استمع إلى الملخص
- العائلات المشردة تعيش في حالة يأس وقلق بالغين بشأن مصير أطفالها المفقودين، في ظل النزوح القسري والقصف المباشر للمناطق السكنية، خاصة في مدينة رفح.
- الهيئات الدولية والمحلية تؤكد على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال في غزة، مشددة على ضرورة تدخل دولي فعال لحماية الأطفال وإعادة توحيد العائلات المشتتة وتقديم الدعم اللازم لهم.
يرصد يومياً أطفال مفقودين جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة وكثرة التهجير من مكان إلى آخر وغيرها من الأسباب، وتأمل العائلات أن يكون أطفالها ما زالوا أحياء.
لا يزال مصير قرابة 5 آلاف طفل مجهولاً ضمن المفقودين الذي تجاوز عددهم قرابة الـ 11 ألف غزيّ، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، وقد ارتفعت أعدادهم وخصوصاً بعد العملية العسكرية الأخيرة على مدينة رفح ومحاولة الاحتلال قطع أوصال المدينة التي كانت الأكثر اكتظاظاً بالمهجرين بالمقارنة مع باقي المدن في القطاع.
وخلال الأيام الأخيرة، ارتفعت أعداد المفقودين من بين الذين حاولوا النزوح أخيراً من مدينة رفح، من بينهم أطفال. وسجل أطفال مفقودون كانوا وربما لا يزالون تحت الأنقاض منذ الشهر الأول للعدوان الإسرائيلي بسبب القصف المتواصل والاعتماد على سياسة تدمير المربعات السكنية، بالإضافة إلى فقدان أطفال في ظروف أخرى.
الطفل عبد الله ساري والذي تسميه عائلته عبود (ثلاثة أعوام ونص العام) هو أحد المفقودين. لم يكن يستطيع ذكر اسم والدته أو والده بالكامل، كما يقول والده، كما أنه لا يستطيع التعريف عن أمكنة وجودهم في ظل تنقلهم المستمر، وقد هجروا من مدينة غزة وصولاً إلى الجنوب.
خرجت عائلات كثيرة من الغزيين، ومعها عشرات الأطفال، من مدينة غزة إلى جنوب القطاع، في ظل القصف المستمر على مناطق عدة من مدينة غزة في ذلك الوقت. وكان الاحتلال حينها يهدد مدينة رفح بعملية عسكرية. لكن على أرض الواقع كانت المحافظة الأكثر استقراراً وقد كان المهجرون فيها. ويعتقد الوالد إلياس ساري (40 عاماً) إن نجله فقد على الحاجز الإسرائيلي. يقول لـ "العربي الجديد": "عندما نزحنا فجأة، قصف الاحتلال الإسرائيلي على مقربة من شارع صلاح الدين أهدافاً ما أدى إلى تفرقنا، وفقدنا طفلنا ولم نعرف عنه شيئاً. ربما اعتقل أو خطف أو استشهد. ولا نعرف مصيره منذ أكثر من شهرين". يضيف: "زوجتي أصيبت بانهيار عصبي شديد. سمعت الكثير من القصص عن أطفال مفقودين، لكن لا يزال لديها أمل بأن يكون في مكان ما. لدي ثلاثة أطفال أكبرهم في عمر 11 عاماً وأصغرهم عبود. والمؤلم أن عبود يعرف الحرب والقصف وأسماء الصواريخ علماً أننا لم نعلمه ذلك. لكن هذا حال الأطفال في غزة اليوم".
سجلت لوائح المفقودين التابعة لوزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة أطفالاً مفقودين "خرجوا من دون عودة"، وتم الاعتماد على وضع بيانات متعلقة بكل طفل، وآخر مكان تواجدوا فيه، وهناك "أطفال مفقودون أثناء النزوح الاجتماعي"، و"أطفال مفقودون أثناء النزوح المفاجئ"، كحال الطفل أحمد أبو سلطان (8 أعوام) الذي نزحت أسرته أثناء قصف إسرائيلي على مدينة خانيونس.
أبو سلطان لا يزال ضمن المفقودين وتأمل أسرته العثور على أي خبر عنه. فُقد أثناء العملية الإسرائيلية على مدينة خانيونس وخلال قصف مفاجئ لمنطقة مخيم خانيونس، بالإضافة إلى طفلين آخرين من جيرانه. ومرت أربعة أشهر على فقدان الأطفال الثلاثة، ولا يزال لدى عائلاتهم أمل في العثور عليهم.
وتشير والدته أمال أبو سلطان (36 عاماً) إلى أنه نتيجة القصف المتكرر والحزام الناري على المنطقة كان الأطفال في حالة هروب وتشتت وحينها لم يميز الأطفال الاتجاهات وقد كان هناك نزوح مفاجئ وأعداد من الناس تتجه إلى المنطقة الشرقية وصولاً الى مجمع ناصر الطبي، وآخرون الى المنطقة الغربية في شارع البحر وصولاً الى نقطة النزوح في مدينة رفح في ذلك الوقت.
وتتساءل أبو سلطان إن كان نجلها لا يزال حياً، أو إذا ما كان يأكل أو يشرب. وتخشى أن يكون من بين المعتقلين في السجون الإسرائيلية في ظل الاعتقالات المستمرة التي تسمع عنها لأطفال في مدينة غزة مؤخراً، بالإضافة إلى الضفة الغربية منذ سنوات. تحاول التحدث إلى المفرج عنهم وتسأل عن نقاط وصولهم عسى أن تعرف شئياً عن نجلها، لكن لا شيء حتى الآن.
تقول أبو سلطان لـ "العربي الجديد": "أرى عائلات كثيرة فقدت أفرادا منها بينهم نساء وشيوخ وأطفال. وهذه مأساة كبرى، هم الذين لم يروا من الحياة شيئاً. كان طفلي ذكياً محباً للتكنولوجيا والحياة وكرة القدم، ويستطيع التعريف عن نفسه، حتى أنه فُقد وهو يرتدي زي فريق برشلونة الإسباني".
بينما فقدت الطفلة رماح صالح (أربع سنوات) وهي في مدينة رفح أثناء التهجير المتكرر. شاهدتها عائلتها آخر مرة عندما وصلت إلى منطقة المواصي، وبدأت تنصب الخيام في تلك المنطقة، وتتخوف أن تكون قد انتقلت مع عائلات كثيرة الى مناطق أخرى وضلت طريقها. لكنها لا تزال مفقودة منذ أكثر من شهر.
يقول عم الطفلة عامر صالح لـ "العربي الجديد": "أطفال كثيرون فقدوا نتيجة التنقلات من منطقة إلى أخرى، ولا نزال نتواصل مع العائلات والجهات المعنية لمعرفة مصير طفلتنا. عائلات كثيرة سجلت أسماء أطفالها لدى الشرطة المدنية ولا يزال لدينها أمل بالعثور عليهم أحياء".
يومياً، ترصد حالات فقدان أطفال في مناطق النزوح في كامل محافظات قطاع غزة، في ظل استمرار التهجير وصعوبة تحديد الأطفال الأمكنة التي كانوا يتواجدون فيها لكثرتها. وتستعين العائلات بالصحافيين ومواقع التواصل الاجتماعي لإعلان فقدان الأطفال، وينشرون صوراً لهم.
يقول رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح عبد العاطي، إنه من بين شهداء العدوان الإسرائيلي، أو حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة كما يصفها، هناك حوالي 16 ألف طفل شهيد، بالإضافة إلى 25 ألف طفل جريح، موضحاً أن الاحتلال ينتهك بشكلٍ صارخ كل المواثيق والاتفاقيات الخاصة بالطفل، ويشن حرباً على أطفالنا في ظل ما تم رصده من طواقم الهيئة في غزة من قنص متعمد وقتل للأطفال واعتقال بعضهم على الحواجز وتعذيبهم.
ويشير عبد العاطي إلى وجود ما بين 10 إلى 15 ألف مفقود منذ اندلاع العدوان بحسب الهيئة الدولية، ولم تبلغ أعداد كبيرة من العائلات عن المفقودين وخصوصاً داخل مربعات سكنية تم تدميرها بالكامل حيث مسحت عائلات بالكامل، وتنتظر أعداد كبيرة انتهاء العدوان للوصول إلى تلك المناطق والكشف عن مصير المفقودين بالكامل أو اعتبارهم من الشهداء.
ويشدد عبد العاطي على أن أكثر من 40% من المفقودين هم من الأطفال، وخصوصاً أولئك الذين لم يتجاوزوا العام الواحد من العمر، وآخرين لا يعرفون التصرف والتعريف عن أنفسهم، ولا عن آبائهم، وأن منهم المعتقلين والمختفين قسريا، ويشدد أن الاحتلال اعتقل ما لا يقل عن 11 ألفا من بينهم ألف طفل لم يتجاوز العاشرة، ولا يزال يعتقل أكثر 6 آلاف ومن بينهم 600 طفل كما وصلت تأكيدات للهيئة ولمؤسسات حقوقية بغزة.
ويقول عبد العاطي لـ "العربي الجديد": "حرب الإبادة الإسرائيلية في مساحة صغيرة مثل قطاع غزة وفقدان عدد كبير من الأطفال يشيران إلى بشاعة الجريمة المرتكبة ضد الأطفال في قطاع غزة. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن هناك قتلا متعمدا للأطفال وانتهاكا للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الأطفال، وتنصلا من القانون الدولي الإنساني، وقد فقدت نسبة منهم وسط عائلاتهم التي لا تعرف أين تذهب". يضيف: "هناك أطفال في السجون الإسرائيلية في الوقت الحالي، وقد رصد اعتقال رجال برفقة أبنائهم الذين لم يتجاوزوا العاشرة من العمر ولا نعلم أي شيء عن ظروف احتجازهم أو اعتقالهم. وسيكون ملف الأطفال المفقودين هو الأكثر تعقيداً خلال السنوات المقبلة لأن الاحتلال دمر مقرات حكومية وجمعيات ومؤسسات حقوقية وبنى تحتية، ولم يعد هناك أمل في عودة الهيئات الرسمية وغير الرسمية للعمل الطبيعي في غزة، وإعادة تهيئة ظروف مناسبة للبحث عن المفقودين بعد انتهاء حرب الإبادة مباشرة".