أطفال الآيباد... تحديات بناء القدرات السليمة في المجتمع الصيني

13 فبراير 2024
باتت الأجهزة حيوية ولا يمكن تجاهلها في حياة الأطفال (لي هونغبو/ Getty)
+ الخط -

يمثل الأطفال الذين ينشغلون لساعات طويلة بالأجهزة واللوحات الرقمية تحدياً خاصاً في المجتمع الصيني، لأنهم لا يهتمون بالأنشطة الإبداعية. ويُثير ذلك تساؤلات بشأن تعامل الآباء مع المسألة. 

يُبدي آباء وأمهات في الصين خوفهم على مستقبل أبنائهم المدمنين على الأجهزة واللوحات الرقمية، وبينها "الآيباد"، فيما يحذر خبراء من أن قضاء الأطفال وقتاً طويلاً أمام الشاشات يؤثر في إدراكهم ونموهم، مع تحميل الآباء والأمهات أنفسهم مسؤولية هذا الأمر لأنهم يسمحون باستخدام التكنولوجيا باعتبارها وسيلة لتهدئة الأطفال ومنعهم من الغضب والصراخ. 
واللافت أن بعض أولياء الأمور يصفون أطفال "الآيباد" بأنهم "كابوس مرعب على صعيد فهمهم والتعامل معهم، فهم غريبو الأطوار وتعتبر تصرفاتهم فظيعة مقارنة بأطفال آخرين معزولين عن الأجهزة الرقمية". 
وخلال العقد الأخير، صنّف آلاف المراهقين الصينيين بأنهم "مدمنو إنترنت"، وأُحيل بعضهم إلى مراكز إعادة التأهيل، وجرى تصنيف الظاهرة بأنها "نوع من الأمراض النفسية التي يعاني منها الأطفال". ويقول باحثون إن "هناك علاقة مباشرة بين تدني درجات الطلاب وإدمان الألعاب الإلكترونية، كما وجد كثيرون ضالتهم في الألعاب الإلكترونية، وأصبحت الهواتف المحمولة نافذتهم على العالم".
ويُثير عدم اهتمام هؤلاء الأطفال بالأنشطة الإبداعية تساؤلات بشأن مقدار الوقت الذي يجب أن يسمح به الآباء ببقاء أبنائهم أمام الشاشات واللوحات الإلكترونية يومياً. وتورد دراسة صينية حديثة أصدرتها الجمعية الوطنية للعلوم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وشملت أكثر من 2700 طفل راوحت أعمارهم بين عامين وخمسة أعوام، أن الأطفال الذين أمضوا وقتاً أطول أمام اللوحات الإلكترونية يعانون من ضعف في مؤشرات قياس النمو، ولا يستجيبون بسهولة لاختبارات قياس الأداء. وأظهرت الدراسة أنه كلما زاد عدد الساعات التي يُمضيها الأطفال أمام الأجهزة الرقمية، زاد احتمال إصابتهم باضطراب الوسواس القهري وبعض المشاكل السلوكية. كما ربطت الدراسة بين قضاء وقت طويل أمام الشاشات وقلّة النوم، وكشفت أن 90 في المائة من الأطفال المدمنين على اللوحات الإلكترونية يعانون من اضطرابات في النوم. 
أيضاً أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين يمضون وقتاً أطول أمام الشاشات يصابون بمعدلات سمنة أعلى من الأطفال الذين يمضون وقتاً أقل.

وسيلة إلهاء

تقول جيانغ سي، وهي أم لطفل يبلغ من العمر خمس سنوات كان متعلقاً جداً بجهاز "الآيباد" لدرجة أنه كان يستخدمه لتصفح الصور ومقاطع الفيديو القصيرة قبل النوم، لـ"العربي الجديد": "في البداية كان الأمر مجرد وسيلة إلهاء حين كان يبلغ عامين، إذ كنا نعطيه جهاز الآيباد في كل مرة يشعر فيها بضجر، ومع مرور الوقت أصبح هذا السلوك روتيناً يومياً، ولا يمكن منع غضبه وإسكات بكائه وإخماد ثورته إلا عبر منحه الجهاز، وإذا حاولنا انتزاعه من يديه لا يدخل في نوبة غضب فقط، بل يبدأ في الاعتداء على كل من حوله. وفي سن الثالثة بدأنا نلاحظ أنه يعاني من مشاكل تتعلق بالنطق والإدراك، إذ لم يكن يستطيع التحدث مثل باقي الأطفال في سنه، وكان يردد غالباً كلمات غير مفهومة عرفنا لاحقاً أنه التقطها من مقاطع أفلام كرتون".

العمر والوقت عاملان مهمان في تحديد مقدار استخدام الاطفال للأجهزة (إليكس تاي/ Getty)
​ العمر والوقت عاملان مهمان في تحديد مقدار استخدام الاطفال للأجهزة (إليكس تاي/ Getty) ​

تتابع: "نصحنا أحد الأصدقاء بعرضه على طبيب متخصص، قال لنا بعد تشخيص حالته إنه يعاني من قصور في الفهم والإدراك، ويجد صعوبة في استخدام حواسه وأصابعه، مثل عدم القدرة على الإمساك بأشياء صغيرة، ويكرر الكلمات مثل الببغاء من دون استيعاب معناها، ولا يرغب في مشاركة أي أنشطة مع آخرين أو الانخراط معهم في ألعاب جماعية. وكانت أولى التعليمات لحل المشكلة سحب جهاز الآيباد منه نهائياً، واصطحابه إلى أماكن عامة تحت الشمس للعب مع الأطفال ومشاركتهم اهتماماتهم بعيداً عن اللوحات الرقمية. وبعد عامين من تطبيق تعليمات الطبيب أصبح طفلي أكثر تقبلاً للتعامل مع الأطفال واللعب معهم، كما أصبح لسانه أكثر طلاقة، وبات يتحدث بجمل صحيحة وسليمة ويستخدم الكلمات في موضعها وحين يحتاجها بخلاف السنوات الأولى حيث كان سلوكه أقرب إلى روبوت".

مسؤولية الآباء

ويعلّق الباحث في مركز "خاي ديان" للدراسات الاجتماعية لي وان تشو على الظاهرة بالقول لـ"العربي الجديد": "نحن أمام أطفال جيل نشأ من دون أي قيود لاستخدام الشاشات واللوحات الإلكترونية، ما جعلهم كائنات لاقطة لا يهتمون بالتحدث مع آخرين، ولا يملكون أي فكرة عن كيفية اللعب الجماعي، وهو ما يؤثر سلباً على صحتهم الجسدية والعقلية. وتقع المسؤولية الأولى على الآباء، لأن هذا السلوك لا يمكن أن يتطور أو يُكتسب خارج المنزل، خصوصاً أننا نتحدث عن أطفال لم يتجاوزوا سن العاشرة". يضيف: "يحدد مسار اهتمامات الأطفال الآباء، فإذا لجأوا إلى الأجهزة الإلكترونية كوسيلة سهلة لإرضائهم وإلهائهم يتسببون في أضرار سلوكية كثيرة لهم، أما في حال تحييد اللوحات والشاشات الرقمية فيساهم ذلك في بناء قدرات سليمة تساعد في نمو طبيعي لأطفالهم بعيداً عن التأثيرات التكنولوجية". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

لكن لي يستدرك أيضاً بأن "هناك استخدامات إيجابية للأجهزة الإلكترونية في حال ارتبطت بالرقابة الأسرية والمرحلة العمرية للمستخدم، فالأجهزة أصبحت أمراً حيوياً ولا يمكن تجاهله في حياة الأطفال، خاصة من تجاوز منهم العاشرة، إذ تحتاج هذه الفئة إلى قضاء مزيد من الوقت على أجهزة الكومبيوتر لإكمال الواجبات المدرسية، أو على الهواتف الخليوية للبقاء على اتصال مع الأصدقاء وإجراء مكالمات فيديو مع أفراد العائلة. ويؤثر ذلك بشكل مختلف في تنمية القدرات ومساعدتهم في تعلّم كيفية التفاعل مع الآخرين، مقارنة بمشاهدة مجموعة من مقاطع الفيديو القصيرة". 
وعن الوقت المحدد لاستخدام هذه الأجهزة، يقول لي: "لا أدلة علمية كافية لدعم تحديد سقف زمني لاستخدام الشاشات، إذ يتوقف ذلك على عمر الطفل، لكن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين لا يجب أن يُمضوا أي وقت أمام الشاشات، أما وقت أولئك الأطفال دون الخمس سنوات فيجب أن يكون أقل من ساعتين في اليوم". 
ويشدد على أن الأطفال يحتاجون إلى التفاعل وجهاً لوجه مع الوالدين بعيداً عن اللوحات الرقمية، وإلى التواصل البصري كي تنمو مداركهم وأحاسيسهم بالأشياء حولهم.

المساهمون