أهالي الحجر الأسود السورية و"الفيلم الصيني"

16 يوليو 2022
حرب اليمن وسط دمار حرب سورية برعاية صينية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

مع بدء خروج مناطق جنوبي دمشق عن سيطرة قوات النظام السوري ابتداءً من نهاية عام 2011، كانت منطقة الحجر الأسود، الملاصقة جنوباً لمخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، من المناطق الأولى التي غادرتها قوات النظام مضطرّة تحت ضغط التظاهرات الشعبية وبعض المسلحين المحليين، وهو موقف ما زالت المدينة تدفع ثمنه حتى الآن في إطار السياسة الانتقامية للنظام السوري من المناطق التي ثارت ضدّه.

وعادت منطقة الحجر الأسود إلى الأضواء في الأيام الأخيرة، ليس بسبب عودة أهاليها إليها بعدما هُجّروا منها على مدى السنوات الماضية، بل لأنّ المنتج الصيني الشهير جاكي شان قرّر تصوير الفيلم السينمائي "هوم أوبيريشن" الذي يحاكي عملية إجلاء طارئ لمواطنين صينيين وأجانب ودبلوماسيين خلال حرب اليمن في عام 2015.

وعلى الرغم من اختلاف الأرض ما بين اليمن، الذي يتميّز بطبيعة جبلية، والحجر الأسود، المنطقة السهلية التي كانت عبارة عن بساتين قبل بدء استيطانها من قبل نازحي الجولان السوري المحتل في مطلع سبعينيات القرن الماضي، فإنّ مشاهد "الدمار الشامل" متشابهة، لا بل هي أقسى في الحجر الأسود حيث دُمّر 80 في المائة من المباني.

وبالنسبة إلى الأهالي، فإنّ قوات النظام السوري دمّرت المنطقة عمداً، بهدف منع عودة سكانها إليها، علماً أنّ عددهم كان يزيد عن نصف مليون نسمة، تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش الذي سيطر على المنطقة ابتداءً من عام 2015، على الرغم من أنّها كانت تخضع لحصار محكم من قبل قوات النظام ابتداءً من منتصف عام 2013، الأمر الذي يثير شبهات حول كيفية تسلّل مقاتلي "داعش" إلى المنطقة وسط الحصار.

الصورة
تصوير فيلم صيني في منطقة الحجر الأسود في سورية 2 (لؤي بشارة/ فرانس برس)
مشهد من الفيلم الصيني في منطقة الحجر الأسود جنوبي دمشق (لؤي بشارة/ فرانس برس)

بعد ثلاثة أعوام على استعادة قوات النظام منطقة الحجر الأسود، ومعها مخيم اليرموك، في عام 2018، تخللها نهب منظّم واسع لما تبقّى من ممتلكات، أعلن النظام في فبراير/ شباط من عام 2021 عن نيّته السماح بعودة الأهالي إلى بيوتهم المهدمة والمنهوبة من دون أن يعرض عليهم تقديم أيّ مساعدة تسمح لهم بإعادة ترميم هذه البيوت. وهؤلاء فقراء أصلاً، من نازحي الجولان السوري المحتل، وكذلك من فقراء من مختلف المحافظات السورية الذين وجدوا في الحجر الأسود ضالتهم للسكن في مكان قريب من العاصمة دمشق، إذ لا تبعد المنطقة عن مركز المدينة أكثر من ثمانية كيلومترات، علماً أنّ المنطقة رخيصة وشعبية ومصنّفة كمنطقة مخالفات سكنية أو سكن عشوائي.

وعلى الرغم من تكرّر إعلانات النظام في محافظات دمشق وريف دمشق والقنيطرة حول تحقيق تقدّم في إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل بعض البنى التحتية تمهيداً لعودة الأهالي، فإنّ الواقع خلاف ذلك. فالأنقاض ما زالت تغطّي المدينة بمعظمها، ولم تُوفَّر المياه ولا الكهرباء ولا الخدمات الأساسية مثل الأفران والمدارس والمراكز الصحية. ولعلّ المركز الوحيد الذي أُعيدت إليه الحياة هو مخفر الشرطة. ووفقاً لذلك، تضع السلطات عراقيل إدارية وأمنية من خلال الشروط التي تفرضها للسماح بعودة الأهالي، ومنها الحصول على موافقات أمنية، الأمر الذي ينفّر الأهالي ويجعلهم يعزفون عن التفكير بالعودة، في حين أنّ الذين لم يغادروا سورية إلى الخارج يعيشون ظروفاً صعبة ويستأجرون مساكن في محيط العاصمة ترهق ميزانياتهم المتواضعة.

ويأتي تصوير الفيلم الصيني أخيراً ليثير ردود فعل ساخرة بين الأهالي، فيما تمنّوا ألا يتضمّن الفيلم مشاهد تدمير وتفجير فيُصار إلى القضاء على البيوت القليلة المتبقية التي لم تتعرّض للتدمير.

أبو محمد سالم، من سكان حيّ الثورة في الحجر الأسود، يقول لـ"العربي الجديد": "بيتي كان يتألّف من طبقتَين، وقد أصابته قذائف عدّة فسقطت الطبقة العلوية وجزء من السفلية. في العام الماضي، زرته لكنّني لم أستطع الدخول لأنّ الأنقاض كانت تسدّ المدخل الرئيسي. فحزن قلبي وأقفلت راجعاً". يضيف أبو محمد: "سمعت أنّ ثمّة تجهيزات لتصوير بعض مشاهد الفيلم بالقرب من بيتي. أتمنّى أن يكون المشهد المطلوب تصويره هو لبيت مكتمل وسليم، فيعيدوا ترميمه أو على الأقلّ يزيلوا الأنقاض".

من جهته، يقول أحمد دحام لـ"العربي الجديد" ساخراً: "سوف أرفع دعوى على منتجي الفيلم لأنّهم استخدموا بيتي من دون موافقتي. ومن التعويض الذي سوف أحصل عليه، سوف أرمّمه". أمّا ماهر الحية وهو كذلك من سكان المنطقة فيشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "النظام ما زال يعفّش الحجر الأسود. وها هو يستغلّ الدمار الذي تسبّب فيه بالمنطقة من أجل تأجيره لإنتاج الأفلام، ومن المؤكّد أنّه تقاضى عمولة لقاء ذلك".

المساهمون