يشيع في أوساط عدد من المناطق الليبية استخدام نبات القسط الهندي للعلاج من فيروس كورونا الجديد. يلجأ الأهالي إليه بسبب خوفهم من ارتياد المراكز الصحية التي لا تتوفر فيها شروط العزل والوقاية الصحيحة، فيما يلجأ آخرون إلى نباتات ووصفات وخلطات شعبية أخرى يؤمنون بقدرتها على تعقيم البيوت والأيدي بفعالية أكبر من المعقمات الصناعية.
يقول يوسف النداب، وهو أحد مستخدمي القسط الهندي: "شربت منقوعه مع جميع أفراد أسرتي للوقاية من الفيروس. في النهاية هو نبات، وتجربة شربه لن تترتب عليها مضاعفات صحية، كما أنّ عليّ أن أحصّن نفسي ما دام العالم لم يجد دواء لهذا المرض بعد".
يتحدث النداب لـ"العربي الجديد"، عن مخاوفه ومخاوف كثير من المواطنين من أوضاع المراكز الصحية التي يؤكد أنّها لا تتوفر على شروط العزل الصحيحة، فباتت هي نفسها أماكن لانتشار الفيروس بدلاً من الحدّ منه ومكافحته.
ويقرّ الطبيب رمزي أبوستة، وهو عضو في أحد فرق الرصد والاستجابة التابعة للجنة العليا لمكافحة كورونا في ليبيا، بأنّ الانتشار السريع للفيروس وتفشيه في البلاد بشكل كبير أربكا قدرة السلطات على متابعته، ما أضعف أداء الكوادر الطبية، وأخرج عدداً من المراكز الصحية من دائرة متابعة ومراقبة المركز الوطني لمكافحة الأمراض، المسؤول رسمياً عن مكافحة الفيروس. لكنّ أبوستة يؤكد لـ"العربي الجديد"، في الوقت نفسه، أنّ المخاوف التي يبديها المواطنون من فرضية تحول المراكز إلى بؤر لانتشار المرض لا تدلّ على الحقيقة. ويعبر أبوستة عن تفهمه لخوف المواطن من خطر الفيروس ولجوئه إلى بدائل للعلاج والوقاية، مثل استخدام الأعشاب، لكنّه لا يرى سنداً علمياً يؤكد نجاعة مثل هذه الأعشاب في الشفاء من المرض.
وتعاني ليبيا، بسبب الحروب والانقسامات الحكومية، من انهيار في مؤسساتها الصحية، لا سيما في المناطق النائية عن المدن الكبرى، إذ أكدت منظمة الصحة العالمية أنّ الوضع الصحي في ليبيا "حرج"، كاشفة عن عمل أكثر من 40 في المائة من المراكز الصحية في ليبيا بنصف طاقتها، فيما أقفلت عشرات المراكز الأخرى بسبب سوء الأوضاع الأمنية.
ويؤكد معمر بازينه، وهو صاحب محل عطارة في السوق القديم بالعاصمة طرابلس، أنّ الإقبال على نبات القسط الهندي كبير جداً، فقد ارتفعت أسعاره سبعة أضعاف، مشيراً إلى أنّ الغرام الواحد منه كان يباع بثلاثة دنانير (2.20 دولار أميركي)، وبعد شيوع قدرته على علاج كورونا أصبح يباع بسعر قد يصل إلى 25 ديناراً (18 دولاراً). ويبيع بازينه، بحسب حديثه إلى"العربي الجديد"، ما متوسطه 70 غراماً من القسط الهندي يومياً، مؤكداً عدم معرفته بمصدر معلومة أنه يشفي من كورونا، رغم عمله في العطارة منذ فترة طويلة. ويرجح بازينه أن تكون للأمر علاقة بأمراض الصدر التي يوصف هذا النبات كعلاج لها في العادة.
لكنّ القسط الهندي ليس النبات الوحيد الرائج، بل هناك نبات الحرمل، الذي اشترت منه أم منتصر، وهي من مدينة مسلاته، شرق طرابلس، كمية لتستخدمه كمعقم لبيتها. توضح لـ"العربي الجديد"، أنّها تبخر بيتها بالحرمل قبل استقبال ضيوفها وبعد مغادرتهم، لمنع كورونا، بحسب شائعة محلية. كذلك، تجبر أولادها لدى رجوعهم إلى البيت بغسل أيديهم بمنقوع هذا النبات، وتقول: "لا أعتقد أن مثل هذه الحلول ناجحة، لكنّ رعب انتشار المرض يجعلني ألجأ إلى كلّ شيء مخافة المجهول". أما بالنسبة صديقاتها، فتقول إنّهن يفضلن تبخير بيوتهن ثلاث مرات يومياً بنبات الزعتر (الصعتر)، موضحة أنّ الزعتر معروف محلياً لطرد فيروسات الأنفلونزا، فربما يكون ناجحاً في قتل فيروس كورونا الذي تشبه أعراضه أعراض الأنفلونزا.
وفي مناطق ودان وسوكنة، وسط الجنوب، يقول الهادي الحداج، وهو مواطن من سوكنة، إنّ المواطنين يتداولون نشرات من مواقع الإنترنت، فيها خلطات أعشاب تؤكد نجاحها في دول أخرى في قتل الفيروس وفي شفاء المصابين به، مضيفاً أنّ "بعض المحال تبيع الخلطات جاهزة ويقبل الناس على شرائها". ويتحدث الحداج لـ"العربي الجديد"، عن مركز صحي وحيد بالمنطقة ليس فيه سوى ثلاثة أطباء اختصاصيين يغطي ثلاث مناطق، هي سوكنة وودان وهون، مشيراً إلى أنّ أغلب المصابين بالفيروس نقلوا إلى أقسام العزل في طرابلس بعد عجز المركز الصحي الوحيد عن التعامل معهم. ويتابع: "في هذا الوضع المزري ووسط هذا الرعب من المرض الذي بات يطرق كلّ باب، يصبح السؤال عن لجوء المواطن إلى أيّ وسيلة قد تبعد عنه شبح الموت بلا أهمية".
وبلغ عدد الوفيات بالفيروس في ليبيا 830، مقابل نحو 59 ألف إصابة، تماثل نصف أصحابها تقريباً للشفاء. يعلق أبوستة أنّ نسبة الشفاء المرتفعة تبعث على الارتياح في نفوس المواطنين، وقد كثفت الجهات المسؤولة حملات التوعية للتقليل من حجم الخوف، مؤكداً أنّ مثل هذه الحملات سيكون لها وقع على الجانب النفسي المهم في الشفاء من المرض، كما ستملأ الفراغ المتروك لشاشات الفضائيات التي تبث الرعب والأرقام والصور المخيفة حول العالم، وتتسلل إلى البيوت بسهولة.
ويلفت أبوستة إلى مخاطر كبيرة من جراء الخوف الزائد عن الحدّ من المرض، من بين نتائجه لجوء مواطنين إلى المراكز الطبية لطلب عزلهم فيها باعتقاد إصابتهم بالمرض بسبب طرق تشخيص غير صحيحة تروج لها وسائل الإعلام. يتابع: "كنت شاهداً أكثر من مرة على مجيء مواطنين إلى المستشفيات يطلبون عزلهم، وبالرغم من تأكيد الاختبار سلامتهم من المرض، فالرعب ولّد لديهم شعوراً بأنّهم مرضى فعلاً"، مضيفاً: "من أسباب ذلك أيضاً عدم ثقة المواطن في صحة نتائج المختبرات، وقد يكون الأمر حقيقياً بسبب تضارب النتائج أحياناً، لكنّ السبب الرئيس يتمثل في مستوى الخوف المنتشر في أوساط الناس".
ويلفت أبوستة إلى "ظاهرة عجيبة"، بحسب تعبيره، إذ "تجد المواطن لا يلتزم بأدنى متطلبات الوقاية، كالكمامات والقفازات رغم توفرها وسهولة الحصول عليها، لكنّه في الوقت نفسه يُقبل على أعشاب للوقاية أو للشفاء من المرض، وهو لا يعرف صحة المعلومات حول تلك الأعشاب أو مصدرها".