في جبال منطقة بني مطير في محافظة جندوبة شمال غرب تونس، تدبّ الحركة منذ السادسة صباحاً، على الرغم من الطرقات الوعرة والانزلاقات في المسالك الجبلية، التي لا تثني سكان المنطقة عن التجول لجمع الحطب والنباتات الغابية كالإكليل والزعتر والفطر وكل أنواع النباتات العطرية، على غرار القضوم والريحان والعطرش الجبلي. ويستغل السكان في تلك المنطقة الرحلات الداخلية وتوافد المئات إلى الجهة للاستمتاع بالطبيعة وشراء جميع أنواع النباتات والمنتجات التي يعرضها الباعة في المسالك الجبلية المؤدية إلى الشلالات والأودية التي يقصدها الزوار. وتتميز منطقة بني مطير بغاباتها الكثيفة وتنوع ثرواتها الطبيعية، على غرار أشجار الزان والفلين والصنوبر والكلتوس والريحان، بالإضافة إلى بعض الأشجار التي تثمر غلالاً برية كالتوت البري. كما تتميز بكثرة التساقطات وتساقط الثلوج شتاء، ما جعلها تشتهر بوفرة مياهها السطحية وشلالاتها وأوديتها، حتى باتت دائمة الخضرة وتستقطب السياح على مدار العام، خصوصاً في فصل الشتاء.
ومميزات المنطقة جعلتها سياحية بامتياز، وتشهد مسالكها الوعرة توافد الزوار من جميع الجهات للاستمتاع بالشلالات وبغاباتها المختلفة عن غابات أي منطقة أخرى، الأمر الذي خلق لسكان الجهة موارد رزق مختلفة عما يوجد في أي منطقة جبلية أخرى.
يُعِد عبد الرحمان (17 عاماً) الشاي على الحطب في أحد المسالك التي يسلكها الوافدون على الشلالات، ويبيعه بنكهات مختلفة؛ إذ يعطره بنباتات جبلية كالإكليل والزعتر والريحان. يقول إنه "يبيع كأس الشاي بدينار واحد (الدينار التونسي يساوي 0.32 دولاراً) فقط. ورغم أن الناس يتوافدون بكثرة خلال العطلة الأسبوعية أو العطل المدرسية، إلا أنها فرصة توفر له مداخيل تتجاوز أحياناً المائة دينار في اليوم، بسبب توافد أعداد غفيرة من الناس وخصوصاً في فصل الشتاء، للاستمتاع بالشلالات والأودية في المنطقة".
ونتيجة للتساقطات التي تشهدها المنطقة طوال فصل الشتاء، بُني في الجهة سد بني مطير الذي يعتبر من بين أكبر السدود التونسية. وبات يستقطب الزوار أيضاً، نظراً لوجوده في منطقة منحدرة ويمكن رؤيته من قمة جبال بني مطير. وأصبحت تُنظّم العديد من الرحلات السياحية إلى السد على مدار العام، ما خلق حركة كبيرة في الجهة. ووجد السكان هناك ما يمكن بيعه للزوار والوافدين، فتجد في المسالك الجبلية العديد من الباعة من النساء والرجال وحتى الأطفال، ما أدى إلى خلق أسواق صغيرة يبيع فيها الأهالي الأعشاب الطبية والنباتات والتحف الخشبية التي تميز الجهة. وتشتهر المنطقة على غرار بقية المناطق في محافظة جندوبة بحرفة صناعة الأواني والتحف من خشب الزان أو الزيتون، فيما يبيع البعض أنواعاً عدة من المكسرات تنتجها الجهة مثل البندق والجوز، بالإضافة إلى بيع الصنوبر الجبلي الذي يسمى في تونس "زقوقو".
من جهتها، تقول ريحانة مسعدي (50 عاماً) إن "توافد المئات من الزوار إلى الجهة خلال العطل أضفى حركة في جبال تلك المنطقة، فوجد بعض السكان موارد رزق توفر لهم مداخيل بسيطة من خلال بيع الأعشاب الجبلية التي تستعملها النساء في المطبخ. يضاف إلى ما سبق بيع المكسرات والشاي والخبز الذي يتم إعداده على الحطب". وتوضح: "بالفعل تنتعش المنطقة خصوصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع، ويشتري الزوار أغلب ما نعرضه من بضاعة. نجمع نحن النساء إكليل الجبل والريحان والزعتر والعطرش من الجبال منذ ساعات الفجر، على الرغم من خطورة الأمر بسبب وجود الذئاب والخنزير البري، لكننا مضطرون، لنتمكن من بيع تلك النباتات في مقابل مبالغ بسيطة".
كما تباع التحف الفنية الحرفية والأواني الخشبية التي تميز الجهة، علماً أنها مصنوعة من خشب الزيتون وأشجار الزان التي تشهد إقبالاً كبيراً من جميع الزوار الذين يفضلون الأواني الخشبية في المطبخ. وخلال عبور تلك المسالك الجبلية المؤدية إلى الشلالات تجد محلات صغيرة بنيت من القش والحطب وأسقفها من البلاستيك تقيهم من المطر، نظراً لأن الجو ممطر دوماً في المنطقة. وتخضع تلك المسالك إلى رقابة إدارة الغابات لتفادي وقوع أية حرائق، خصوصاً في فصل الصيف بسبب إشعال الحطب لطهي الشاي أو الخبز وبيعه للمارة.
المشهد ذاته في منطقة عين دراهم، إذ ينتشر الباعة في المسالك الجبلية التي يسلكها الزوار لاكتشاف الجبال هناك. تجدهم يعرضون سلعاً بسيطة لكنها تشهد إقبالاً كبيراً من قبل الوافدين إلى المكان. وتشير كريمة عبد الرحمن إلى أنها "تزور بني مطير وعين دراهم وأيضاً سجنان وعدة مناطق جبلية سنوياً خلال فصل الشتاء بسبب حبها للسياحة الجبلية، فتقتني أغلب البضاعة التي تعرض من إكليل وزعتر ومكسرات لأنها تكون طازجة وخضراء، على عكس التي تباع في أسواق المدينة مجففة تفقد روحها ورائحتها ومنافعها. كما أنها تباع في تلك المناطق بأسعار بسيطة جداً لأن من يبيعونها يجمعونها من الجبال". تضيف: "غالبية الجهات في محافظة جندوبة تمتاز بالتحف والأواني المصنوعة من الخشب، والتي يقع توزيعها في غالبية الأسواق التونسية. لكن شراءها مباشرة من الحرفيين هنا أفضل بكثير، خصوصاً من ناحية السعر. هنا كل شيء يباع بأسعار رخيصة جداً مقارنة بالأسعار الموجودة في الأسواق داخل المدن، كما أنها بضاعة مصنوعة بحرفية كبيرة وإتقان حتى باتت لا تغيب عن أي مطبخ تونسي".
وبسبب وجود تلك المناطق قرب الحدود مع الجزائر، تستقطب أيضاً زواراً من البلد المجاور ممن يدخلون إلى التراب التونسي عبر البر، الأمر الذي أنعش أسواق الجهات الحدودية على مدار العام.