أعلن الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة في لبنان، زياد حايك، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن الخصخصة لن تطبق في لبنان، والسبب هو استحكام الوزراء بالخدمات والمرافق العامة، كاشفاً الكثير من خبايا الفساد...
وهذا نص المقابلة:
وهذا نص المقابلة:
*تتردد عبارة الخصخصة منذ سنوات، فهل ستطرق باب المرافق العامة في الفترة المنظورة؟
في تاريخ لبنان الحديث لم تدخل الخصخصة إلى أي قطاع. لا بل حصل العكس، إذ كان يوجد قطاعات بيد القطاع الخاص فصار تأميمها، منها الكهرباء والمياه والاتصالات. كما أنه لم يتحقق حتى اليوم مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفق الآليات الصحيحة. اليوم، لا يوجد أي مشاريع تتعلق بالخصخصة، كل شيء مجمّد، برغم إقرار السلطة التشريعية قوانين تتعلق بالخصخصة في قطاعي الاتصالات والكهرباء. وبرغم أن الخصخصة من الأدوات الإصلاحية المهمة، إلا أنني أعتقد أنها لن تتحقق في لبنان لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل.
*الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة يقول إنه لا يوجد خصخصة؟
صحيح، إذ إن مشاريع الخصخصة لم تمر في الحكومات السابقة، وأعتقد أنها لن تمر في المستقبل. إذ ليس من مصلحة غالبية الوزراء أن يسيروا في هذا المشروع، لأن الوزير عادة يريد أن يوظف أبناء منطقته، ويريد أن يكون مسيطراً على العقود والتلزيمات، وهذا لا يمكن أن يتحقق في حال أصبح المرفق العام بيد القطاع الخاص. ويعبّر عدد من الوزراء عن عدم رغبتهم بإقرار الخصخصة من خلال عبارات أن هذا الإجراء ينتقص من صلاحيات الوزير، وأن الخصخصة ضد المصلحة العامة، وآخرون يبررون رفضهم بالقول أن الدولة تحتاج إلى إيرادات، وفعلياً كل هذه التبريرات واهية.
اليوم، يوجد مشاريع قوانين عالقة ترتبط بالشراكة بين القطاعين العام والخاص في أكثر من قطاع، منها الاتصالات والكهرباء والطيران المدني، أي فتح الاجواء، وهذه المشاريع تحرر هذه القطاعات وتدخل إليها المنافسة، وفيها بنود تدعو لتشكيل هيئات ناظمة تسهر على القطاعات لتنظيمها وتتأكد من عدم حصول احتكار منظم من قبل الشركات، وتحمي مصلحة المواطن. ولكن كل هذه الإجراءات ليست من مصلحة الوزراء، وبالتالي لا يقومون بتطبيقها.
*ولكن الخصخصة كما الشراكة، ليست وردية كما تصفها، فهي تخلّ عن مرافق الدولة، إذ لا تسمعون شكوى المواطن ومخاوفه منها؟
أريد أن أسأل المواطنين: هل أنتم غير راضون عن خدمة المطاعم والمصارف ومحلات الثياب وشركات تأجير السيارات وغيرها؟ أعتقد أن عامة الناس لا يوجد لديها مشاكل مع هذه القطاعات. وفي المقابل: هل يوجد أحد في لبنان سعيد ومكتف بخدمة الكهرباء أو الاتصالات التي تقدمها الدولة؟ أعتقد أن أحداً لن يجيب بنعم. ماذا يردد المواطن يومياً: المطاعم ستهلكنا أم الكهرباء؟ فعلياً لا يوجد خدمة واحدة تقدمها الدولة بجودة تحقق مصالح المواطن، من الضمان الاجتماعي إلى الصحة إلى الكهرباء إلى المياه إلى الاتصالات.
وبالتالي الخوف لا ينبغي أن يكون من القطاع الخاص، وإنما من احتكار القطاع الخاص للقطاعات. ونحن هدفنا عدم استبدال احتكار الدولة باحتكار خاص، وإنما تحرير المرافق والقطاعات. اليوم لدينا شركتا خلوي والدولة تحدد الأسعار ولا يوجد منافسة والخدمة سيئة، ترى لو كان لدينا 4 إلى 5 شركات للخلوي ألا تتحسن الخدمة؟ وهل يسيطر القطاع العام على الاتصالات إلا في لبنان وكوبا وكوريا الشمالية؟ ومن جهة أخرى، كيف يمكن أن نطور صناعة المعرفة في بلدنا في ظل خدمات متهالكة؟ وهل نقول لخريجي التكنولوجيا هاجروا لتنمية بلدان أخرى؟
*لكن المواطن ليس سعيداً بخدمة المطاعم والمصارف، ويوجد الكثير من الشكاوى في ظل الفضائح الغذائية والعمولات والفوائد المصرفية والانتقائية في تقديم القروض.
مصلحة المستهلك مضمونة في حال تحققت الخصخصة، الهيئات الناظمة في القطاعات هي التي تقوم بدور حماية المواطن، ويمكن للأخير أن يلجأ للقضاء، كما يمكن محاسبة الموظفين في الهيئات الناظمة في حال تقصيرهم، في حين لا يمكن محاسبة الوزير، لأنه محمي من الطائفة والحزب، وحتى النظام البرلماني في لبنان يحميه، كون مجلس النواب ينتج من تكتلاته الوزراء في الحكومة، إذ إن مجلس النواب لا يحاسب الحكومات، والكل يريد تقاسم "الجبنة". أما الغريب، حين يكون الشعب اللبناني سعيداً بـ "أنهم" متفقون، في حين "أنهم" يتفقون ولكن عليه.
* فعلياً الذين يتحكمون بالخدمات العامة ويسخّرونها لمصالحهم هم أنفسهم من يتحكمون بالبدائل غير المشروعة، فما الفرق بالنسبة إلى المواطن إن حدثت الخصخصة أو لم تحدث؟
كل البدائل غير قانونية، من المولدات إلى خدمات الإنترنت غير الشرعية، لا بل يوجد لدينا 300 شركة توزع مياهاً غير مرخصة مثلاً. وإن كان الطاقم السياسي فاسداً، وفي الوقت نفسه لم ينفذ الشراكة بين القطاعين العام والخاص منذ 13 عاماً على إطلاق القوانين، فلا بد أن نسأل عن السبب.
* ألا يمكن أن يكون السبب فقط أن الوزير وحزبه يريدان الانتفاع من الخدمة العامة، في حين أن الخصخصة هي باب لمحاصصة المنافع مع أطراف وأحزاب أخرى، وليست القضية أن الخصخصة هي إصلاح لا يريده الوزراء؟
في البداية علينا أن نضيء على أمر. هناك عدة طرق تتعلق بتعامل الدولة مع القطاع الخاص. يوجد طريقة الاستعانة بالقطاع الخاص للحصول على خدمات معينة في إدارات القطاع العام، كشراء المأكولات من المطعم مثلاً من قبل الوزارات. ويوجد طريقة أخرى اسمها عقد الإدارة، حيث يطّلع القطاع العام من شركات القطاع الخاص على تأمين خدمة معينة في مرفق محدد. وفي كلتيهما لا يتحمل القطاع الخاص أية مخاطر، فالدولة هنا هي زبون كبير ومصدر أرباح لا أكثر. والطريقة الأخيرة، هي أكثر ما يستسيغها بعض السياسيين أو الوزراء كونها باباً للإفادة، إذ إن عقد الإدارة يتجدد إلى ما لا نهاية، وتستمر معه المنافع. وأحيانا يتم اللجوء إلى المناقصات، وهذه تكون شريفة أحياناً وشكلية أحياناً أخرى. والأكيد أن عقد الإدارة ليس من صالح القطاع العام.
من جهة ثانية يوجد الخصخصة، حيث تتخلى الدولة عن أي مسؤولية إنتاجية وتبقى لديها مسؤولية التنظيم والرقابة عبر الهيئات الناظمة، وبالتالي كل المخاطر تتحول إلى القطاع الخاص.
ما بين الاثنين يوجد مساحة كبيرة وهي الشراكة بين القطاعين العام والخاص، هي ليست شراكة بالأرباح ولا رأس المال ولا المدخول وإنما ترمز إلى الشراكة في المخاطر. مثلاً نحن بحاجة إلى معامل كهرباء جديدة، فتطلب الدولة من القطاع الخاص إنشاء معمل وتوليد الكهرباء وبيعها للدولة، وهنا القطاع الخاص يتحمل كافة المخاطر التشغيلية، والدولة تتحمل مخاطر اجتماعية تتعلق بالتعرفة مثلاً، بحيث تؤمن موارد دعمها أو تبيعها للمواطن بسعرها الحقيقي وتتحمل التبعات الاجتماعية عبر سياسات معينة.
وجواباً على السؤال، أهم ما في الشراكة أن تتم بالطريقة الصحيحة وإلا تفشل كما يحصل في الخلوي، وفي الكهرباء. كما يجب أن يكون هناك شفافية تامة في عمليات التلزيم. ولكن، للأسف كل المشاريع الحالية تتم في علبة سوداء في الوزارة، حتى العقد لا يكون علنياً، وتكون الصلاحيات محصورة بوزير، في حين يجب أن تكون موزعة على كافة الأطراف المعنية. فمعمل الكهرباء مثلاً من مسؤولية وزارة الكهرباء والبيئة والمالية والبلديات والمجتمع المدني وغيره... وبالتالي يمكن رشوة جهة أو جهتين ولكن لا يمكن رشوة كل الجهات أو مثلاً رشوة المجتمع المدني.
ولنعتبر أنه يوجد نزاهة من كل الأفرقاء المعنيين، ولكن يوجد بأحسن الأحوال قلة خبرة في عقد الصفقات. إذ يتم إقصاء المجلس الأعلى للخصخصة عن عمليات التلزيم، في حين أن لدينا متخصصين. ما يحصل أنه يتم تشكيل لجان وزارية ويتم الاستعانة بخبراء لدراسة العقود والتلزيمات، بيد أن الشراكة لا تحتاج إلى مهندسين مثلاً، وإنما إلى خبراء بالتمويل وقوانين الشراكة. وتبقى المشكلة الأساس هي غياب المحاسبة، وعدم الإعلان عن دفاتر الشروط بشفافية، ولا عن العقود المبرمة. ما نريده هو إقرار مشروع قانون الشراكة، وألّا تكون الصلاحيات في المرافق مرتبطة بوزير.
*لكن ألا يعني الوصول إلى إقرار مشروع القانون أن مسببات عدم تطبيقه قد انتهت، وأن القطاع العام قد تحرر من الفساد؟
أكرر أنني لا أتوقع أن يوافق الوزراء على إقرار المشروع، ولكن أتمنى أن يقوم البرلمان بالمحاسبة، لأن النواب لا يدخلون مباشرة في الإفادة من عدم تطبيق قانون الشراكة.
* كيف يمكن توصيف تركيبة الفساد في لبنان؟ وهل من أمل في القضاء عليه؟
الحل سياسي، وما نستطيع أن نفعله هو رفع الصوت وإبقاؤه لإقرارمشروع القانون لكي نستطيع محاسبة من لا يحترمه على الأقل، ولكي نبرم عقوداً بطريقة شفافة وواضحة وإلا نبقى في بلد "كل من إيدو إلو" والصفقات "ماشية" واللجان الوزارية تقرر من دون إعطاء أهمية للخبرات الموجودة وللقيام بالتلزيمات بالطرق الصحيحة.
* المجلس الأعلى للخصخصة متوقف عن العمل منذ أكثر من 7 سنوات ولا زلتم تتقاضون رواتب ولديكم موازنة خاصة، ألا يعتبر ذلك هدراً للمال العام؟
نحن مبعدون عن العمل منذ العام 2008، ولا يوجد قانون يلزم الإدارات بإشراكنا في عمليات التلزيم، ومشروع قانون الشراكة لا يزال غير نافذ، ولكن المبلغ الذي يصرف علينا في المجلس الأعلى للخصخصة ليس هدراً للمال العام، نحن أربعة موظفين ولا نقيم حفلات ولا مؤتمرات ولا نستأجر طائرات خاصة، ونحن نعمل مقابل المال الذي نتقاضاه بشكل يومي ومتواصل، ونقدم استشارات بشكل دائم لرئاسة الحكومة. كما أن موازنة المجلس البالغة 4 مليارات ليرة، لم نصرف منها أي مبلغ منذ العام 2008. ولدينا أمل أن يعود عملنا، حيث نسمع بعض المعلومات التي تشير إلى وجود نوايا حسنة لإشراكنا في مشاريع كبرى في بعض الوزارات.
الاقتصاد ليس أولوية
يقول الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك لـ"العربي الجديد" إن الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارات المعنية بمشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لم يعبروا عن رغبتهم بإقرار المشروع، وهم تابعون لأطراف من قوى 14 وكذا 8 آذار/مارس. ويعتبر أن الزعماء موافقون على مبدأ الشراكة وكذلك الأحزاب، ولكن المعضلة بالوزير لا بالحزب، فالنائب يرى الصورة عامة وكذلك الزعماء، ولكن حين يتم وضع المشروع أمام الوزراء تبدأ المماطلة. ويلفت إلى أن سبب ذلك يعود إلى تناقص صلاحيات الوزير وعدم إفادته. ويشرح حايك أن المماطلة حصلت في كافة الحكومات المتعاقبة وصولاً الى هذه الحكومة، إذ إن كل الأحزاب موافقة على مبدأ الشراكة والوزارات تدخل في مشاريع شراكة مع القطاع الخاص، من استئجار بواخر الكهرباء التركية مروراً بشركات مقدمي الخدمات في الكهرباء وصولاً الى النفايات والميكانيك، ولكن لا أحد يريد مشروع قانون الشراكة. ويعتبر حايك أن الاقتصاد ليس مطروحاً في لائحة أولويات غالبية الأحزاب، ويغيب التخطيط والرؤى المستقبلية عن مشاريعها، في حين أنه يوجد ضرورة لخلق فرص عمل والمساعدة في إنشاء الشركات وتسهيل معاملات وزارة المالية وغيره، كما يوجد ضرورة لوقف الفساد في الدوائر العامة والإدارات، ومن المفترض أن تكون هذه القضايا من الأولويات.
بطاقة
عيّن زياد حايك أميناً عاماً للمجلس الأعلى اللبناني للخصخصة من قبل مجلس الوزراء في 2006. قام بتنظيم مؤتمر المانحين "استوكهولم"، لإغاثة لبنان وإعادة الإعمار. شغل الكثير من المناصب في شركات أجنبية كبرى، في عدد من الدول. وهو حاصل على الماجستير في الإدارة الدولية من جامعة تكساس وإدارة الأعمال من هيوستن، ويتقن 11 لغة.
إقرأ أيضاً: الضوضاء تزيد سعر الشقة 770 دولاراً في اليمن
في تاريخ لبنان الحديث لم تدخل الخصخصة إلى أي قطاع. لا بل حصل العكس، إذ كان يوجد قطاعات بيد القطاع الخاص فصار تأميمها، منها الكهرباء والمياه والاتصالات. كما أنه لم يتحقق حتى اليوم مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفق الآليات الصحيحة. اليوم، لا يوجد أي مشاريع تتعلق بالخصخصة، كل شيء مجمّد، برغم إقرار السلطة التشريعية قوانين تتعلق بالخصخصة في قطاعي الاتصالات والكهرباء. وبرغم أن الخصخصة من الأدوات الإصلاحية المهمة، إلا أنني أعتقد أنها لن تتحقق في لبنان لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل.
*الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة يقول إنه لا يوجد خصخصة؟
صحيح، إذ إن مشاريع الخصخصة لم تمر في الحكومات السابقة، وأعتقد أنها لن تمر في المستقبل. إذ ليس من مصلحة غالبية الوزراء أن يسيروا في هذا المشروع، لأن الوزير عادة يريد أن يوظف أبناء منطقته، ويريد أن يكون مسيطراً على العقود والتلزيمات، وهذا لا يمكن أن يتحقق في حال أصبح المرفق العام بيد القطاع الخاص. ويعبّر عدد من الوزراء عن عدم رغبتهم بإقرار الخصخصة من خلال عبارات أن هذا الإجراء ينتقص من صلاحيات الوزير، وأن الخصخصة ضد المصلحة العامة، وآخرون يبررون رفضهم بالقول أن الدولة تحتاج إلى إيرادات، وفعلياً كل هذه التبريرات واهية.
اليوم، يوجد مشاريع قوانين عالقة ترتبط بالشراكة بين القطاعين العام والخاص في أكثر من قطاع، منها الاتصالات والكهرباء والطيران المدني، أي فتح الاجواء، وهذه المشاريع تحرر هذه القطاعات وتدخل إليها المنافسة، وفيها بنود تدعو لتشكيل هيئات ناظمة تسهر على القطاعات لتنظيمها وتتأكد من عدم حصول احتكار منظم من قبل الشركات، وتحمي مصلحة المواطن. ولكن كل هذه الإجراءات ليست من مصلحة الوزراء، وبالتالي لا يقومون بتطبيقها.
*ولكن الخصخصة كما الشراكة، ليست وردية كما تصفها، فهي تخلّ عن مرافق الدولة، إذ لا تسمعون شكوى المواطن ومخاوفه منها؟
أريد أن أسأل المواطنين: هل أنتم غير راضون عن خدمة المطاعم والمصارف ومحلات الثياب وشركات تأجير السيارات وغيرها؟ أعتقد أن عامة الناس لا يوجد لديها مشاكل مع هذه القطاعات. وفي المقابل: هل يوجد أحد في لبنان سعيد ومكتف بخدمة الكهرباء أو الاتصالات التي تقدمها الدولة؟ أعتقد أن أحداً لن يجيب بنعم. ماذا يردد المواطن يومياً: المطاعم ستهلكنا أم الكهرباء؟ فعلياً لا يوجد خدمة واحدة تقدمها الدولة بجودة تحقق مصالح المواطن، من الضمان الاجتماعي إلى الصحة إلى الكهرباء إلى المياه إلى الاتصالات.
وبالتالي الخوف لا ينبغي أن يكون من القطاع الخاص، وإنما من احتكار القطاع الخاص للقطاعات. ونحن هدفنا عدم استبدال احتكار الدولة باحتكار خاص، وإنما تحرير المرافق والقطاعات. اليوم لدينا شركتا خلوي والدولة تحدد الأسعار ولا يوجد منافسة والخدمة سيئة، ترى لو كان لدينا 4 إلى 5 شركات للخلوي ألا تتحسن الخدمة؟ وهل يسيطر القطاع العام على الاتصالات إلا في لبنان وكوبا وكوريا الشمالية؟ ومن جهة أخرى، كيف يمكن أن نطور صناعة المعرفة في بلدنا في ظل خدمات متهالكة؟ وهل نقول لخريجي التكنولوجيا هاجروا لتنمية بلدان أخرى؟
*لكن المواطن ليس سعيداً بخدمة المطاعم والمصارف، ويوجد الكثير من الشكاوى في ظل الفضائح الغذائية والعمولات والفوائد المصرفية والانتقائية في تقديم القروض.
مصلحة المستهلك مضمونة في حال تحققت الخصخصة، الهيئات الناظمة في القطاعات هي التي تقوم بدور حماية المواطن، ويمكن للأخير أن يلجأ للقضاء، كما يمكن محاسبة الموظفين في الهيئات الناظمة في حال تقصيرهم، في حين لا يمكن محاسبة الوزير، لأنه محمي من الطائفة والحزب، وحتى النظام البرلماني في لبنان يحميه، كون مجلس النواب ينتج من تكتلاته الوزراء في الحكومة، إذ إن مجلس النواب لا يحاسب الحكومات، والكل يريد تقاسم "الجبنة". أما الغريب، حين يكون الشعب اللبناني سعيداً بـ "أنهم" متفقون، في حين "أنهم" يتفقون ولكن عليه.
* فعلياً الذين يتحكمون بالخدمات العامة ويسخّرونها لمصالحهم هم أنفسهم من يتحكمون بالبدائل غير المشروعة، فما الفرق بالنسبة إلى المواطن إن حدثت الخصخصة أو لم تحدث؟
كل البدائل غير قانونية، من المولدات إلى خدمات الإنترنت غير الشرعية، لا بل يوجد لدينا 300 شركة توزع مياهاً غير مرخصة مثلاً. وإن كان الطاقم السياسي فاسداً، وفي الوقت نفسه لم ينفذ الشراكة بين القطاعين العام والخاص منذ 13 عاماً على إطلاق القوانين، فلا بد أن نسأل عن السبب.
* ألا يمكن أن يكون السبب فقط أن الوزير وحزبه يريدان الانتفاع من الخدمة العامة، في حين أن الخصخصة هي باب لمحاصصة المنافع مع أطراف وأحزاب أخرى، وليست القضية أن الخصخصة هي إصلاح لا يريده الوزراء؟
في البداية علينا أن نضيء على أمر. هناك عدة طرق تتعلق بتعامل الدولة مع القطاع الخاص. يوجد طريقة الاستعانة بالقطاع الخاص للحصول على خدمات معينة في إدارات القطاع العام، كشراء المأكولات من المطعم مثلاً من قبل الوزارات. ويوجد طريقة أخرى اسمها عقد الإدارة، حيث يطّلع القطاع العام من شركات القطاع الخاص على تأمين خدمة معينة في مرفق محدد. وفي كلتيهما لا يتحمل القطاع الخاص أية مخاطر، فالدولة هنا هي زبون كبير ومصدر أرباح لا أكثر. والطريقة الأخيرة، هي أكثر ما يستسيغها بعض السياسيين أو الوزراء كونها باباً للإفادة، إذ إن عقد الإدارة يتجدد إلى ما لا نهاية، وتستمر معه المنافع. وأحيانا يتم اللجوء إلى المناقصات، وهذه تكون شريفة أحياناً وشكلية أحياناً أخرى. والأكيد أن عقد الإدارة ليس من صالح القطاع العام.
من جهة ثانية يوجد الخصخصة، حيث تتخلى الدولة عن أي مسؤولية إنتاجية وتبقى لديها مسؤولية التنظيم والرقابة عبر الهيئات الناظمة، وبالتالي كل المخاطر تتحول إلى القطاع الخاص.
ما بين الاثنين يوجد مساحة كبيرة وهي الشراكة بين القطاعين العام والخاص، هي ليست شراكة بالأرباح ولا رأس المال ولا المدخول وإنما ترمز إلى الشراكة في المخاطر. مثلاً نحن بحاجة إلى معامل كهرباء جديدة، فتطلب الدولة من القطاع الخاص إنشاء معمل وتوليد الكهرباء وبيعها للدولة، وهنا القطاع الخاص يتحمل كافة المخاطر التشغيلية، والدولة تتحمل مخاطر اجتماعية تتعلق بالتعرفة مثلاً، بحيث تؤمن موارد دعمها أو تبيعها للمواطن بسعرها الحقيقي وتتحمل التبعات الاجتماعية عبر سياسات معينة.
وجواباً على السؤال، أهم ما في الشراكة أن تتم بالطريقة الصحيحة وإلا تفشل كما يحصل في الخلوي، وفي الكهرباء. كما يجب أن يكون هناك شفافية تامة في عمليات التلزيم. ولكن، للأسف كل المشاريع الحالية تتم في علبة سوداء في الوزارة، حتى العقد لا يكون علنياً، وتكون الصلاحيات محصورة بوزير، في حين يجب أن تكون موزعة على كافة الأطراف المعنية. فمعمل الكهرباء مثلاً من مسؤولية وزارة الكهرباء والبيئة والمالية والبلديات والمجتمع المدني وغيره... وبالتالي يمكن رشوة جهة أو جهتين ولكن لا يمكن رشوة كل الجهات أو مثلاً رشوة المجتمع المدني.
ولنعتبر أنه يوجد نزاهة من كل الأفرقاء المعنيين، ولكن يوجد بأحسن الأحوال قلة خبرة في عقد الصفقات. إذ يتم إقصاء المجلس الأعلى للخصخصة عن عمليات التلزيم، في حين أن لدينا متخصصين. ما يحصل أنه يتم تشكيل لجان وزارية ويتم الاستعانة بخبراء لدراسة العقود والتلزيمات، بيد أن الشراكة لا تحتاج إلى مهندسين مثلاً، وإنما إلى خبراء بالتمويل وقوانين الشراكة. وتبقى المشكلة الأساس هي غياب المحاسبة، وعدم الإعلان عن دفاتر الشروط بشفافية، ولا عن العقود المبرمة. ما نريده هو إقرار مشروع قانون الشراكة، وألّا تكون الصلاحيات في المرافق مرتبطة بوزير.
*لكن ألا يعني الوصول إلى إقرار مشروع القانون أن مسببات عدم تطبيقه قد انتهت، وأن القطاع العام قد تحرر من الفساد؟
أكرر أنني لا أتوقع أن يوافق الوزراء على إقرار المشروع، ولكن أتمنى أن يقوم البرلمان بالمحاسبة، لأن النواب لا يدخلون مباشرة في الإفادة من عدم تطبيق قانون الشراكة.
* كيف يمكن توصيف تركيبة الفساد في لبنان؟ وهل من أمل في القضاء عليه؟
الحل سياسي، وما نستطيع أن نفعله هو رفع الصوت وإبقاؤه لإقرارمشروع القانون لكي نستطيع محاسبة من لا يحترمه على الأقل، ولكي نبرم عقوداً بطريقة شفافة وواضحة وإلا نبقى في بلد "كل من إيدو إلو" والصفقات "ماشية" واللجان الوزارية تقرر من دون إعطاء أهمية للخبرات الموجودة وللقيام بالتلزيمات بالطرق الصحيحة.
* المجلس الأعلى للخصخصة متوقف عن العمل منذ أكثر من 7 سنوات ولا زلتم تتقاضون رواتب ولديكم موازنة خاصة، ألا يعتبر ذلك هدراً للمال العام؟
نحن مبعدون عن العمل منذ العام 2008، ولا يوجد قانون يلزم الإدارات بإشراكنا في عمليات التلزيم، ومشروع قانون الشراكة لا يزال غير نافذ، ولكن المبلغ الذي يصرف علينا في المجلس الأعلى للخصخصة ليس هدراً للمال العام، نحن أربعة موظفين ولا نقيم حفلات ولا مؤتمرات ولا نستأجر طائرات خاصة، ونحن نعمل مقابل المال الذي نتقاضاه بشكل يومي ومتواصل، ونقدم استشارات بشكل دائم لرئاسة الحكومة. كما أن موازنة المجلس البالغة 4 مليارات ليرة، لم نصرف منها أي مبلغ منذ العام 2008. ولدينا أمل أن يعود عملنا، حيث نسمع بعض المعلومات التي تشير إلى وجود نوايا حسنة لإشراكنا في مشاريع كبرى في بعض الوزارات.
الاقتصاد ليس أولوية
يقول الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك لـ"العربي الجديد" إن الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارات المعنية بمشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لم يعبروا عن رغبتهم بإقرار المشروع، وهم تابعون لأطراف من قوى 14 وكذا 8 آذار/مارس. ويعتبر أن الزعماء موافقون على مبدأ الشراكة وكذلك الأحزاب، ولكن المعضلة بالوزير لا بالحزب، فالنائب يرى الصورة عامة وكذلك الزعماء، ولكن حين يتم وضع المشروع أمام الوزراء تبدأ المماطلة. ويلفت إلى أن سبب ذلك يعود إلى تناقص صلاحيات الوزير وعدم إفادته. ويشرح حايك أن المماطلة حصلت في كافة الحكومات المتعاقبة وصولاً الى هذه الحكومة، إذ إن كل الأحزاب موافقة على مبدأ الشراكة والوزارات تدخل في مشاريع شراكة مع القطاع الخاص، من استئجار بواخر الكهرباء التركية مروراً بشركات مقدمي الخدمات في الكهرباء وصولاً الى النفايات والميكانيك، ولكن لا أحد يريد مشروع قانون الشراكة. ويعتبر حايك أن الاقتصاد ليس مطروحاً في لائحة أولويات غالبية الأحزاب، ويغيب التخطيط والرؤى المستقبلية عن مشاريعها، في حين أنه يوجد ضرورة لخلق فرص عمل والمساعدة في إنشاء الشركات وتسهيل معاملات وزارة المالية وغيره، كما يوجد ضرورة لوقف الفساد في الدوائر العامة والإدارات، ومن المفترض أن تكون هذه القضايا من الأولويات.
بطاقة
عيّن زياد حايك أميناً عاماً للمجلس الأعلى اللبناني للخصخصة من قبل مجلس الوزراء في 2006. قام بتنظيم مؤتمر المانحين "استوكهولم"، لإغاثة لبنان وإعادة الإعمار. شغل الكثير من المناصب في شركات أجنبية كبرى، في عدد من الدول. وهو حاصل على الماجستير في الإدارة الدولية من جامعة تكساس وإدارة الأعمال من هيوستن، ويتقن 11 لغة.
إقرأ أيضاً: الضوضاء تزيد سعر الشقة 770 دولاراً في اليمن