أفغانستان: مستشفيات "تترحّم" على الماضي

03 نوفمبر 2021
مدخل طوارئ في مستشفى بقندهار (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
+ الخط -

تواجه المستشفيات في أفغانستان مشاكل كثيرة ومتنوعة بسبب التغيّرات الأخيرة التي شهدتها البلاد، وأهمها عدم دفع أجور الطاقم الطبي لمدة خمسة أشهر في بعض المناطق، وشحّ الأدوية والمعدات الطبية ونقص الكوادر الطبية. ويواكب ذلك تعهد حكومة حركة طالبان التي سيطرت على البلاد نهاية أغسطس/ آب الماضي باتخاذ خطوات جادة من أجل تحسين حال  المستشفيات، وتدعو إلى عدم ربط المساعدات الإنسانية بالوضع السياسي في البلاد.
على سبيل المثال، لم يتسلم الأطباء وأفراد الأطقم الصحية في إقليم فارياب (غرب) رواتبهم منذ خمسة أشهر، ما جعل بعضهم يلوّحون بإلإضراب عن العمل إذا استمر الوضع على حاله، علماً أنهم يعتبرون أن "طالبان" عاجزة عن دفع رواتبهم، وأن المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً في شأن القضية.
يقول الدكتور عصمت الله فيضي، أحد أطباء المستشفى المركزي في مدينة ميمنه عاصمة إقليم فارياب لـ"العربي الجديد": "يحضر جميع الأطباء إلى عملهم، رغم أنهم لم يتسلموا رواتبهم منذ خمسة أشهر، لكنهم سيضطرون إلى الإضراب عن العمل إذا استمرت هذه الحال، علماً أن المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية كانت تدعم غالبية مستشفيات أفغانستان، ونحن ندعوها اليوم إلى غض النظر عمّا يجري في الساحة السياسية، ومواصلة دعمها للمرافق الصحية".
وكان مدير المستشفى المركزي في المدينة الدكتور إحسان الله سيد، أكد أن البنك الدولي أوقف تمويل مشاريع طبية وصحية في الإقليم، ما أقلق كل الأطقم الطبية. وهناك خشية من تجميد كل المشاريع إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل سريع لتلبية متطلبات الوضع الصحي والإنساني في عموم أفغانستان، وشمالها خصوصاً.

محاولات لتوفير الأجور
ويكشف إحسان الله أن "النساء هن أكثر ضحايا تدهور الوضع الصحي في أفغانستان حالياً، إذ يشكلن نسبة 45 في المائة من الأطقم الطبية، ويأتين إلى العمل رغم كل الضغوط المرتبطة بالتحولات الأخيرة في الحكم، والتدابير التي تتخذها طالبان، وكذلك رغم قيود الأعراف القبلية المتجذرة التي تشكل منذ عقود عائقاً كبيراً في وجه عمل المرأة الأفغانية".
ويتحدث رئيس إدارة الصحة في حكومة فارياب المحلية القيادي في "طالبان" الملا خان محمد همت لـ"العربي الجديد" قائلاً: "يضم الإقليم 29 مستشفى و32 مركزاً طبياً يعمل فيها حوالي 900 طبيب وطبيبة توّلت المؤسسات الدولية دائماً دفع أجورهم التي توقفت الآن، ما يدفع طالبان إلى محاولة إيجاد حل لها من خلال مفاوضات تجريها مع هذه المؤسسات لتطبيع الأمور، في سبيل تفادي تعثر العملية الصحية، وتدهورها في شكل أكبر مما هي عليه الآن".

وفي إقليم غزنة (وسط)، تعاني المستشفيات من نقص في الأدوية والمعدات الطبية. ويحذر مسؤولون محليون من ارتفاع وتيرة مشاكل شريحة كبيرة من المواطنين إذا لم تتحرك الحكومة والمجتمع الدولي من أجل حلّ القضية في شكل عاجل.

عيادة طبيب أطفال في مستشفى بقندهار (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
عيادة طبيب أطفال في مستشفى بقندهار (بولنت كيليتش/ فرانس برس)

ويقول رئيس المستشفى المركزي في غزنة عجب خان حميدي لـ "العربي الجديد": "يواجه المستشفى مشاكل متنوعة أهمها نقص الأدوية والمعدات الطبية. وقد نفد مخزون الدواء في الأيام الأخيرة، ولم يبقَ في المستشفيات إلا كميات قليلة. وبين المشاكل أيضاً انقطاع التيار الكهربائي، علماً أن المستشفى يعتمد على مولد كهرباء يفتقر حالياً إلى وقود لتشغيله، وقد أوقفت إدارته توزيع الطعام على المرضى بسبب النقص في الميزانية".
ويعلّق الزعيم القبلي نصر الدين تاج محمد على وضع المستشفيات في غزنة قائلاً لـ"العربي الجديد": "لم تعد مستشفيات المدينة وتحديداً  المستشفى المركزي تملك الإمكانات التي توافرت سابقاً. وبعد سيطرة طالبان على المدينة بات معظم سكان المدينة يضطرون إلى نقل مرضاهم إلى العاصمة كابول، وهو أمر مكلف لا يمكن أن يتحمله الجميع في ظل وضع اقتصادي ومعيشي بالغ السوء، ويتفاقم يوماً بعد يوم".

إلى ذلك، تشكو شريحة كبيرة من الأطباء من أساليب "طالبان" في التعامل مع القطاع الطبي، وينتقدون إجراءاتها بشدة. ويقول طبيب في كابول متحدر من إقليم دايكندي (شمال) رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية لـ"العربي الجديد": "تتعامل طالبان بأساليب مؤسفة مع الأطباء عموماً وأولئك المنتمين إلى عرقية الهزارة في إقليم دايكندي، ما أرغم بعضهم وبينهم أصحاب اختصاصات على الهرب إلى إيران لأن حكومة الحركة لا تعرف بالدرجة الأولى كيف تتعامل في شكل صحيح مع القطاع، كما لم تعيّن سابقاً أطباءً مؤهلين، خصوصاً في الأقاليم".
ويشير الطبيب إلى أن "وزير الصحة المقال الدكتور وحيد مجروح عُرف بنزاهته وعلمه، وأجرى إصلاحات كثيرة في نظام الصحة رغم أنه تولى منصبه خلال فترة تفشي جائحة كورونا الحساسة. لكن طالبان أقالته من منصبه بعدما استعادت الحكم في كابول، علماً أن علاقاته كانت جيدة أيضاً مع المؤسسات الدولية التي ساندت القطاع الصحي، ويعرف كيف يتحدث معها، وهو ما تحتاج وزارة الصحة في حكومة طالبان إلى فترة طويلة لفعله".
واللافت أن وزارة الصحة في حكومة "طالبان" تؤكد أنها تبذل قصارى جهدها من أجل احتواء الأمور، وتعد بتغيّرات مهمة قادمة في القطاع ستؤثر إيجاباً على الخدمات المقدمة في أنحاء البلاد. وفي 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت وزارة الصحة في حكومة الحركة أن الوزير الدكتور قلندر عباد التقى ممثل منظمة الصحة العالمية في أفغانستان الدكتور ليو دابنغ في كابول، وبحث معه الوضع الصحي في أفغانستان.
وأفادت الوزارة بان عباد طالب المسؤول الأممي بمنح مساعدات عاجلة وفورية في مجال الصحة في سبيل إيصال الخدمات الصحية لجميع الأفغان، وفي شكل نزيه وشفاف. وأشارت إلى أن دابنغ وعد بعرض القضية على كل المنابر الدولية، من أجل إعطاء أولوية لها.

المساهمون