أضرار الكارثة التعليمية

09 يناير 2021
يمضون إلى مدرستهم في كينيا (غوردن أوديامبو/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم التقديرات المرعبة حول التأثيرات التي تركها كورونا على قطاع التعليم، يمكن أن تكون الوقائع والمضاعفات أشد قسوة مما يجري تداوله من أرقام ومعطيات. في الواقع، من غير الممكن دراسة النتائج طالما أنّ الظاهرة مستمرة، خصوصاً في ظل متطلبات العزلة والحجر المفروضة على الباحثين الصحيين والاجتماعيين والتربويين والنفسيين وغيرهم من المختصين. هذا جانب، أما الجانب الذي يعنينا في المنطقة العربية ومجمل دول العالم الثالث هو فقدان الموارد البشرية والمادية والتخطيطية التي يتوجب عليها القيام بمهمة دراسة ما خلفه الإعصار الوبائي وراءه. فوزارات التربية والتعليم ببُناها المعروفة عاجزة عن تولي مهمة شاقة تتطلب رصداً دقيقاً ومتابعة وأعمالاً إحصائية معقدة وزيارات ميدانية وعمليات قياس مركبة ورسوم بيانية لكشف حقيقة ما حدث خلال عام يعادل ألف شهر من السنوات العادية.
في أيّ حال، ننطلق مما هو متاح، ويتبين منه تبعاً لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة أنّ هذه الجائحة أدت إلى أكبر انقطاع في نُظم التعليم في تاريخ الإنسان، وهو الواقع الذي تضرَّر منه نحو 1.6 مليار طالب علم في أكثر من 190 بلداً وفي جميع القارات. كذلك، بلغ عدد المعلمين والأساتذة المنقطعين عن الذهاب إلى عملهم قرابة 60.2 مليون شخص، وفق إحصاءات منظمة "يونسكو" في مارس/ آذار 2020.
وعندما نتحدث عن تضرر 190 بلداً، نكون تقريباً أمام واقع تأثر كلّ سكان الكرة الأرضية، باستثناءات محدودة. وتبعاً للتقرير نفسه وغيره فقد "أدت عمليات إغلاق المدارس والمعاهد والجامعات والأنشطة التعليمية وغيرها من أماكن التعلُّم  للتأثير على 94 في المائة من المتعلمين في العالم عموماً، لكنّ هذه النسبة ترتفع لتصل إلى 99 في المائة في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا". لكن، لدى الدخول في التفاصيل وفي مقاربة للمجتمعات غير المستقرة كما هي حال العديد من الدول العربية التي تعاني من الحروب والفوضى الأمنية والتخلخل السكاني الناجم عن النزوح والتهجير، يمكن أن ترتفع النسبة إلى 100 تقريباً، أي أنّ المجتمعات هذه تفتقد إلى عمليات التعليم والتعلم عن بُعد على نحو شبه كلي.

موقف
التحديثات الحية

ماذا يعني ذلك؟ المؤكد أنّ المجتمعات المستقرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومؤسساتياً، كانت تتمتع بأعلى مستوى تعليمي في العالم بالمقارنة بين دوله، لذلك، باتت مقصداً للمتعلمين، لا سيما في مراحل الدراسات العليا إذ يتوافر الأساتذة المؤهلون والمكتبات ومناخات البحث العلمي وما يلزم من حريات واستقرار وتركيز. الآن، تأتي الكارثة لـ"تُفاقِم أزمة الفوارق التعليمية القائمة أصلاً عن طريق الحدّ من فرص التعلم أمام كثير من الأطفال والشباب والبالغين المنتمين، خصوصاً إلى أشد الفئات ضعفاً - أولئك الذين يعيشون في مناطق فقيرة أو ريفية، والفتيات واللاجئون والأشخاص ذوو الإعاقة والمشردون قسراً - في مواصلة تعلُّمهم" كما تذكر التقارير الأممية. أي أنّ الكارثة توسع الفجوة الحضارية بين المجتمعات وداخلها وبين الفئات والشرائح، وبين الشمال والجنوب. ولعلّ أساس الخوف هو أن تمتد الخسائر في التعليم إلى ما يتجاوز هذا الجيل، وتمحو عقوداً من التقدم في مجالات ليس أقلها دعم فرص الفئات والشرائح الفقيرة والفتيات والشابات في الالتحاق بالتعليم، وبالتالي الإفادة من تكافؤ الفرص لتحقيق الارتقاء الاجتماعي.
(باحث وأكاديمي)

المساهمون