- الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تعرف على هوية جثتين، مما يبرز جرائم مليشيا "الكانيات" ودعم خليفة حفتر لها.
- استمرار الاحتجاجات ضد الأحكام "غير العادلة" بحق المتهمين، مع ضبط مزيد من المتهمين وإصدار نشرات جلب جديدة، وسط تعقيدات تتعلق بالحماية الدولية والإقليمية.
يواصل أهالي ضحايا المقابر الجماعية في مدينة ترهونة الليبية الضغط على السلطات من أجل بذل مزيد من الجهود لحسم قضايا ذويهم الذين مرّ على فقدانهم نحو أربع سنوات من دون أن يُكشف مصيرهم بالكامل.
وأخيراً جدد هؤلاء الأهالي مطالبتهم بملاحقة مرتكبي جرائم المقابر الجماعية، وتسريع محاكمة المعتقلين للاشتباه في ارتكابهم هذه الجرائم. جاء ذلك بعدما اجتمع مجلس حكماء وأعيان مدينة ترهونة مع رابطة أهالي ضحايا المقابر الجماعية للاستماع إلى مطالبهم. وقرر المجتمعون تشكيل فريق عمل من المجلس للتواصل مع السلطات لمتابعة ملف المقابر، والمطالبة بتسريع العمل لإصدار مذكرات توقيف ضد المتهمين والمتورطين بارتكاب الأعمال الإجرامية، واستكمال التحقيقات مع الموقوفين، وتنفيذ أحكام علنية في حقهم.
وشدد المجتمعون على "ضرورة اعتقال جميع المتورطين بارتكاب هذه الجرائم البشعة ومن حرضوا عليها، ومن بينهم أشخاص ينخرطون حالياً في وظائف ضمن إدارات الدولة وأجهزتها الأمنية، يجب عزلهم من وظائفهم. وأيضاً بفتح قنوات للتواصل مع فريق العمل المكلف إجراء تحقيقات، وتسهيل مهماته".
تزامن ذلك مع إعلان الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين التعرف على هوية جثتين من ضحايا المقابر الجماعية في ترهونة. وفيما أشارت الهيئة الى أن التعرف على المفقودَين حصل عبر مطابقة الحمض النووي مع عينات من أهالي الضحايا، ذكرت أنها ستُحيل تقارير المطابقة إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات القانونية. وأعلنت رابطة ضحايا المقابر الجماعية في ترهونة أن أحد المفقودين الاثنين اللذين جرى التعرف عليهما من مواليد عام 1979 وأب لأربعة أبناء، والثاني طالب جامعي من مواليد عام 1996، مشيرة إلى أن مليشيا "الكانيات" اختطفتهما خلال العدوان على العاصمة طرابلس نهاية عام 2019.
وكانت مليشيا "الكانيات" سيطرت على مدينة ترهونة عام 2014، وشنت العديد من الهجمات المسلحة على العاصمة طرابلس، ثم ساندت الهجوم الذي شنته قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس عامي 2019 و2020، وانسحبت من المدينة إثر انكسار حملة حفتر، وخلّفت عشرات المقابر الجماعية والمجازر.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت محكمة عسكرية في طرابلس أحكاماً بسجن نحو 30 متهماً بقتل مئات من المدنيين الذين عثر عليهم في مقابر ترهونة الجماعية فترات تتراوح بين 6 و10 سنوات و15 سنة والمؤبد، ما جعل أهالي الضحايا يتظاهرون لاستنكار هذه الأحكام التي وصفوها بأنها "غير عادلة"، إذ يعتبرون أنه يجب إنزال عقوبة الإعدام الأقصى في حق المتورطين بجرائم المقابر الجماعية، خاصة أن قاضي المحكمة العسكرية أكد خلال تلاوته الأحكام عزم المحكمة على إصدار أحكام جديدة في حق عشرات المتهمين الآخرين.
وإثر الاحتجاجات، أعلن النائب العام الصديق الصور في مؤتمر صحافي عقده مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي ضبط مزيد من المتهمين في قضية مقابر ترهونة. وكشف عن إصدار تسع نشرات جلب جديدة في حق متهمين موجودين في السعودية والإمارات ومصر وتونس، علماً أن النيابة العامة أصدرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة 400 أمر بضبط متهمين في القضية. مؤكداً أن النيابة العامة تتواصل مع السلطات المصرية لاسترداد ستة متهمين أوقفوا في القاهرة، ووصفهم بأنهم "مطلوبون رئيسيون".
وأفاد النائب العام في المؤتمر الصحافي ذاته بأن النيابة العامة تلقت 521 بلاغاً، وأحالت 194 منها إلى القضاء، في حين يستمر التحقيق في 327 بلاغاً، وجرى رفع 165 دعوى إلى محكمة الجنايات، و12 إلى محاكم جزئية، والتحفظ على 17 دعوى. وطمأن أهالي الضحايا إلى أن التحقيقات "تسير بوتيرة ممتازة، وتحسّنت إجراءات الملاحقة المحلية والدولية بعدما حثت السلطات الليبية الدول التي يوجد متهمون في القضية في أراضيها على تسريع إنهاء إجراءات تسليمهم".
ويقول الناشط الحقوقي فتحي العاشوري لـ"العربي الجديد": "لا صلة للإجراءات والتصريحات الرسمية بالواقع، فجميع المتورطين قبض عليهم أثناء تسربهم إلى غرب ليبيا، بينما يتمتعون بكامل الحرية في الشرق، ويتولى بعضهم وظائف بارزة في الدولة".
يضيف العاشوري أن "قضية المقابر في ترهونة جزء من الاشتباك السياسي والصراع الحاصل، فمعسكر حفتر يحظى بحماية أطراف دولية وإقليمية تملك مصالح في ليبيا، ولن تسمح بتسليم هذه العناصر المجرمة لأنها ستورط حفتر نفسه، لذا سيبقى ملف المقابر معلقاً. تصعيد أهالي الضحايا مطالبهم يفيد في الضغط على السلطات القضائية من أجل اصدار أحكام عادلة ضد المتورطين، ومراجعة الأحكام السابقة التي لم تتجاوز السجن بضع سنوات".
وانسحب مقاتلو مليشيا "الكانيات" برفقة قوات حفتر إلى شرق ليبيا، إثر انكسار حملته على طرابلس منتصف عام 2020. وفي يوليو/ تموز من العام التالي، اغتيل محمد الكاني، قائد مليشيا الكانيات، في ظروف غامضة داخل مزرعة شرقي بنغازي، وتوزع أفراد من المليشيا التي قادها على مليشيات أخرى، وانخرط بعضهم في الحياة المدنية.
وطالبت النيابة العامة الليبية في خطابات وجهتها عام 2022 إلى مديريات أمن شرقي ليبيا الذي يخضع لسلطة حفتر، باعتقال أشخاص من مليشيا "الكانيات"، وتسليمهم إلى مكتب النيابة العامة في إطار التحقيق بقضية جرائم المقابر الجماعية، وتضمن الخطاب أسماء 18 مطلوباً، لكن قيادة حفتر لم تتجاوب مع طلبات تسليمهم.