شهدت معدلات الطلاق في الصين خلال العقود الماضية ارتفاعاً غير مسبوق، لكن الطلاق لا يزال يعتبر الخيار الأصعب بالنسبة إلى الأزواج نظراً إلى ما يترتب عليه من نبذ للأطفال، وعدم تقبلهم في مجتمع تحكمه معايير صارمة.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أورد تقرير أصدرته منظمة نشرة العمال الصينيين غير الحكومية التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً، أن "أطفال المطلقات يعانون من صعوبات في الاندماج بمؤسسات الدولة التعليمية، بسبب شروط لا تراعي أوضاعهم الاجتماعية، ما يدفعهم في اتجاه الأعمال والمعاهد المهنية التي تجعل منهم لقمة سائغة للاستغلال والتمييز".
وتكشف أرقام رسمية تسجيل 3.5 ملايين حالة طلاق في البلاد (2.5 مليون منهم لديهم أطفال) عام 2020، في مقابل 8.14 ملايين زواج في نفس العام، ما يعني أن حوالي 2.5 مليون طفل هم ضحية الطلاق بمعدل سنوي، وقد يواجهون مصيراً مجهولاً بسبب عدم تقبل المجتمع لهم.
وتفرض السياسات التفضيلية المطبقة في المناطق الحضرية الصينية لقبول تسجيل الأطفال في المدارس العامة، شروطاً عدة قد تبدو تعجيزية، لعل أبرزها بالنسبة إلى أطفال المطلقات إثبات عدم وجود وصاية على الطفل، أي حصوله على رعاية كاملة من الوالدين، وكذلك أن يقيم الأب والأم معاً لمدة لا تقل عن عام واحد في المدينة، مع المطالبة بتقديم مستندات تثبت ذلك، مثل عقد إيجار المنزل أو سند الملكية، وكذلك دفتر تسجيل الأسرة الذي يبرز الحالة الاجتماعية لكلا الوالدين.
بين نارين
شياو سون، طفل يبلغ السادسة من العمر، اضطر إلى مغادرة العاصمة بكين منتصف العام الجاري لأن والده المنفصل عن أمه لم يستطع تسجيله في مدرسة ابتدائية بالعاصمة نظراً إلى صعوبة تلبية شروط التسجيل بصفته ابناً لأم مطلقة. وقد أرسله والده إلى جده في مسقط رأسه بقرية في مقاطعة فوجيان (شرق) من أجل الدراسة فيها.
ويقول جد الطفل جوي مينغ لـ"العربي الجديد": "حاولنا على مدار الأشهر الماضية إيجاد طريقة كي يدرس سون في بكين، لكن الأمر كان صعباً لأن والديه لا يقيمان معاً بعدما انفصلا قبل عامين، لذا لم يحظ بأولوية على حساب طلاب آخرين تمكنوا من استيفاء جميع الشروط".
يضيف: "أخفينا عن سون السبب الحقيقي لرفضه خوفاً من أن يلحق ذلك أذى نفسيا به، وسجلناه في مدرسة بالقرية لا توفر المستوى التعليمي العالي ذاته مقارنة بمدارس المدينة، وهو بعيد الآن عن والده ووالدته التي تعمل وتقيم في مدينة أخرى. والحقيقة أنه توجب علينا أن نختار بين نارين، إحداهما تتمثل في بقائه تحت رعاية والده دون التمكن من الانضمام للمدرسة، أو الالتحاق بمدرسة ريفية على حساب الابتعاد عن والديه".
وعن حالات التمييز ضد أطفال المطلقات، ونظرة المجتمع المختلفة لهم وصولاً إلى نبذهم، ومقدار تعارض هذا الأمر مع التقاليد الاجتماعية السائدة في البلاد، يقول الباحث في مركز "خاي ديان" للدراسات الاجتماعية لي وان تشو لـ"العربي الجديد": "لا يقتصر الأمر على التمييز ضد أطفال المطلقات في مجال التعليم، بل يشمل قطاعات اجتماعية واسعة تشهد ممارسات وسلوكيات تمييزية سيئة في حقهم، والتي ترافقهم في مراحل عمرية مختلفة. والعديد من العائلات الصينية تنظر إلى أبناء المطلقات بأنهم ثمرة عفنة لزواج فاشل، لذا يمنع بعضهم أبناءهم من الاحتكاك بهم بسبب أحكام مسبقة تفترض أنهم يتصرفون بطريقة همجية وغير أخلاقية، باعتبارهم لم ينالوا القسط الكافي من الرعاية والتربية".
يضيف: "يعاني هؤلاء الأطفال أيضاً في مراحل عمرية متقدمة من عدم قبولهم كأزواج، بغض النظر عن نجاحاتهم ومستواهم المادي، حيث ترفض بعض الأسر تزويج بناتها لشبان لا ينتمون إلى أسر مترابطة ومنسجمة، ويعتقدون بأن فكرة الطلاق قد تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، ما يزيد احتمال أن يكرر الشاب سيناريو أبيه في المستقبل، وفي هذه الحالة تكون الضحية ابنتهم".
تصحيح المسار
وعن دلالات وتأثير ذلك على مستقبل جيل من أبناء المطلقات في ظل العزوف عن الإنجاب وارتفاع معدلات الطلاق بصورة قياسية، يقول لي وان: "لا شك في أن تداعيات الأمر كارثية في ظل معدلات الطلاق القياسية والنسب غير المسبوقة في العزوف العام عن الزواج. وقد يستغرق تجاوز هذه المشاكل وقتاً طويلاً يمتد لعقود لأنه لا يمكن تغيير الأفكار التي يعتنقها الناس بمجرد قرار. من هنا يجب العمل تدريجاً لتصحيح المسار من خلال تغيير نظرة الناس للمرأة المطلقة أولاً، ثم لأبنائها، كما يجب أن تدعم السلطات هذا الاتجاه، وألا تكون نفسها جزءاً من سلوك عام يقع ضحيته ملايين الأطفال".
من جهته، يبرر أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة شيامن، لي وين جاو، في حديثه لـ"العربي الجديد"، السياسات التفضيلية المتبعة في المدارس العامة في الصين التي تستثني أبناء المطلقات، بالقول إنها "تهدف إلى تنظيم عملية الانتساب للمدارس، وصيانة حقوق أطفال المدن بحسب الضمان الاجتماعي، وهي ليست موجه بالتالي ضد فئة اجتماعية محددة".
يضيف: "ليس من المنطق قبول أبناء العمال المهاجرين في المدن على حساب الأطفال المولودين والمقيمين فيها، كما أن كثافة عدد الطلاب تجعل من الصعب بل من المستحيل قبولهم جميعهم لأن عدد المدارس غير كاف لاستيعاب جميع الطلاب.
وتشير أرقام رسمية إلى أن حوالي 1.5 مليون طالب سنوياً لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس بسبب كثافة الطلاب في المناطق الحضرية. وفي المقابل هناك عدد أقل من الطلاب الذين يلتحقون بمدارس الريف نظراً إلى اختلاف جودة التعليم بين المنطقتين.