في مثل هذه الأيام من كل عام، كانت تتجمع لدى المصري محمد عمران، وهو عامل متقاعد، نحو خمسة كيلوغرامات من لحوم الأضاحي التي تصله من تبرعات أقاربه وعدد من أهل الخير في الحي، فيما يتوقع هذا العام أن تنتهي "أيام التشريق" من دون أن يظفر حتى بنصف هذه الكمية من اللحوم.
يقول عمران لـ"العربي الجديد": "عدد كبير من الأشخاص الذين اعتدت على تلقي لحوم الأضاحي منهم أحجموا عن الذبح في هذا العام. أتفهم الأسباب، فأسعار الماشية مبالغ فيها، والأوضاع المعيشية لغالبية الناس سيئة، حتى من كانوا في السابق مقتدين، لكننا سنكون الضحايا، فقد كنا ننتظر تلك اللحوم سنوياً، وغالبا لا نأكل اللحوم سوى في المناسبات، مثل عيد الأضحى".
ودفع التضخم الذي وصل إلى ما يقارب 30 في المائة بحسب الأرقام الرسمية، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل مبالغ فيه قطاعاً واسعاً من الطبقة الوسطى في مصر إلى التوقف عن ممارسة سنة الأضحية، في حين قرر آخرون تقديم الأضاحي في بلدان أفريقية أخرى أو آسيوية عبر الجمعيات الخيرية، الرسمية والأهلية.
وجاء التوجه إلى التضحية في خارج مصر تجنباً لارتفاع أسعار اللحوم التي بلغت معدلات قياسية، والتي تخلق صعوبة في الوفاء بالسنة النبوية، في حين يرغب البعض من وراء نقل أضاحيهم إلى الدول الأشد فقراً في المساهمة في إطعام فقراء المسلمين في تلك البلدان، حيث يجد السواد الأعظم صعوبة في الحصول على اللحوم، رغم أن سعرها قد لا يتجاوز 20 في المائة من ثمنها في مصر.
ويرى مراقبون أن اتساع تلك الظاهرة تسبب في حرمان المزيد من فقراء مصر من البروتين الحيواني الذي كان كثيرون منهم ينتظرونه في العيد، إذ سيقل بالتبعية عدد المستفيدين من أضاحي المقتدرين في مصر. وبحسب معلومات متوفرة، تبدأ خطوات نقل الأضحية من مصر إلى أي من البلدان الأفريقية أو الآسيوية عبر التواصل مع الجمعيات الخيرية، والاتفاق على قيامها بذبح الأضحية في فروعها المختلفة، بعد تحويل ثمن هذه الأضحية عبر تحويل بنكي، أو عبر التطبيقات الإلكترونية لتلك الجمعيات، ويتم توزيعها على فقراء المسلمين في تلك البلدان بعد تحديد كميات اللحوم الواجب توزيعها.
تزايد نقل الأضاحي إلى بلدان أخرى بعد تفاقم ارتفاع أسعار الذبائح
يقول المهندس حامد عبد الغني، من إحدى قرى محافظة الغربية، لـ "العربي الجديد"، إنه لجأ إلى تنفيذ سنة الأضحية في أوغندا بعد أن طالع إعلاناً لإحدى الجمعيات الخيرية على موقع "فيسبوك"، يفيد بتوفير أضاحي العيد بأسعار مناسبة لا تتجاوز 25 في المائة من ثمنها في مصر، وإنه قبل أن يقدم على ذلك استفتى شيوخاً ثقات، فقالوا بجواز الأمر حال العجز عن القيام بالتضحية في بلده لارتفاع الأسعار.
قام عبد الغني بإيداع ثمن الأضحية البالغ نحو 18 ألف جنيه (600 دولار) في حساب الجمعية الخيرية، والتي قامت بتوثيق عملية الذبح عبر تصويرها، وكذلك عملية التوزيع على فقراء المسلمين في منطقة الذبح وفاء للسنة النبوية.
ويؤكد رجل الأعمال صلاح البيومي أنه قام بذبح أضحية العيد هذا العام عبر إحدى الجمعيات الخيرية في بنغلادش، وذلك بعد أن تواصل مع إحدى الجمعيات الخيرية الرسمية هناك، وأرسل إليها تحويلاً بنكياً بثمن الأضحية، والذي لم يتجاوز 20 ألف جنيه (650 دولاراً) لبقرة تزن نحو 500 كيلوغرام، وهو سعر لا يقارن بالأسعار في مصر، والتي قد تقترب من 80 ألف جنيه (2700 دولار تقريباً). موضحاً أن "الاتفاق مع الجمعية تضمن موعد الذبح، وطريقة توزيع الأضحية، وأن يكون التوزيع في اليوم التالي للذبح، مع توثيق عمليتي الذبح والتوزيع على الفقراء".
لم يكن دافع البيومي من وراء نقل الأضحية إلى أحد البلدان الأخرى اقتصادياً، فهو قادر على تقديم الأضحية في مصر رغم ارتفاع الأسعار، حسب ما أوضح في حديثه لـ "العربي الجديد"، لكن الدافع كان الذهاب بالأضحية إلى الأشخاص الأشد احتياجاً والأكثر فقراً، مضيفاً أن "ثمن الأضحية في مصر، يطعم في بنغلادش أربعة أضعاف من يطعمهم من المصريين، وهذا يضاعف الثواب، لأن إسعاد أربعة أفضل من إسعاد فرد واحد، وفي النهاية لا تهم الجنسية في فعل الخير".
وارتفعت أسعار الماشية في مصر إلى أرقام قياسية، وتضاعفت الأسعار تقريباً خلال العامين الأخيرين، ما تسبب في عجز قطاعات واسعة من المصريين عن القدرة على توفير كلفة الأضحية، حتى ولو بشكل جماعي كما كان يجري خلال السنوات الماضية، والتي شهدت اتساع ظاهرة الاشتراك في الأضاحي، حتى وصل الحال إلى الاشتراك في لحوم الخراف والماعز بسبب صعوبة الظروف المعيشية.
ويشير عضو شعبة الجزارين، ربيع أبو الفتوح، إلى أن "لجوء المصريين لنقل الأضاحي إلى بلدان أخرى تزايد بعد وصول أسعار الذبائح إلى أرقام فلكية، وذلك نتيجة لجملة من الأسباب، منها انهيار قيمة الجنيه أمام الدولار، والذي تسبب في رفع أسعار الأعلاف إلى نحو خمسة أضعاف. لم يكن كيلو العلف بسعر الجملة يتجاوز أربعة جنيهات قبل عامين، بينما يتجاوز حالياً 22 جنيهاً، وبنفس النسب، ارتفعت أسعار الذرة الصفراء نتيجة احتجاز مئات الآلاف من الأطنان في الموانئ المصرية نتيجة أزمة الدولار".
يضيف أبو الفتوح لـ "العربي الجديد": "لم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، إذ أسهم ارتفاع الأسعار، وعدم توافر الأعلاف في دفع العشرات من مربي الماشية إلى التوقف عن ذلك في ظل عدم الجدوى الاقتصادية، إذ تصب الزيادة في مصلحة الجزارين بالأساس، ولا يحصد المربون مكاسب مناسبة، وأدى هذا بالتبعية إلى تراجع المعروض من الماشية، وبالتالي ارتفاع أسعار اللحوم، وكل هذا كان له تأثير جلي على تراجع الإقبال على ذبح الأضاحي، والتي تقلصت بنسبة تقترب من 40 في المائة مقارنة مع أرقام العامين الماضيين".
من الناحية الشرعية، تباينت آراء علماء الدين حول التضحية في الخارج، وفيما يرى بعضهم أن ذبح الأضحية في بلد المضحي هو الأولى انطلاقاً من من سنة حصول المضحي على ثلث الأضحية، وذويه وأقاربه على الثلث الثاني، وتخصيص الثلث الأخير للفقراء. يرى علماء آخرون عدم وجود أية موانع شرعية تحول دون نقل الأضحية إلى بلد آخر، وأن الأمرين متساويان.
يقول أستاذ علم الحديث بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، يحيى إسماعيل حبلوش، إنه "يجوز شرعاً نقل الأضحية إلى بلد آخر غير بلد المضحي الأصلي، لا سيما إن كان من البلدان الإسلامية التي تمر بظروف تمنع أهلها من الوفاء باحتياجاتهم الأساسية في هذه الأيام المباركة، مثل غزة أو الصومال أو السودان، مصداقاً لقوله تعالى في القرآن (حتى يبلغ الهدي محله).
والمحل هنا لا يقتصر بالطبع على بلاد الحرمين، بل يمتد لكل بلد إسلامي يعاني أهله الفقر بحسب إجماع جمهور العلماء".
ويوضح حبلوش لـ"العربي الجديد" أن "الواجب الشرعي في هذه الأيام المباركة، والهدف الأسمى من الأضحية هو إراقة الدماء التزاماً بالحديث النبوي الشريف الذي يقول إن أحب الأعمال إلى الله في هذا اليوم العج والثج، ويقصد بالعج هنا الإكثار من التكبير والتهليل، والثج هنا هو ذبح الأضاحي، وذلك أياً كان مكان الأضحية".
ويؤكد أستاذ الحديث "اتفاق العلماء على جواز الإنابة في ذبح الأضحية، من دون اشتراط أن يتم الذبح في بلد المضحي، وليس في الشرع ما يدل على اشتراط ذلك، بل إن كثيراً من العلماء صرحوا بجواز الذبح في غير بلد المضحي، سواء كان الذابح هو المضحي، أو نائبه، أو وكيله".
وردت دار الإفتاء المصرية على سؤال موجه إليها من مؤسسة خيرية حول نفس القضية، وقالت عبر حسابها الرسمي في موقع "فيسبوك"، إنه "لا مانع شرعاً من إنابة المؤسسات الخيرية في ذبح الأضحية، ولو في غير بلد المضحي، ثم تنقل الأضاحي إلى بلد المضحي لحماً بعد ذبحها لتوزيعها على المحتاجين، والعبرة في وقت التضحية بالمكان الذي تذبح فيه الأضحية". وأجازت دار الإفتاء في ردها أن تقوم الجهة السائلة باستبدال المال باللحوم من غير عملية بيع نقدي، ما دام ذلك يحقق مصلحة الفقراء والمحتاجين، ويعود عليهم بما هو أنفع لهم بالنسبة لاستفادتهم من الأضاحي.