أضرحة الإسكندرية... مقصد مصريين بسطاء لطلب البركة

01 يونيو 2023
أتباع الطرق الصوفية هم الأكثر اهتماماً بالأضرحة (العربي الجديد)
+ الخط -

غرفة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 6 أمتار شُيدت من الطوب اللبن، لكن يقصدها يومياً العشرات، والغالبية من كبار السن الذين يطلبون "وسيلة" لقضاء حوائجهم، وتتباين الحاجات بين تزويج البنات، والحمل والإنجاب، أو استعادة الحبيب، وغيرها من الطلبات التي يعتقدون أن للتوسل بالأولياء دورا فيها.
تضم مدينة الإسكندرية في شمال مصر نحو 400 ضريح لـ"أولياء الله الصالحين"، ويقصد أضرحتها السائلون والمتوسلون من كل أنحاء البلاد لـ"طلب البركة"؛ وقضاء الحاجات؛ فضلاً عن المشاركة في الاحتفاء بذكرى مولد الأولياء والصالحين.
وتعلن "مشيخة الطرق الصوفية" بالإسكندرية سنوياً خريطة الاحتفال بالموالد التي تضم 17 ليلة، وقد بدأت هذا العام بـ"مولد سيدي محمد العجمي" في يوم 25 مايو/أيار الماضي، وتنتهي بالاحتفال بـ"مولد سيدي المرسي أبو العباس" في يوم الجمعة 14 يوليو/تموز المقبل، وتشمل الموالد عادة حلقات الذكر والابتهالات والمواكب.
وتعتبر احتفالات الموالد الإسلامية عادة قديمة متوارثة في الثقافة المصرية الشعبية، وتتميز بطابع ديني يضم الكثير من الطقوس الدينية، من صلوات ومديح وذكر، مع رفع الزينات والأضواء الملونة، وإضاءة المسجد أو المقام، كما تضم وسائل ترفيه للحاضرين، مثل الملاهي والسيرك، فضلاً عن الأكلات الشعبية والحلويات.
وهناك أضرحة أكثر شهرة تتناثر في مناطق الإسكندرية، كما أن أحياء وتجمعات سكنية سميت باسمها، مثل سيدي بشر، وسيدي جابر، والقباري، وأبي الدرداء، والشاطبي، وكلها أسماء لأولياء وصالحين.

خلال مشاركتها في "مولد سيدي محمد العجمي" بمنطقة غرب الإسكندرية، تقول ليلى جابر (74 سنة)، لـ"العربي الجديد": "أحرص منذ ما يزيد على 40 سنة على زيارة موالد أولياء الله الصالحين، ويعرفني جميع خُدام الأضرحة بسبب تكرار زياراتي. كل من له حاجة يأتي إلى الضريح ليطلبها من الله، ويتبرك بالطلب في أضرحة أوليائه، كما يتنافس الجميع في خدمة الأضرحة، والتبرع لها بالمال والجهد، وحين تتحقق الأمنية، يأتي الشخص للزيارة مجدداً ليحمد الله من داخل الضريح".
ويوضح الخمسيني عبد المجيد سعد، أن "لكل ضريح قصة يتوارثها أهالي المنطقة، وترتبط في أذهانهم  بقدرة صاحب القبر على حل المشاكل، وكثيراً ما تتم الاستجابة للطلبات، لذا يحرص كثيرون على الاحتفال بمولد الولي، والتبرك بزيارته. من بين الأولياء من يعرف الجميع سيرتهم، وبعضهم غير معروف سوى اسمه، ورغم ذلك لهم مريدون يرتحلون إليهم، فهذا مريض يطلب العلاج، وهذه أم سئمت من انتظار زواج ابنتها، أو حملها، أو سيدة فارقها زوجها وتتمنى استعادته، وهؤلاء يأتون إلى الأضرحة في أيام الموالد، وبخاصة موالد أبي العباس المرسي؛ وأبي الدرداء؛ وسيدي بشر؛ وياقوت العرش".

الصورة
تشمل الموالد حلقات ذكر وابتهالات (العربي الجديد)
تشمل الموالد حلقات ذكر وابتهالات (العربي الجديد)

يتابع: "أكثر من يقصدون الأضرحة والموالد لحضور حلقات الذكر ومجالس الصلوات على النبي هم من الرجال، وبعضهم يشكون ضيق الحال، ويدعون بسعة الرزق، ثم الأمهات والسيدات كبيرات السن، بينما الشباب وصغار السن هم الأقل حضوراً".
ويقول وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية، محمد صفوت فودة، إن "الأضرحة ليست كلها سواء، فمنها المشهور الذي يجذب المحبين من كل مكان، ومنها ما لا يجذب إلا الجيران والمتابعين، والموالد ليست كما تصورها الأعمال الفنية، فليست أماكن للصراخ والضوضاء والزحام، ولا هي أوكار للمتسولين واللصوص، بل هي ليال روحانية إيمانية يقصدها كل متوسل إلى الله، أو محتاج للإلحاح في الدعاء، وهي توفر له الأجواء التي تساعده على الخشوع".
وأكد فودة أن "مشيخة الطرق الصوفية بالإسكندرية، أصدرت نشرة الاحتفال بالموالد للعام الجاري، والتي تشمل احتفالات الموالد وحلقات الذكر والابتهالات والمواكب. من بين 400 ضريح، يوجد بالمدينة 79 ضريحاً داخل أو في محيط مسجد، وهي تقع ضمن مسؤولية وزارة الأوقاف، وهناك أضرحة داخل مساجد أثرية، وبالتالي تقع ضمن مسؤولية وزارة الآثار، وأضرحة في الشارع، وتلك ضمن مسؤولية المشيخة الصوفية، وهناك ضوابط واضحة لتسجيل الأضرحة، وخلال الاحتفالات نتولى تسهيل كافة المتطلبات اللازمة لتعبير المريدين عن حبهم لآل بيت النبي، أو الأولياء، ومنع الممارسات التي تسيء للطرق الصوفية".

الصورة
تضم الاحتفالات مواكب حاشدة أحياناً (العربي الجديد)
تضم الاحتفالات مواكب حاشدة أحياناً (العربي الجديد)

وحول سبب وجود عدد كبير من الأضرحة في الإسكندرية، يقول وكيل مشيخة الطرق الصوفية، إن "الكثير من الأولياء عاشوا أو توفوا في المدينة، ومنهم من كان يقصدها للتجارة، أو جاء لتحصيل العلم، ومنهم من جاء هارباً من الاضطهاد".
لكن أكثر ما يؤرق مشيخة الطرق الصوفية، وزوار الموالد والأضرحة، هو تكرار تصريحات لشيوخ وقيادات دينية متشددة ترفض زيارة الأضرحة أو حضور الموالد، وقد صدرت العديد من الفتاوي حول تحريمها، كان من أبرزها ما صدر عن الدعوة السلفية بالإسكندرية، والتي قالت إن "الاحتفال بها بدعة".
يقول أحمد السعدني، وهو محاسب ومن مريدي الطرق الصوفية، لـ"العربي الجديد": "لا يوجد ما يمنع تلك الاحتفالات التي يأتيها المريدون من كل بقاع مصر للذكر ونيل البركات، وعادة لا نلتفت لتلك الفتاوى لأن هؤلاء يحرمون كل شيء، ويحرمون حتي الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. دار الإفتاء المصرية، أصدرت فتوى رسمية حول جواز الاحتفاء بالمولد النبوي، وأنه لا مانع شرعاً من زيارة المقابر، والصلاة في المساجد التي بها أضرحة لأولياء أو صالحين".

من جانبه، يكشف مسؤول في وزارة الآثار المصرية لـ"العربي الجديد"، أن "محافظة الإسكندرية لا يوجد بها سوى ضريح واحد مسجل كأثر، وهو (ضريح النبي دانيال) المسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية منذ عام 2005، ويُنسب المسجد إلى الشيخ محمد دانيال الموصلي، وهو أحد شيوخ المذهب الشافعي".
ويضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه: "الإسكندرية تضم العديد من المناطق التي تضم أضرحة، وأبرزها منطقة ميدان المساجد التي تطلّ على البحر المتوسط، وتضم  ثلاثة من أشهر مساجد المدينة، وهي مسجد أبو العباس المرسي، ومسجد الإمام البوصيري، ومسجد ياقوت، وكذا ساحة الأولياء في منطقة المنشية، والتي تحظى بشهرة واسعة نظراً لوجود 33 ضريحاً فيها، بالإضافة إلى ضريحي سيدي جابر وسيدي بشر في شرق المدينة".

المساهمون