إحباطات كورونا

03 يناير 2021
محبط لا شكّ (Getty)
+ الخط -

كان عام 2020 مليئاً بإحباطات مختلفة الاتجاهات، لكن ممسوكة بطرف واحد، هو فيروس كورونا، مع ما فيه من إجراءات تحاول إحباطه فيحبطها، ويمعن في التقدم والانتشار، والعصيان على أيّ علاج أو تدبير.
فيروس كورونا أحبط عالمنا بأكمله، وإن كانت هناك وسيلة على مستوى الكوكب لقياس درجة الإحباط تلك، لتغلب الأخير على كلّ ما واجهته المجتمعات في العقود الأخيرة من مشاكل تسببت بها الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية والصحية والبيئية وغيرها. نحن في الأساس نزيد حدّة هذا الإحباط بقدرتنا على اللافعل في مواجهة كورونا. فالحلّ العبقري الدائم للمواجهة - وبما أنّه بدأ في مجتمعات يقال عنها "متحضرة" فلا بدّ من أن يشمل مجتمعات "غير متحضرة" في اقتداء واجب- هو الهروب من المواجهة.
هكذا، أقفل العالم علينا، ومعظمنا لا يملك إمكانات التنقل أساساً بين دولة ودولة، لكنّ الإقفال وصل إلى مستوى البلد الواحد داخلياً، والمدينة، والبلدة، والحيّ، حتى البيت، والغرفة. إقفال لا أبرع من المسؤولين إذ يأمرون به، فلا همّ لديهم بكلّ هذا الكمّ من الإحباط الذي حمّلوه لأوامرهم بينما تضرب الجبهة الأمامية للدماغ، فيشعر المستمع - وهو مواطن عادي غالباً لا يملك ترف التمرد على مثل هذه الأوامر- بطعم مرّ مباشر تحت لسانه، يزداد يومياً بالترافق مع العزلة المنزلية. هم مسؤولون وهم عباقرة في الحلول المستندة إلى تجارب "عالمية" وهم مسؤولون عن صحة أولئك المواطنين، يهربون بهم بأسوأ طريقة... يهربون بهم إلى الأماكن التي يهرب الناس منها، فيحبسونهم في بيوتهم بانتظار حملات التطعيم في بعض الدول، أو الحصول على لقاح ممّن اكتشفه في دول أخرى، أو بانتظار الرحمة الإلهية في حالة كثير من دولنا العربية مثلاً، وهي الرحمة المرتبطة أكثر بتوزيع أجندة عمل عالمية مختلفة تعلن فجأة ولسبب ما - لم يصل بعد وربما يكون مرتبطاً باللقاح أو العلاج أو تراجع حدة العدوى- أنّ الوباء تضاءل خطره إلى مستويات قياسية، وبإمكان الدول معاودة نشاطاتها الاقتصادية والحياتية كاملة.

موقف
التحديثات الحية

كلّ هذا يدعو للإحباط إذ يضرب تماماً ذلك الشعور بالمركزية لدى كلّ فرد فينا، حين يعتبر نفسه محوراً للكون، وإن كثرت ادعاءاته الكوبرنيكوسية، على ما يذهب كارل ساغان في "كوكب الأرض... نقطة زرقاء باهتة". وهو إحباط أكبر بكثير من أن يمحى بسهولة، فهو لا يرتبط بتلك النصيحة من آلان دي بوتون، في "عزاءات الفلسفة" حين يستعرض تجربة سينيكا، أنّنا "سنُقلع عن الغضب (الناتج عن الإحباط) حالما نُقلع عن كوننا مفعمين بآمال كبيرة". هو إحباط لا يمحى بسهولة لأنّه لا يحمل أيّ أمل أساساً - في كثير من الحالات- بل مجرد طلب لراحة البال، ويا له من إحباط إذ تتماهى راحة البال مع تلك الآمال الكبيرة أيضاً، فهل نقلع عن طلبها؟

المساهمون