يحذر نشطاء وحقوقيون في الصين من أن إنتاج أعواد الطعام الخشبية بكميات ضخمة، يشكل تهديداً حقيقياً للثروات الطبيعية، في وقت أظهر مسح حديث نفذته الإدارة الوطنية للغابات أن معدل تغطية الغابات يبلغ 23.04 في المائة من مساحة البلاد، وهو أقل من المتوسط العالمي البالغ 30.7 في المائة، وأن مساحة الغابات المخصصة للفرد الواحد في الصين أقل من ثلث المساحة المتاحة للفرد الواحد في العالم.
وتشير تقديرات حكومية إلى أن الصين تنتج نحو 100 مليار زوج من أعواد تناول الطعام سنوياً، بمعدل 277 مليون زوج يومياً، ما يعني استنزاف نحو 1.3 مليون متر مكعب من الغابات سنوياً، أي ما يعادل 23 مليون شجرة.
إنكار الثقافة
ويطالب نشطاء بحثّ الناس على التوقف عن استخدام أعواد الطعام الخشبية التي تستعمل لمرة واحدة فقط، واستبدالها بأعواد طعام منزلية قابلة للاستخدام بشكل دائم، أو أدوات طعام أخرى مثل الشوكة والسكين. لكن آخرين يعترضون على هذا الأمر الذي يعتبرونه أنه يشكل وسيلة لإنكار ثقافة الطعام التقليدية.
وتعهدت الهيئة الوطنية للغابات في الصين برفع مساحات تغطية الأشجار إلى 24.1 بالمائة من إجمالي مساحة البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة، وأشارت إلى أن حجم الغابات سيبلغ 19 مليار متر مكعب بحلول عام 2025، بزيادة مقدارها 1.4 مليار متر مكعب عن المساحة الحالية.
وحول علاقة استهلاك أعواد الطعام الخشبية باستنزاف وتآكل الغابات في الصين، يقول الناشط في مجال البيئة قنغ يي تشوان في حديثه لـ"العربي الجديد" إن "أكثر من 65 في المائة من عمليات قطع الأشجار في البلاد تستخدم في صنع أعواد طعام، والنسبة الباقية في صناعات أخرى مثل الورق وألواح الخشب". يضيف: "رغم أن الصين لديها أكثر من 200 مليون هكتار من الغابات منها نحو 85 مليون هكتار مزروعة بالأشجار، وهي الأعلى في العالم، تعتبر في الوقت نفسه الدولة الأكثر استهلاكاً للأخشاب برقم 185 مليون متر مكعب سنوياً". ويلفت إلى أن جزءاً كبيراً من الأخشاب المستوردة أنتجت في دول فقيرة لا تطبق الحد الأدنى لمعايير ومتطلبات مكافحة التجارة غير الشرعية.
خدع تسويق
ويشير قنغ تشوان إلى أن النسب التي تعلنها الحكومة حول مقدار تغطية الغابات غير دقيقة غالباً، وتهدف إلى تسويق جهود الصين في مكافحة التصحر على المستوى الدولي، وأكد أن نسبة تغطية الغابات في الصين تتراجع باستمرار مع اتساع نطاق الاستهلاك والطلب المحليين، ولم تتجاوز الـ 19 في المائة منذ سنوات، في حين أن متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء أقل من 0.14 هكتار، أي أقل من ربع المعدل العالمي.
بشوكة وسكين
يشدد قنغ تشوان على ضرورة اتخاذ الدولة إجراءات سريعة للحدّ من تآكل المناطق الخضراء، من خلال تعزيز البنية التحتية للغابات، وزرع المزيد من الأشجار لرفع نسبة التغطية، وتنفيذ حملة لتوعية الشعب من أجل التخلي عن استخدام أعواد الطعام التي تستعمل لمرة واحدة، في عادة تقتل 20 مليون شجرة على الأقل سنوياً في الصين.
ويضيف أن "مجرد التخلي عن عادة تناول الطعام بأعواد خشبية واللجوء إلى الشوكة والسكين قد يكون حلاً ناجحاً. وهذا لا يمسّ بالتقاليد والثقافة الصينية، لأن الهدف هو الحفاظ على البيئة والتوازن الحيوي في الطبيعة التي تنادي بها تعاليم الفيلسوف كونفوشيوس الذي يحظى باحترام وتقدير كبيرين لدى عدد كبير من الصينيين الذين يعتبرون من أتباعه ويمارسون طقوسا وضعها".
الدولة "صارمة"
من جهته، يبلغ نائب مدير مكتب مكافحة التصحر بمقاطعة قوانغ شي، وانغ ليو، "العربي الجديد"، أن "الدولة أطلقت أخيراً حملة لمواجهة التهديد الذي يمثله الاضطراب الإيكولوجيي شملت 23 مقاطعة ومنطقة. وهي مقتنعة بالكامل بأن تعزيز الزراعة واستعادة الغطاء الأخضر أمران ضروريان للحفاظ على بيئة طبيعية وآمنة".
ويوضح أن "الحكومة وضعت هدفاً محدداً يتمثل في زيادة حجم تغطية المساحات الخضراء بمقدار 6 مليارات متر مكعب في إطار خطة خمسية تمتد بين عامي 2020 و2025، وتلحظ فرض إجراءات صارمة على عمليات قطع الأشجار العشوائية". ويشير إلى أن الإنتاج الضخم لأدوات الطعام الخشبية لا يزال يشكل عبئاً كبيراً على قطاع الغابات، ما دفع الدولة سابقاً إلى فرض ضريبة على استعمال الأعواد الخشبية من دون أن يؤثر ذلك على سلوك السكان، ما يعني استمرار الأزمة في حال عدم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة".
أعواد "سلمية"
عموماً، تعتبر الأعواد الخشبية التي يستخدمها الصينيون في تناول الطعام جزءاً لا يتجزأ من ثقافتهم. وتكشف مصادر ومراجع تاريخية، أن هذه الأعواد ظهرت للمرة الأولى في عهد أسرة شانغ التي حكمت البلاد بين عامي 1600 ـ 1100 قبل الميلاد. ودعا الفيلسوف كونفوشيوس إلى استخدامها حينها، وحدد طرق فعل ذلك لربطها بالثقافة السلمية التي ترى في استخدام الشوكة والسكين والأدوات المعدنية الحادة دلالة على الشراسة والعنف.
أهداف زراعية
إلى ذلك، تحدد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) المساحة الإجمالية للغابات في العالم بـ 4.06 مليارات هكتار، أي نحو 31 في المائة من مساحة الأراضي الإجمالية. وتعتبر الصين في مقدمة الدول التي لديها أعلى نسبة خسائر في معدل التغطية، ومنذ العام 1990، سُجلت خسارة ما يقدر بمساحة 420 مليون هكتار من الغابات في جميع أنحاء العالم.
وسبق أن حذرت المنظمة من أنها لن تستطيع تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 المتصلة بالإدارة المستدامة للمساحات الخضراء، رغم انخفاض معدل إزالة الغابات بنحو كبير خلال العقود الأخيرة، معتبرة أن "هذا الأمر لا يزال يشكل مصدر قلق كبير، لذا ندعو إلى تكثيف الجهود لوقف إزالة الغابات، ما قد يساهم في الإنتاج المستدام للأغذية وتحقيق الأمن الغذائي، بالإضافة إلى تخفيف نسبة الفقر في العالم".