يبلغ مهند من العمر 12 سنة، وهو من حي الهلالية في مدينة القامشلي في أقصى شمال شرقي سورية، ويدرس في الصف السادس، ودوامه صباحي، ويقول لـ"العربي الجديد": "أعمل في المنطقة الصناعية منذ ثلاثة أشهر كميكانيكي، ووالدي يعمل كهربائياً. أتدرب كي أتعلم الصنعة بعد دوام المدرسة حتى الساعة السابعة مساء. نحن عشرة أولاد نعمل في الورشة، ولدي شقيق واحد، ونحن عائلة محدودة الدخل".
يجد مهند في نفسه حبّاً للمهنة على الرغم من أنها تحتاج إلى بذل جهد كبير، ويشير إلى أن هذا النوع من العمل أصعب في البرد، لكون أصابعه تتجمد عند الإمساك بالمفكات، وتبقى آثار الزيوت على يديه. "المهنة صعبة، لكني أتحمل، واخترتها لأكون مثل عمي الذي يعمل ميكانيكياً، لأؤمن بها مستقبلي".
يتدرب رياض ليصبح فني صيانة سيارات، وينظر إلى تعلم هذه المهنة باعتباره فرصة، وهو يوفق بينها وبين المدرسة، بينما يفشل البعض في ذلك، ويقول لـ"العربي الجديد": "أغلب المتدربين أمّيّون. عندما يكون المتدرب متعلماً تكون مداركه أوسع، ويتعلم بشكل أسرع. لا يمكن للأميّ أن يتقن المهنة سريعاً، والإنترنت يساعد على التدريب، ويضيف معلومات نظرية للمتدرب، فدخول الكمبيوتر إلى عالم صيانة السيارات يتطلب معرفة علمية للتعامل مع البرامج الخاصة بصيانة أعطال السيارات".
وهناك صعوبة في أن يوفق المتدرب بين الدراسة والتدريب، ورغم ذلك يوجد أطفال ملتزمون بمدارسهم، وفي أيام العطل يلتحقون بالورشات، رغم أن هذا يرهق الأطفال الذين يحرمون من الاستراحة، أو التمتع بإجازاتهم.
يحتاج الشخص إلى قرابة عشرة سنوات من التدريب ليصبح قادراً على فتح محل خاص به، ويوضح رياض: "عندما يكون الشخص متمكناً من المهنة، فلا يهم إذا كانت السيارة قديمة أو حديثة. تضم صيانة السيارات العديد من الأقسام، من بينها الميكانيك، والكهرباء، والطلاء، والتبريد، وصيانة المحرك، والإطارات. أفضل الأقسام هي الطلاء والكهرباء والميكانيك، وتختلف المدة اللازمة لتعلم كل مهنة، وأصعبها الكهرباء والميكانيك التي تحتاج إلى موهبة، ودقة في العمل، فالأخطاء في صيانة السيارات مكلفة، وأي خطأ قد يؤدي إلى خسارات باهظة".
ويضيف رياض أن "كثيراً من الأهالي يفضلون إرسال أبنائهم للتدريب، وخاصة العائلات الفقيرة التي تحتاج إلى مورد دخل يومي. عندما كنت أصغر، كنت أعمل من دون مقابل بهدف تعلم المهنة، لكن حالياً ندفع لهؤلاء الأطفال بشكل يومي أو أسبوعي. بعد انتهاء فترة التدريب يمكن للفتى أن يفتح محلاً خاصاً به، ما يشكل مورد رزق له. يبحث الناس عن لقمة العيش، ما دفعهم لتجاوز كثير من الأمور، ولا تستطيع منع طفل يعيل أسرته من العمل".
يبلغ عمر محمد 11 سنة، وهو يعمل في صيانة الدراجات النارية منذ ترك المدرسة قبل عامين، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم أكن جيداً في المدرسة، كانوا يقولون إني إذا تجاوزت الصف السادس فسيكون هذا إنجازاً، لكني لم أنجح حتى في الوصول إلى الصف السادس، عندها ألحقني والدي بالعمل في ورشة خالي لصيانة الدراجات النارية. العمل صعب، ولست قوياً لفك الإطار، أو تبديل الفرامل، لكني أجد أنها مهنة جيدة، وكثيراً ما يقولون لي إن الدراسة ليست كل شيء".
ويرى المدرس رافي سركسيان، من مدينة القامشلي، أن عمل الأطفال، خاصة بالمنطقة الصناعية في المدينة، تحيطه ظروف غير مثالية، لكن الأوضاع غير مواتية لإنهاء الظاهرة. ويوضح لـ"العربي الجديد": "عمل الطفل مرفوض، وإذا سألنا أهل أي طفل يعمل، فسيجيبون بأنهم لا يرغبون في ذلك، لكن الظروف تجبرهم. لا يمكن أن نكون مثاليين، ونتحدث عن إنهاء عمالة أطفال لا يمكنهم الحصول على الخبز إن لم يعملوا، لكن يمكن أن نطلب وضع خطط لتعليم مهني موسع يحفظ حقوق هؤلاء الأطفال، ويضمن لهم التعليم النظري".
يتابع سركسيان: "الثقافة المجتمعية تحض على استقلالية الفرد في مواجهة الحياة من خلال امتهان صنعة أو حرفة، لكن العمل في سن مبكرة يحد من حقوق الأطفال في اللعب والتعلم، لكن الظروف أثبتت ضرورة الاعتماد على النفس بأي منطقة فيها نزاعات عسكرية. بطبيعة الحال، التنمية المستدامة هي أحد شروط التحاق الطلاب بالمدارس، لكن ينبغي توفر الحد الأدنى من المعيشة ليلحق الأهالي أبناؤهم بالتعليم، بينما الظروف صعبة، وتؤدي إلى عمالة الأطفال التي لها آثار سلبية على المجتمع، فهم يفقدون التعليم كأحد أهم الأسلحة لمواجهة مصاعب الحياة".