تسببت سنوات الحروب التي شهدتها مدينة الرقة وريفها في تدمير كثير من الغطاء النباتي واختفاء الأشجار التي كانت تمتاز بها المنطقة، ما دفع الأهالي إلى بدء حملات تشجير للطرق، وزراعة ساحات المنازل ومحيطها.
ويؤكد الناشط السوري عبد الله أحمد الفرج، من مدينة الرقة (شمال)، أن السنوات الماضية شهدت توجه الأهالي نحو زراعة مزيد من الأشجار بعد فترة عصيبة عاشوها، وشهدت معارك كبيرة بين تنظيم "داعش" من جهة، والتحالف الدولي و"قوات سوريا الديمقراطية" من جهة ثانية، خسرت فيها الرقة الكثير من أشجارها.
يلفت الفرج، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأشجار تخفف من الضغط النفسي، وتمنح الأشخاص في المكان الذي تزرع فيه نوعا من الهدوء، وأن هذا التوجّه لزراعة الأشجار عاد بالنفع على الأهالي من نواحٍ نفسية وجمالية، إضافة إلى الناحية الاستهلاكية، فكثير من الأهالي يزرعون الأشجار المثمرة في فسحات المنازل، خاصة في مناطق ريف الرقة الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية".
ويتابع: "قطع الأشجار حالياً محدود مقارنة بالأعوام الماضية. وبالنسبة للأهالي، فإن الأشجار تلطّف الجو، وتخفف الغبار، عدا عن المنظر الجمالي. والمنظمات المدنية ساهمت في دعم زراعة أشجار الزيتون. لكن هناك عوامل أدت إلى تراجع الغطاء النباتي، من بينها انخفاض منسوب نهر الفرات، وانتشار الأمراض الفطرية".
ويقول الناشط البيئي عبد الرزاق عبيو، من مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد": "للأشجار نفع كبير على المجتمع والبيئة، وزراعة الأشجار في المنازل مهمة لمن لديهم فسحة. قبل سنوات كانت الرقة كلها خضراء، لكن في فترة ما بعد طرد تنظيم داعش، كانت الشوارع خالية من الخضرة. الحرب أثّرت بشكل كبير على الأشجار، فضلاً عن اعتماد الناس على أخشابها في التدفئة، والقصف أتى على غالبية الغطاء النباتي، كما أن هجرة الكثير من الأهالي عن المدينة تسببت في موت المزروعات والأشجار المنزلية. البيت الذي يخلو من الأشجار يكون كئيباً، والرقة منطقة زراعية، والزراعة لها خصوصية تجعل من الضروري وجود أشجار في كل بيت".
يضيف عبيو: "أطلقنا مبادرة لزراعة الأشجار مؤخراً، واستجاب لها العديد من الأهالي، وباشرنا بزراعة محمية كاملة من الأشجار بعد منطقة الفروسية. لجنة البيئة أيضاً دعمت هذه المبادرة، وقدمت لنا التسهيلات، ووزّعوا على الناس الذين يزرعون في أراضيهم شتلات أشجار وورود بأسعار رمزية، والمبادرة كان لها دور في تنمية المجتمع".
يقيم عيسى المحمد في منطقة الطبقة بريف محافظة الرقة، حيث إن الكثير من الأهالي يحرصون على زراعة الأشجار، ويوضح لـ "العربي الجديد": "هناك عدة منافع، من بينها الثمار، والنفع البيئي. كانت زراعة الأشجار في بساتين الرقة ممنوعة خلال فترة حكم النظام للمنطقة، لكن في الوقت الحالي اختلف الأمر، ووصول المياه عبر قنوات الري ساهم في زراعة مزيد من الأشجار. في فناء المنزل نجلس تحت ظلها، ونستفيد من ثمارها، عدا عن المنظر الجميل لها، والراحة التي تبعثها في النفس. كنا نزرع الأشجار دائماً، لكن الاهتمام أصبح أكبر، وبات غالبية الأهالي يزرعونها، ويعتنون بها".
بدوره، يقول مدير "جمعية وارشين للبيئة"، حكيم هولي، لـ "العربي الجديد": "توجه الأهالي إلى زراعة الأشجار في مناطق الرقة ومناطق الجزيرة السورية التي تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية له أسباب، منها أنه قبل الثورة لم تكن هناك ثقافة بيئية بين السكان بسبب الضغوط الحكومية على بعض المناطق لمنع تطورها بيئياً، وكان ذلك يختلف من منطقة إلى أخرى، أما بعد 2011، فقد بات توجه الأهالي إلى زراعة الأشجار في مناطقهم أكبر، خاصة في أراضيهم الخاصة وأحواشهم وقراهم، كما أن انتشار العوامل التي أدت إلى تلوث البيئة، كالمولدات والحراقات وغيرها، ساهمت في خلق ثقافة بيئية في المنطقة، تشمل إقبال الأهالي على زراعة الأشجار".
يضيف هولي: "الأشجار مصدر للطاقة الإيجابية المرتبطة بالأرض، وعندما يعمل الشخص على زراعة الأشجار فإنه يشعر بالسعادة، كما أن انتشار الزراعات حول المدن وعلى الطرقات مفيد للسكان، سواء من ناحية الغطاء الأخضر وزيادة المساحات الخضراء، أو المنظر الجمالي، لذلك يتوجه كثيرون لزيادة المساحات الخضراء، وهناك تطور ثقافي بيئي بين أهالي المنطقة في هذا السياق".
ومؤخراً، أطلقت بلدية الشعب في مدينة الرقة حملة تشجير عامة بهدف تزيين المدينة، بدأت من حديقة السور قرب باب بغداد، وشاركت فيها العديد من المنظمات، وبلغ عدد الأشجار المزروعة فيها 600 شجرة، تنوعت بين أشجار الحمضيات والصنوبر والورد الجوري، وسبقتها حملة لزراعة نحو 1000 شجرة في حديقة سور الرقة الأثري، أطلقتها منظمة محلية في المدينة، وحملتان في موقعي قصر البنات ومتحف المدينة.