تعاني كثير من النساء في مصر من مظاهر متباينة للعنف والإيذاء الأسري، الجسدي والنفسي، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد القتل، وتتزايد معدلات العنف الأسري بشكل ملحوظ في ظل تفاقم الأزمات المعيشية.
عاشت الثلاثينية المصرية أماني، عدة سنوات صعبة في صراع داخلي بين قرار الانفصال عن زوجها الذي يكرر الاعتداء عليها، وبين تحمل التعنيف لضمان استمرار الحياة الأسرية لأبنائها، حتى ولو ظاهرياً. انتهى بها التفكير إلى اتخاذ قرار الطلاق، لكن الزوج رفض ذلك، ورفضت عائلتها الذهاب إلى المحكمة.
بعد خلافات طويلة، تقرر عقد جلسة عائلية لإنهاء الأزمة، فحكم لها حضور الجلسة بأحقية الطلاق في مقابل التنازل عن حقوقها المادية، رغم ما روته من تفاصيل ضرب وإهانة زوجها لها، ما يجعلها تطلب الطلاق للضرر، وذلك بعد أن فشلت كل محاولات إثناء الزوج عن هذا السلوك، أو إقناعه بمنحها كامل حقوقها المادية بعد الطلاق.
تعيش أماني حالياً مع أبنائها في منزل والدها، وهي تحاول جاهدة أن تمحو تفاصيل العنف والتوتر والقلق من ذاكرة أبنائها، ليعيشوا حياة سوية، ويرسموا ذكريات أكثر سعادة.
بينما يحتفل العالم في الحادي والعشرين من شهر مارس/آذار من كل عام بـ"عيد الأم"؛ مازال هناك مئات المعنفات من الأمهات البائسات اللاتي يتحملن الكثير من المسؤوليات، وأحياناً مسؤوليات الأم والأب معاً، ويدفع بعضهن ثمناً باهظاً لمناهضة جريمة العنف الأسري.
عاشت الكثير من الأمهات وقائع عنف تعرضن لها داخل أسرهن على أيدي أقارب مثل الأزواج أو الآباء والإخوة، ووثقت دراسة حديثة صادرة عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة مجتمع مدني)، تفاصيل 235 واقعة عنف أسري خلال عام 2022، وهذا العدد بالطبع لا يمثل إلا نسبة محدودة للغاية مما يحدث على أرض الواقع الإجمالي عدد حالات العنف الأسري في مصر، لكنها تمثل حالات تم رصدها من مواقع إخبارية.
من بين وقائع العنف الأسري الموثقة، تم حصر 129 واقعة اعتداء على الزوجات، و62 حالة عنف أسري ضد فتيات، وفي تلك الحالات، تم رصد 119 واقعة قتل، و17 حالة ضرب أفضى إلى الموت، و10 حالات شروع في قتل، بالإضافة إلى 48 واقعة تَعدٍّ بالضرب. وطبقًا للدراسة، سجلت محافظة القاهرة أعلى المعدلات في وقائع العنف الأسري، وتلتها محافظتا الشرقية والجيزة، وبلغت نسبة الأزواج المعتدين على زوجاتهن 51.8 في المائة، يليها الآباء المعتدون على بناتهم بنسبة 13.3 في المائة.
ليست قصة أماني حالة شاذة في المجتمع المصري، بل هي نموذج لنحو 20 في المائة من النساء المتزوجات والمطلقات اللاتي يتعرضن للتعنيف في مصر، طبقًا لإحصاءات رسمية. فالمؤشرات التي رصدها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) خلال عام 2021، رصدت معدلات متزايدة من العنف من قبل الأزواج على زوجاتهم، أو السيدات اللائي سبق لهٌن الزواج بهم في الفئة العمرية من 15 إلى 49 سنة.
وأوضح بيان للجهاز الحكومي أن 21 في المائة من النساء المتزوجات، أو اللاتي سبق لهن الزواج، تعرضن لأشكال من العنف النفسي من قبل الزوج خلال عام 2021، ونحو 25.5 في المائة من النساء المتزوجات أو اللاتي سبق لهن الزواج تعرضن للعنف الجسدي من قبل الزوج خلال عام 2021.
وعلى الرغم من هذه النسب المرتفعة لتعنيف الزوجات والنساء بشكل عام في مصر؛ تبقى القوانين قاصرة عن حمايتهن، إذ لم يرد في القانون المصري تشريع خاص يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، أو يقدم الحماية القانونية اللازمة للمرأة ضد أشكال العنف، على الرغم من تدخل المشرع المصري بتعديل بعض نصوص قانون العقوبات ليقرر حماية جنائية للنساء، مثل تغليظ العقوبات في جرائم مثل ختان الإناث أو التحرش الجنسي.
والعقوبات المقررة في القانون المصري لجريمة ممارسة العنف ضد النساء غالباً ما تكون غرامة مالية زهيدة، أو حكما بالحبس مع إيقاف التنفيذ، ويتزامن هذا دوماً مع ضغوط من القائمين على تنفيذ القانون هدفها إثناء النساء عن استكمال الإجراءات القانونية، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد الشهود في قضايا العنف الأسري، ما يجعل إثبات الضرر الواقع على الضحية أمراً بالغ الصعوبة، تماماً كما حدث في قصة أماني.
ورغم أن السلطات المصرية أطلقت خلال السنوات الماضية عدة مبادرات واستراتيجيات للحد من التمييز والعنف ضد المرأة، إلا أن نسب العنف والتمييز ما زالت مرتفعة، وتؤدي إلى انتقادات محلية ودولية حادة لتجاهل عدم توفير الحماية للنساء.
في أواخر عام 2014، أطلقت الدولة المصرية الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة (2015- 2020)،والتي صدرت عن المركز القومي للمرأة (حكومي)، وقدمت تدابير عملية للحد من العنف ضد النساء من خلال إجراءات للوقاية، والحماية، والتدخلات، والملاحقات القانونية.
وفي عام 2017، أصدر المركز القومي للمرأة أيضا، الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، والتي تناولت سبل تمكين المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكذلك حمايتها من العنف. وفي عام 2020، احتفى المجلس القومي للمرأة في تقرير له، بالقوانين والتشريعات الوطنية الخاصة بحماية المرأة من جرائم العنف.
وتقدم البرلمان المصري بمشروع قانون موحد للأحوال الشخصية، لكن أدانته 300 منظمة نسوية ومنظمات حقوقية مصرية كونه يتبنى "فلسفة ازدرائية بحق المرأة المصرية".
رغم كل تلك الاستراتيجيات والمشروعات الحكومية وغير الحكومية لمناهضة العنف ضد المرأة، تبقى الحلول العائلية والعرفية هي المسؤول الأول عن إنهاء أزمات العنف الأسري، وليس القانون، مثلما حدث مع أماني، التي حكم لها بحق الطلاق في جلسة عائلية، مع اشتراط التنازل عن كل مستحقاتها المادية في مقابل الاحتفاظ بحضانة أبنائها، بدلاً من خوض رحلة قضائية شاقة، غالباً ما تنتهي إلى أحكام زهيدة بالنفقة لا تكفي تلك التي تنفقها على أبنائها شهرياً؛ لتتحمل المرأة القدر الأكبر من الأعباء المادية والنفسية.