أشجار الأردن وغاباته تتعرض لاعتداءات عشوائية.. مخاوف الجفاف تتصاعد

25 فبراير 2024
غابة الكفرنجة شمال عمان (أرشيف/Getty)
+ الخط -

مع تزايد التخوف من أن يأكل الجفاف باقي المساحات الخضراء في الأردن، يدق خبراء في البيئة ناقوس الخطر حول التحطيب الجائر لغابات الأردن وأشجاره.

داخل أحد منازل منطقة ناعور جنوب غربي العاصمة الأردنية عمان، يجلس أحمد أبو عالول أمام مدفأة الحطب التي اشتراها مؤخرا ممسكا هاتفه النقال ويقلب إعلانات لبيع الحطب على تطبيق "السوق المفتوح"، قائلا إنه قرر هذا الشتاء الاعتماد على مدفأة حطب مستعملة اشتراها بنحو 200 دينار (282 دولارا) بدلا من مدافئ الكاز والغاز، لأنها أقل كلفة وأكثر دفئا وتوزع الحرارة على غرفة الجلوس الكبيرة والغرف المجاورة.

أشجار الأردن.. حطب للتدفئة

ويبين أن سعر طن الحطب يتراوح بين 100 دينار و120 دينارا ويكفيه لموسم الشتاء كاملا، في حين أنه كان يحتاج إلى أربع أسطوانات غاز في الشهر بسعر سبعة دنانير للواحدة وأربعة غالونات من الكاز بسعر 15 دينارا للغالون الواحد.

وبينما يطمئن أبو عالول إلى تصريف العوادم الملوثة الناجمة عن حرق الأخشاب عبر أنابيب تمتد لخارج المنزل ولا تؤثر على صحة سكانه، فإن مصدر جلب هذه الأخشاب وتأثيرها على البيئة والغابات الحرجية في الأردن لا يجد لديه ذات الاهتمام، قائلا: "لا تزر وازرة وزر أخرى.. أنا لا أعرف مصدر الحطب ولا أسأل البائع لأن المهم هو أن اشتري لأدفئ بيتي".

أبو عالول واحد من بين العديد من الأردنيين الذين يلجأون للحطب بدلا من وسائل التدفئة الأخرى في الوقت الذي تعاني فيه المملكة من اعتداءات غير قانونية على الأشجار والغابات تهدد التنوع الحيوي.

ومع تزايد التخوف من أن يأكل الجفاف باقي المساحات الخضراء في الأردن، وأن يزحف التصحر لها في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتراجع المعدل المطري، يدق خبراء في البيئة ناقوس الخطر لمنع تلك الاعتداءات.

ويحذر مدير وحدة الطبيعة في وزارة البيئة بلال قطيشات من أن أحد أبرز الأنشطة المهددة للغابات في الأردن هو تجارة الحطب غير المرخصة حتى مع تراجع نسبة الاعتداءات بنسبة كبيرة بعد التعليمات التي أصدرتها وزارة الزراعة بعدم بيع الحطب خارج المحافظة.

لكن قطيشات يشير أيضا إلى أن ثمة تهديدا آخر يتمثل في حرائق الغابات سواء المفتعلة أو الطبيعية لا سيما في محافظات الشمال لكثرة الغابات فيها من السنديان والبلوط، موضحا أن تراكم النفايات نتيجة التنزه العشوائي تساهم بشكل كبير في تلك الحرائق خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة.

ويقول قطيشات إن الاعتداءات المتكررة والأنشطة الجائرة التي تؤدي لفقد الغطاء النباتي وتدهور الموائل الطبيعية هي الخطر الأكبر برأيه وينتج عنه التصحر والتهديد بانقراض عدد من الكائنات الحية بخلاف تغير نسب الأمطار وزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون وانجراف التربة.

وتشكل المناطق الصحراوية وشبه الجافة نسبة 80% من مساحة الأردن البالغة نحو 89 ألف كيلومتر مربع.

الحد من التنوع الحيوي للنباتات والحيوانات

من جانبه يرى إيهاب عيد، الخبير المتخصص في التنوع الحيوي، أن الأسباب المرتبطة بالاعتداء على المساحات الحرجية متعددة فإما للحصول على مصدر للتدفئة أو الاتجار بالأخشاب أو خلق مساحات فارغة لأعمال البنية التحتية سواء للمنازل او الاستثمارات وغير ذلك الكثير.

ويبين أن خطر هذه الاعتداءات متنوع أيضا، ففي ظل أن مساحة الغابات الطبيعية تشكل أقل من 0.5% من مساحة الأردن فإن أي اعتداء بغض النظر عن المساحة التي تسبب بها سيؤثر سلبا على مساحة الغابات في الأردن.

وتشمل المساحات الشجرية في الأردن منطقة اليرموك في محافظة اربد في الشمال حيث غابات البلوط متساقط الأوراق أو الملول، وهي الشجرة الوطنية للأردن، أما في عجلون وجرش فتوجد غابات البلوط دائم الخضرة، وهناك غابات دبين في جرش التي تتميز بأشجار الصنوبر الحلبي الذي يمتزج مع أشجار البلوط والقيقب، وفي الطفيلة والشوبك توجد أشجار العرعر وأشجار الطلح حيث تمتد الأخيرة حتى محافظة العقبة جنوبي المملكة.

إلى ذلك يرى عيد أن من أخطر التأثيرات السلبية للاعتداءات على الغابات هو الحد من التنوع الحيوي للنباتات والحيوانات، فمثلا يرتبط السنجاب الفارسي والدلق الصخري، وهو حيوان من فصيلة العرسيات، وعدد آخر من الأنواع الحيوانية بالغابات بينما ترتبط أعداد من نباتات الأوركيد بالنظام الغابوي.

ويبين أنه لا يقتصر الأمر عند التنوع الحيوي إذ يؤثر الاعتداء على الغابات على خدمات الأنظمة البيئية كونها تعتبر الملاذ للمتنزهين والسياح ودونها لن تتوفر بيئة مناسبة للاصطياف والاستجمام والتمتع بالطبيعة، لافتا إلى أن العديد من المشاريع الاستثمارية يستهدف المناطق الغابوية لما توفره من مناخ معتدل وطبيعة خلابة، محذرا من أن اختفاء الغابات سيكون له التأثير السلبي على الاقتصاد المجتمعي.

ويشير إلى دور الغابات المهم في تثبيت التربة مما يمنع الانجرافات وبالتالي تخفيف الكلفة المالية الضخمة عن البلديات التي ستضطر في حال عدم وجود الغابات إلى تنظيف آثار الفيضانات للتخلص من الرسوبيات وغيرها.

ويقول إنه يجب ألا ننسى أن الغابات تمتص المياه مما يساهم في زيادة المخزون المائي في الخزانات الجوفية التي تعاني بشكل كبير من تراجع منسوبها ومستوياتها في دولة تقع ضمن أكثر الدول فقرا بالمخزون المائي.

ويشير عيد إلى أثر آخر للاعتداءات يتمثل في زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون مما يتسبب في تفاقم ظاهرة الاحترار المناخي.

إدارة الغابات.. ضعف مؤسسي ومالي

من جانبه، يرى عمر الشوشان رئيس اتحاد الجمعيات البيئية في الأردن أن إدارة الغابات حاليا تمر بحالة ضعف مؤسسي ومالي، مطالبا بضرورة التنسيق بين الجهات المعنية في حماية الثروة الحرجية.

وقال إنه تم العمل على إعداد سياسات وتشريعات متقدمة لكن لم يتم الأخذ بها من قبل الحكومة برغم الحاجة الماسة لتطوير القطاع وبالشراكة مع جهات دولية مختصة.

وحذر الشوشان من عدم القدرة على وقف الاعتداء في ظل إمكانات هشة لا ترقى لمن يحمل صفة الضبط العدلية وهو ما يتطلب جهدا أمنيا استخباريا من الجهات المختصة وملاحقة الجناة قضائيا.

ويقترح أن يتم إجراء تحول جوهري في إدارة قطاع الأحراج بحيث يكون هناك دور مؤسسي للمجتمع المحلي في حماية الغابات وتوظيف أفضل للتقنيات الفنية والخبرات المؤهلة وبناء شراكات دولية للاستفادة من الصناديق التمويلية.

ويدعو الشوشان لإعداد نصوص تشريعية رادعة تجرم أي اعتداء على الثروة الحرجية بكافة أشكالها مع ضرورة فتح المجال للتعاون البحثي مع الجامعات ومراكز البحوث العلمية والأكاديمية لتعزيز الإدارة الفنية لقطاع الغابات، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في زيادة وصيانة الثروة الحرجية.

وأكد على أهمية تنمية وعي المجتمع المحلي الذي يعيش في الغابات من حيث التعاون مع الجهات المعنية في الرقابة.

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون