- تحتضن أماسيا آثارًا تاريخية تعكس تعاقب حضارات وكانت مركزًا لتعليم أولاد السلاطين العثمانيين، مما يجعلها مدينة ذات أهمية تاريخية وثقافية كبيرة.
- في السنوات الأخيرة، شهدت أماسيا اهتمامًا متزايدًا كوجهة سياحية بفضل جهود الترويج، مع معالمها القائمة والمتحف المفتوح الذي يضم آثارًا لـ14 حضارة مختلفة، مما يجعلها مدينة ساحرة وهادئة.
يندر أن تملك ولاية تركية مقومات السياحة والإغراء من دون أن تحظى بترويج مناسب. هذه حال أماسيا التركية ذات الطبيعة والآثار والعجائب المدهشة، لكن السياح والمواطنين لا يعرفونها.
يشبّه الباحث التركي صدقي يلماظ عدم شهرة مدينة أماسيا في شمال تركيا بما يحصل للبشر "فقد لا يتمتع كل صاحب كفاءة بشهرة، كما قد لا يفتقر شخص يواجه الإهمال أو الإقصاء لأي من مقومات الشهرة، ما يعني أن القصة تتعلّق بالأقدار... وسوء الترويج".
يضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "يُذكر قليلاً في الكتب وحكايات المدن أن تفاح أماسيا من النوع الخاص عالمياً، وله شهرة ويدمنه كل من يتذوقه ويعرفه، فهو من النوع القاسي والحلو جداً ويتضمن الكثير من الماء، وهو يرمز إلى خصوصيات المدينة الجبلية والساحلية وفي الوقت نفسه ذات البرودة القاسية والدافئة وربما الحارّة، وكأنه وجد ليكون في أماسيا".
يتابع: "تتضمن أماسيا أيضاً العديد من النباتات المنقرضة التي لا توجد اليوم إلا فيها. وفي شهر مايو/ أيار تحديداً تظهر فيها أزهار نبتة باغ هافاجيفاسي التي اكتشفها العالم البريطاني نيولاس بونمولر عام 1889، وسُجلت لاحقاً كنبات منقرض. وحين جرى التنبه إلى أهمية طبيعة أماسيا، جرى تسجيل 11 نبتة من النوع المهدد بالانقراض فيها، واتخذت تدابير لحماية الأنواع الموجودة والاستفادة من بذروها لتكثيف زراعتها تمهيداً لضمان تكاثرها بشكل يضمن الحفاظ عليها.
أيضاً يتحدث يلماظ عن خصوصية أماسيا على صعيد ما تحتويه من آثار ومواقع تعود إلى خمس حضارات مرت عليها خلال نحو 8500 سنة، ويقول: "اشتهرت أماسيا باعتبارها مدينة تعليم وتدريب أولاد السلاطين شاه زادة، إذ جرت العادة أن يرسل السلاطين أبناءهم، ومنهم محمد الفاتح، كي يتلقوا العلوم الدينية والفنون القتالية فيها. ويربط باحثون في التاريخ نتائج حروب بعض السلاطين بالأماكن التي تلقوا علومهم فيها، ويقول بعضهم إن تربية وتدريب محمد الفاتح في أماسيا لعبت دوراً في فتحه القسطنطينية بسبب درايته بالبحر وطرق التعامل معه، كما أن تعلّم سليم الأول، ابن السلطان سليمان، في طرابزون الجبيلة ساهم في مواجهته حملات الفرس والتصدي لهم.
وفي شأن سرّ إرسال السلاطين أولادهم إلى ولايات بعيدة عن العواصم في أدرنة وبورصة وإسطنبول، يقول يلماظ: "من أهم أسباب هذا الأمر تعمّد ابعاد تربية الأولاد عن السياسة بعواصم السلطنة كي لا يفكروا لاحقاً بالانقلاب على آبائهم".
ويختم يلماظ بالإشارة إلى خصوصية فريدة لأماسيا تتمثل في أنها كانت من أهم مراكز القبائل التركية القادمة من آسيا الوسطى، ما جعلها أحد مراكز انتشار الإمبراطورية العثمانية ودعمها.
وتقع أماسيا ضمن واد ضيق يسمى "هرشينا" في منطقة البحر الأسود، شمال تركيا، ويقسمها نهر يشيل إرماق إلى قسمين، وتشتهر بألقاب عدة، بينها مدينة الأمراء وإقليم التفاح وموطن العلماء والفنانين، من أمثال الجغرافي اليوناني الشهير والفيلسوف والمؤرخ سترابو، والطبيب الأرميني والكاتب أميردولت.
على طريق الحرير
ويقول مدير شركة "يا شام" السياحية محمود ألتن باش لـ"العربي الجديد": "ولاية أماسيا مظلومة سياحياً، ولم تأخذ حقها في الترويج والاكتشاف والاستقطاب، لكن الأعوام الأخيرة شهدت تنفيذ حملات ترويج ورحلات تشجيعية للسياح إلى أماسيا. نفاجأ دائماً بجهل السياح، والعرب خصوصاً، بالولاية، رغم أهميتها التاريخية باعتبارها تقع على طريق الحرير، وتعاقبت حضارات عليها، وتتضمن آثاراً مهمة كثيرة".
وحول أهم معالمها القائمة حتى اليوم، يشير باش إلى أن "البيوت الخشبية القديمة باتت من بين أهم مقاصد السياح، كما تشكل مقابر ملوك يونتوس المنحوتة ضمن المنحدرات عامل جذب إضافي. وربما يكون سعي السياح إلى معرفة مدينة تربية وتنشئة أولاد السلاطين الدافع الأهم لزيارتها، علماً أن كثيرين لا يعلمون أن أماسيا هي مسقط رأس السلطانين مراد الأول وسليم الأول. ولعلّ وجود متحف الأمراء والسلاطين وتماثيلهم وقلعة هارسين يوثّق حياة السلاطين والأمراء الذين عاشوا وتعلموا في أماسيا، علماً أن متحف خان حرزان ذو شهرة كبيرة أيضاً، ويعرض لوحات فسيفساء يقدّر عمرها بـ1800 سنة، وتعود إلى الفترة الرومانية".
وكان قد عثر على لوحات الفسيفساء هذه خلال أعمال البحث التي أجراها مركز أبحاث وتطبيقات علم الآثار بجامعة هيتيت عام 2013.
وتبلغ مساحة اللوحة الواحدة 20 متراً مربعاً، وتظهر عليها أشكال شجرة التفاح التي تشتهر بها الولاية، وإلى جانبها بعض الطيور.
ويتغنى باش بجمال أماسيا، ويُشير إلى مسجدها الكبير الذي شيّد في عهد السلاجقة على ضفة النهر، والذي يزخر بالزخارف ويتميز بقببه الفريدة، وهي قبتان رئيسيتان وست قبب صغيرة"، وأيضاً إلى نهر المدينة العظيم وبحيرتها على فوهة البركان في منطقة تاسوفا، ويؤكد أن الاهتمام يزداد بأماسيا. وإضافة إلى جمالها وتعاقب خمس حضارات عليها، لا تبعد أماسيا عن إسطنبول سوى مسافة 130 كيلومتراً، وتتميز بطبيعة أقرب إلى طبيعة القرى. وكخلاصة تعتبر أماسيا مدينة صغيرة تحتوي على جميع متطلبات السياح.
14 حضارة مختلفة
ويقول والي مدينة أماسيا مصطفى ماساتلي: "تحوّلت مدينة الأمراء خلال السنوات الأخيرة إلى واحدة من أهم المراكز السياحية والثقافية، وباتت محط اهتمام السياح المحليين والأجانب باعتبارها أيضاً مدينة آمنة وهادئة ومضيافة".
ويخبر بأن "أماسيا تحتوي على العديد من المعالم الأثرية والتاريخية التي تعود إلى 14 حضارة مختلفة. وقد تمتعت بمكانة مميزة في عهد الدولتين السلجوقية والعثمانية بسبب موقعها الاستراتيجي في منطقة البحر الأسود، وجمالها الطبيعي، لكن السياحة إليها تراجعت، بعدما بلغت ذروتها عام 2019. وأخيراً عادت إلى الضوء ونالت حقوقها كمدينة ساحرة هادئة وتعج بالكنوز التاريخية، فهي متحف مفتوح ومزرعة للفواكه النادرة بجدارة".