كان الطفل الأفغاني محمد رمضان (10 سنوات) يدرس في الصف السابع بمدرسة خاصة في كابول، وكان يتوجه في المساء لمتابعة دورات تعلم الكومبيوتر واللغة الإنكليزية تمهيداً لتحقيق حلمه بأن يصبح طبيباً، لكن الأمور لم تسر حسب ما يريده، إذ أُجبر على العمل في مطعم محلي بمدينة جلال أباد عاصمة ولاية ننغرهار (شرق)، وأصبح حلمه ينحصر في أن يعطيه صاحب المطعم طعاماً مما أبقاه الزبائن كي يأخذه إلى منزله لإطعام والدته وإخوته، في حين يسلّم الأجر الذي يحصل عليه لأمه كي تدفع إيجار المنزل.
كانت والدة رمضان تعمل في وزارة الداخلية بكابول، وتتقاضى راتباً شهرياً جيداً، كما عملت أخته لحساب مؤسسة غير حكومية، وساهم راتبها الشهري في تدبير شؤون المنزل، لكن سيطرة حركة طالبان على الحكم في صيف عام 2021، جعلت أمه عاطلة، كما أغلقت المؤسسة الدولية التي كانت تشتغل فيها أخته، فتوقفت مصادر دخل العائلة، وحاولت الوالدة أن تحصل على عمل لمواصلة الحياة في كابول، لكن الأمور كانت معقدة.
انتقلت أسرة رمضان إلى مدينة جلال آباد حيث أسعار المنازل أرخص مقارنة بالعاصمة، وفيها معظم الأقارب الذين يمكن أن يقدموا بعض المساعدات، وكررت الأم محاولة إيجاد عمل، لكن بلا جدوى أيضاً، فأخذت ابنها إلى مطعم بات يعمل فيه من الصباح حتى المغرب مقابل 100 أفغانية (1.25 دولار)، وهو أجر لا يتلاءم مع الجهد الكبير الذي يبذله، لكن لا مفر للعائلة من أن يعمل.
تقول والدة رمضان لـ"العربي الجديد" من دون أن تذكر اسمها: "انقلبت حياة أسرتنا رأساً على عقب منذ أغسطس/ آب 2021، فقد خسرت عملي، وهو ما حصل لابنتي أيضاً، وانتقلنا بعدها من العاصمة إلى جلال آباد لمحاولة بدء حياة جديدة، لكن كل محاولاتي للحصول على عمل فشلت في جلال آباد، ولم أملك سوى أن أرسل ابني الذي لم يتجاوز العاشرة إلى العمل للحصول على قليل من المال، وقد أدركت أنه لا يمكن أن نرجع إلى حياتنا السابقة".
تضيف: "يتمثل الأمل الوحيد بالنسبة إلى أسرتي في أن تسمح حكومة طالبان بأن تعمل النساء، وأن تعيد المؤسسات الدولية فتح أبوابها كي تعمل ابنتي في إحداها، ما يسمح لنا بأن نستعيد نمط حياتنا السابق. لقد تحققت أمور طيبة بمجيء طالبان إلى الحكم، إذ تحسّن الوضع الأمني وباتت الأسعار جيدة مقارنة بالسابق، لكن المشكلة الأساس عدم وجود مصادر دخل لأسرتنا".
بدوره يعاني الطفل حبيب الله (12 سنة) من الوضع السيئ لأسرته، وقد ترك الدراسة بعدما مرض والده، وفقدت أمه عملها في مؤسسة خاصة أغلقت أبوابها، ما اضطره إلى العمل في بيع الفواكه على عربة صغيرة في السوق رفقة والده المريض.
يقول حبيب الله لـ"العربي الجديد": "كنت أدرس في مدرسة حكومية قرب مطار كابول، ويعمل أبي شرطياً، وكانت أمي موظفة في مؤسسة خاصة، ما وفّر لنا حياة جيدة، لكن بعد سيطرة طالبان على الحكم توقف عمل والدي، ثم عانى من مشكلة في فقرتين من ظهره، وبات غير قادر على العمل. سمحت حكومة طالبان لوالدي بالعودة إلى العمل بعد أشهر، لكنه لم يستطع فعل ذلك، وبقيت الأسرة كلها بلا دخل بعدما أغلقت المؤسسة الخاصة التي تعمل فيها والدتي. بعدها اقترح أحد أقاربنا أن يعمل أبي في بيع الفواكه على عربة قرب المنزل، وهو ما حصل، وكنت أساعده في البداية قبل أن يشتد مرضه، وعندها حللت بدلاً منه، وتركت الدراسة".
يتابع: "لا يزال التعليم حلمي، وأرغب في أن أكمل دراستي الثانوية ثم أدرس الهندسة. أحاول حالياً أن أطوّر العمل عبر استبدال العربة بدكان صغير بمساعدة أخي الأصغر، وربما نتناوب الدراسة والعمل أيضاً، لكن من الصعب أن أواصل دراستي حالياً. الجو بارد للغاية، وعندما أغادر في الصباح الباكر مع والدي لإحضار الفواكه أشعر ببرد شديد، وكذلك عندما أجلس قرب العربة بعد المغرب، ومعاناتي النفسية كبيرة لأنني أفكر طوال اليوم في المبيعات والزبائن والأرباح".
ويقول الأكاديمي عبد المالك لـ"العربي الجديد": "توجد عمالة الأطفال منذ القدم في أفغانستان بسبب الحروب وتداعياتها وانتشار الفقر، كما أثّرت السياسة التي تعتمدها طالبان تجاه النساء على هذا. تتمثل الحلول في اتخاذ خطوات طويلة المدى للقضاء على الفقر، وبالتالي على عمالة الأطفال. توقفت الحروب لكن تبعاتها لا تزال موجودة، ويعاني منها الجميع، ولا ننسى أن عمالة الأطفال لا تحرمهم فقط من التعليم، بل تحرمهم من طفولتهم أيضاً، وتجعلهم محتاجون إلى المال لكنهم لا يدركون ماذا يفعلون، وقد تستخدمهم جهات لتنفيذ جرائم مثل تهريب المخدرات أو التسوّل".