بعد ساعات على إخلاء سبيل الطفل المصري أحمد أبو المجد عبد الرحمن أبو المجد (14 عاماً)، نجل رئيس إحدى محاكم الاستئناف، الذي اعتدى على شرطي مرور في حي زهراء المعادي، سجّل فيديو استفزازياً بثّه مباشرة تضمن إهانات لمنتقديه، قائلاً: "نحن نَسجن... لا نُسجن".
وكانت النيابة العامة المصرية قد قررت مساء الأحد الماضي تسليم الطفل لأسرته، وتغريم مالك السيارة 10 آلاف جنيه مصري (نحو 630 دولاراً أميركياً) بتهمة تعريض طفل للخطر. يشار إلى أن الطفل كان يقود السيارة وقد أساء إلى الشرطي واعتدى عليه لسؤاله عن تراخيص السيارة والقيادة.
وفي مقطع الفيديو الجديد، ظهر الطفل برفقة 4 من أصدقائه، وهم يتبادلون المزاح والسباب والشتائم في ما بينهم وبين متابعيهم عبر تقنية البث المباشر، والذي تداوله كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط موجة كبيرة من الانتقادات والاعتراضات على جرأة الطفل الذي يستعين بسلطة والده.
"مرحباً بكم في مصر"... كان هذا التعليق الأكثر ارتباطاً بتداول مقطع الفيديو الجديد عبر منصات التواصل الاجتماعي. فلا يخفى على أحد في مصر وخارجها كيف يُعامل المصريون على أساس علاقاتهم بالمسؤولين والجهات السيادية والشرطة والقضاء.
وتعليقاً على الفيديو، كتبت إيمان النجار، شقيقة البرلماني المصري البارز المختفي قسراً قبل نحو ثلاثة أعوام، مصطفى النجار التالي: "هو انتم ليه زعلانين من كلامه؟ هو قال الحقيقة. أخويا اتهم بإهانة القضاء وحوكم بالسجن ثلاث سنوات فقط لأنه طالب بحق الشهداء".
وبعيداً عن مدى القرب أو العلاقة مع أصحاب السلطة وذوي النفوذ، قد يكون هناك مقاربة أكثر واقعية ومأساوية، تحدث عنها الصحافي والسياسي عصام حسين، الذي قارن بين "الطفل نجل المستشار" و"طفل التيشيرت" الذي تمت محاكمته على مدى سنوات، لأنه ارتدى قميصاً كُتِب عليه "وطن بلا تعذيب". وتساءل حسين من خلال منشور عبر حسابه الخاص على "فيسبوك"، تداوله المئات: "ما الفرق بين الصورة الأولى للطفل محمود محمد الذي قضى سنتين في حبس احتياطي بسبب الجملة المكتوبة على تي شيرت كان يرتديها وبين الصورة الثانية للطفل أحمد أبو المجد عبد الرحمن أبو المجد، الذي قاد سيارة من دون رخصة، واصطدم برجل مرور، ثم أُخلي سبيله؛ لأن قانون الحبس الاحتياطي لا يجيز حبس الأطفال، فخرج يحتفل بشتم الجميع؟ الفرق أن الأول ابن الشعب.. والثاني ابن قاضي".
يحرم القانون الجديد 49 طفلاً محتجزين من الإفراج المبكر
محمود محمد، أو "معتقل التيشيرت"، كما هو معروف في الأوساط الحقوقية والسياسية المصرية والدولية، كان قد ألقي القبض عليه في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني عام 2014، بسبب ارتدائه تي شيرت كتب عليه "وطن بلا تعذيب" ووشاحاً كتب عليه "25 يناير". واقتادته قوات الأمن المصرية حينها، وكان في الصف الثاني الثانوي، إلى قسم المرج - شرقي القاهرة، وحررت له محضراً حمل رقم 715 عام 2014 (إداري المرج) وأرسلته إلى النيابة العامة، التي باشرت التحقيقات معه وأمرت بحبسه على ذمة التحقيقات ووجهت له اتهامات بـ "الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، التحريض والاشتراك في التظاهر، وحيازة مفرقعات".
وظل محمود، الذي عُرف إعلامياً بـ"معتقل التيشرت"، في الحبس الاحتياطي منذ 25 يناير/ كانون الثاني 2014، ولمدة 752 يوماَ، على الرغم من انقضاء مدة حبسه الاحتياطي المقررة في القانون، كاملة، من دون إحالة إلى المحاكمة أو التصرف فى القضية، إلى أن تمت إحالة قضيته إلى المحاكمة في 31 يناير/ كانون الثاني عام 2016.
وفي 24 مارس/ آذار عام 2016، أُخلي سبيل "معتقل التيشيرت"، وكان عمره 18 عاماً، بكفالة قدرها ألف جنيه (نحو 63 دولاراً)، بعد 47 جلسة تجديد حبس و3 جلسات استئناف، تعذر خلالها إحضار محمود من سجنه، و29 مرة لأسباب أمنية لم تذكر، من بينها 8 مرات بشكل متتالٍ، لتكون بذلك مجمل الجلسات التي حضرها محمود 18 جلسة فقط، تَجدد فيها حبسه 45 يوماً على ذمة التحقيقات، باستثناء جلستين جُدد له فيهما 15 يوماً، كما وثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (مؤسسة حقوقية تعمل على دعم وتعزيز حرية التعبير في مصر).
وقائع القبض على الأطفال ومحاكمتهم بدأت منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحكم، وما زالت مستمرة حتى اليوم، وكان آخرها اعتقال طفلين من النوبة جنوبي مصر، هما معتز أحمد عبد الحارث، ويحيى خالد عبد الرازق، البالغان من العمر 12 و11 عاماً، على خلفية احتجاجات سبتمبر/ أيلول 2020، وقد واجها خلالها اتهامات بـ "إثارة الشغب" بعد عرضهما على النيابة العامة إثر ترحيلهما من أسوان (عاصمة محافظة أسوان - البوابة الجنوبية لمصر والتي تقع على الضفة الشرقية للنيل) إلى القاهرة، قبل الإفراج عنهما لاحقاً.
وكان طفلا النوبة، ضمن 57 حالة لقاصر - تقل أعمارهم عن 18 عاماً، ألقي القبض عليهم في تظاهرات سبتمبر/ أيلول الأخيرة، قبل الإفراج عنهم تباعاً مؤخراً وعلى فترات.
وبحسب آخر رقم صادر عن مركز بلادي للحقوق والحريات، فإن السلطات المصرية تحتجز 60 طفلاً و75 قاصراً في سجونها على خلفية اتهامات سياسية، يتوزعون على السجون وبعض أقسام الشرطة، بينما تحتجز السلطات عدداً كبيراً من القصّر في زنازين مشتركة مع البالغين على خلفيات جنائية وإرهابية. ولفت المركز في أرقامه الأخيرة الصادرة في مايو/أيار 2020، إلى أن "الاستجابة الحكومية لخطر انتشار كورونا داخل السجون، والإعلان عن قانون إلغاء الإفراج الشرطي، يشيران إلى غياب الإرادة الحكومية بإطلاق سراح الأطفال والقصر المحتجزين على خلفيات سياسية. ويحرم القانون الجديد 49 طفلاً محتجزين لدى السلطات المصرية من الإفراج المبكر، في ظل الاعتماد المفرط من قبل السلطات على استخدام قوانين الإرهاب لتبرير احتجاز الأطفال".
ظل "معتقل التيشرت" في الحبس الاحتياطي لمدة 752 يوماَ
كما أن منظمة "هيومان رايتس ووتش" وثقت في تقرير مشترك لها مع منظمة "بلادي – جزيرة الإنسانية" الحقوقية في مارس/ آذار الماضي، احتجاز عناصر الشرطة وجهاز الأمن الوطني والجيش المصري، أطفالاً تعسفياً، كان سن أصغرهم 12 عاماً، وأخفوهم قسراً وعذبوهم، مع غض النيابة والقضاة البصر عن تلك الممارسات الوحشية بحق الأطفال.
التقرير الصادر بعنوان "لم يراع أحد كونه طفلاً: انتهاكات قوات الأمن المصرية ضد الأطفال المحتجزين"، وثق انتهاكات بحق 20 طفلاً كانت تتراوح أعمارهم ما بين 12 و17 عاماً لدى اعتقالهم.
وسبق أن ناشدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" السلطات المصرية، حماية الأطفال في السجون ومراكز الاحتجاز الذين يتعرضون وبشكل كبير لخطر الإصابة بفيروس كورونا، ما يتطلب الإفراج عنهم، في إطار حملة حقوقية موازية تتبنى المطلب نفسه.
وفي 12 إبريل/ نيسان 2020، دعت "يونيسف" الحكومات والسلطات الأخرى المسؤولة عن الاحتجاز إلى الإفراج وبشكل عاجل عن جميع الأطفال الذين يمكنهم أن يعودوا وبشكل آمن إلى عائلاتهم أو إلى البديل المناسب لهم. وتشمل هذه البدائل العائلات الممتدة أو مؤسسات رعاية الأسرة أو غير ذلك. كما دعت إلى وقف فوري لإدخال أي طفل جديد إلى مراكز الاحتجاز؛ إذ يتعرض حالياً مئات الآلاف من الأطفال في السجون ومراكز الاحتجاز في دول مختلفة حول العالم إلى خطر الإصابة بفيروس كورونا.
ووصل عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال التعسفي في مصر إلى ما يزيد عن 4000، خلال الفترة من 2013 وحتى 2019، بحسب تقديرات حقوقية وثقت اعتقال 111 طفلاً في أحداث تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2019، في حين وثَّقت منظمات أخرى أعداداً وصلت إلى 192 طفلاً تم اعتقالهم، بعضهم لا يتجاوز عمره 11 عاماً.
وفي تقديرات حقوقية أخرى، فقد تعرض 1556 طفلاً للاعتقال و198 تعرضوا للاختفاء القسري، و192 صدر ضدهم حكم قضائي في الفترة من 2013 وحتى 2018، بحسب تقرير أصدره مركز بلادي للحقوق والحريات في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. كذلك، رصد تعرُّض الأطفال للحرمان من الخصوصية والحرمان من الزيارة والتواصل مع العالم الخارجي، مما يتسبب في حرمان الأطفال من الأسرة وغياب شبكة الدعم الاجتماعي الممثلة في المدرسة والأصدقاء، بالإضافة إلى سوء الأحوال داخل السجون، مثل غياب التهوية الملائمة والحرمان من التريض في أقسام الشرطة وغير ذلك.