعب أن تسيطر على سلوك والدها الذي يُبرر إدمانه مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة بأنه ليس لديه ما يفعله.
قتل الوحدة
ويقول الباحث في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية، دا بينغ مو، لـ"العربي الجديد": "لا شك في أن الإنترنت سلاح ذو حدين، خصوصاً حين ينشط خلفه أشخاص تجاوزوا منتصف العمر، ما يحفز لديهم عادات سيئة مثل إدمان الإنترنت، ويعرضهم للاحتيال الإلكتروني وتسريب الخصوصية والاستهلاك غير المنضبط. وهذه العوامل تزيد العبء على الأسرة والمجتمع. في الماضي كان الآباء يشعرون بقلق شديد من إدمان أطفالهم الإنترنت، أما اليوم فانعكس الوضع حيث بدأ العديد من الشباب يشعرون بقلق على آبائهم الذين يدمنون الإنترنت".
يضيف: "من أسباب إدمان كبار السن الإنترنت الفراغ الداخلي بسبب الشعور بالوحدة والافتقار إلى التفاعل الاجتماعي. ويزيد غياب أفراد أسرهم والافتقار إلى التواصل الاجتماعي الشعور بالوحدة والعزلة. فعلياً أصبح فهم العالم الخارجي والتواصل الاجتماعي والتفاعل الترفيهي من خلال الهواتف المحمولة الخيار الأول لقتل الوحدة والشعور بالعزلة".
ويعتبر أن "هناك جوانب إيجابية في الإنترنت في ما يخص المسنّين فاستخدامهم الهواتف المحمولة يمكن أن يساعدهم في فهم المعلومات الخارجية وتقوية الروابط الاجتماعية وإثراء أوقات فراغهم، لكن يجب الحذر من الإدمان المفرط لأنه لا يضرّ بالصحة الشخصية ويؤثر على العلاقات الأسرية فقط، بل يخلّف محفزاً حسياً طويل الأمد يمكن أن يجعل الناس يشعرون بالخدر ويفقدون الاهتمام بالحياة، ما قد يؤدي إلى مشكلات خطيرة في الصحة العقلية مثل الاكتئاب.
وعن علاج هذه الظاهرة، يقول دا: "يجب القيام بالكثير من العمل خارج الشبكة العنكبوتية، لأن مساعدة كبار السن على استخدام التكنولوجيا بشكل أفضل تتطلب جهوداً مشتركة من الدولة والمجتمع والشركات والأسر. ولعل أبرز الوسائل هو تحفيزهم إلى الخروج إلى الطبيعة وممارسة الألعاب الرياضية التي تناسب أعمارهم، وإحاطتهم بالرعاية اللازمة. وأمّا المجتمع، فإذا كان لدى كبار السن ما يفعلونه ويستمتعون به في شيخوختهم، فمن الطبيعي أن يتركوا هواتفهم الذكية لأبنائهم وأحفادهم، وإذا كان لديهم ما يحبونه ويعتمدون عليه، فسيكون سحر السعادة العائلية أكبر بكثير من مشاهدة الألعاب ومقاطع الفيديو القصيرة. وفي هذا الشأن تعتبر الرعاية الحقيقية للمسنين الحل الجذري لمشكلة إدمان الإنترنت".