يعترف غالبية الأفغان بأن استعادة حركة طالبان الحكم في منتصف أغسطس/ آب 2021 كرّست الاستقرار الأمني الذي تطلعوا إليه في معظم المناطق، لكن توقعاتهم بتحسّن أمورهم الحياتية في قطاعات عدة لم تتحقق.
وفي المناطق الريفية والنائية تحديداً ما زال القطاع الصحي على حاله السيئة، ومن أبرز مشاكله انعدام وجود كوادر طبية متخصصة، وقلة الإمكانات والتجهيزات والمستلزمات، ما يجبر السكان على نقل مرضاهم إلى المدن، رغم أن وضعهم الاقتصادي هشّ، ويعانون من ندرة وسائل النقل.
فيما لا تضم منطقة أوشي بمقاطعة تشار تشينو في ولاية أوروزجان مركزاً صحياً، يواجه السكان مشاكل كثيرة في التعامل مع الحالات المختلفة للأمراض، وتوفير المتطلبات المناسبة لعلاجها تمهيداً لتماثلها للشفاء، كما يعجز غالبيتهم عن نقل مرضاهم إلى المدن.
ويخبر بعض هؤلاء السكان "العربي الجديد" أن مركزاً صحياً في المنطقة كان يقدم خدمات لهم قبل خمس سنوات، لكن عندما أصبحت منطقتهم جبهة حرب، نقلت الحكومة الأفغانية المركز إلى منطقة يخدان.
وحالياً يطالب هؤلاء السكان وزارة الصحة في حكومة طالبان بإعادة المركز الصحي إلى منطقتهم، أو إنشاء مستشفى جديد، ويؤكدون أنه من دون تنفيذ ذلك لن يستطيعوا العيش في المنطقة التي تضم نحو ألف منزل لا يتوفر لسكانها حتى طبيب واحد يستطيع علاج المرضى في الحالات الاضطرارية.
ويقول الملا محمد غياث الذي يسكن في المنطقة لـ"العربي الجديد": "تعيش ألف أسرة في منطقة أوشي من دون أن يحصل أفرادها على أي خدمات صحية. وقبل نحو خمس سنوات كانت منطقتنا خط تماس في الحرب بين حركة طالبان والحكومة، لذا نقل المركز الصحي إلى منطقة يخدان التي تبعد 10 كيلومترات من منازلنا. وفي كل الأحوال لا يستطيع هذا المركز توفير الخدمات المطلوبة لأن إمكاناته وتجهيزاته هشّة وضعيفة".
يقول محمد نعيم، من سكان قرية كنج بمنطقة أوشي لـ"العربي الجديد": "طالبنا إدارة الصحة المحلية مرات بتقديم خدمات صحية لأهالي منطقتنا، لكنها لم تهتم بالقضية أصلاً، والمسافة طويلة إلى منطقة يخدان، وتتطلب سلوك طريق في حالة سيئة، ما يجعل المرضى يواجهون مشاكل للوصول إليها".
من جهته، يقول مسؤول إدارة الصحة المحلية في ولاية أوروزجان، محمد روحاني، لـ"العربي الجديد"، إن "المركز الصحي الذي نقِل قبل سنوات من أوشي إلى يخدان جرى تطويره، وبات يستطيع إجراء عمليات وتقديم خدمات ضرورية لسكان المنطقة، لذا طالبنا الوزارة بإنشاء مركز صحي آخر في المنطقة، وهو ما قبلته، ونحن نأمل في تقديم الخدمات الصحية التي يريدها الناس قريباً من خلال إنشاء مركز صحي الجديد في أوشي".
وفي ولاية غور يواجه السكان مشكلة عدم وجود كادر طبي كافٍ، ومتخصص في أمراض النساء والأطفال تحديداً، في المناطق الريفية البعيدة. ويقول أحد السكان محمد أكبر لـ"العربي الجديد": "تقدم عيادة متوفرة بعض الخدمات الصحية، لكنها تفتقر إلى تجهيزات وطبيب متخصص أو جراح خاص بأمراض النساء، لذا نرسل المرضى غالباً إلى المستشفى المركزي في مدينة فيروز كوه، عاصمة الولاية". ويؤكد أن "المشاكل الخاصة بالخدمات الصحية موجودة منذ فترة طويلة، وكنا نتوقع أن يتحسن الأمر مع سيطرة طالبان على الحكم، لكن أي شيء لم يتغير رغم أن الحرب انتهت، وزالت العوائق الأمنية. من هنا نطالب الحكومة بمعالجة القضية، وإيلاء اهتمام كبير بالموضوع الملح".
وعموماً يعترف مسؤولو قطاع الصحة في أفغانستان بوجود مشاكل كثيرة في المناطق الريفية، لكنهم يؤكدون أن الإدارات المعنية تعمل ليلاً نهاراً لتحسين الأوضاع، وذلك باستخدام كل الوسائل المتوفرة التي تعترف بأنها ضعيفة، ولا تلبي الاحتياجات.
ويقول رئيس العيادة في مديرية دولينه، عبد اللطيف محمد لـ"العربي الجديد": "تعاني العيادة من مشاكل كثيرة، أبرزها الافتقار إلى أطباء وطبيبات، في حين من الضروري أن يتطور عملها كي تستطيع تقديم خدمات أكثر وأفضل للناس، لكن الوسائل القليلة والميزانية الضعيفة تمنعان ذلك".
بدوره، يقول نائب مدير إدارة الصحة المحلية بولاية غور، عبد أحمد نوري، لـ"العربي الجديد": "لدينا عدد قليل من الأطباء، في حين يضم المستشفى المركزي طبيبتين فقط، والحكومة تبذل كل ما في وسعها لتحسين الأحوال، ومعالجة المشاكل".
ورغم قلة أعداد المراكز الطبية في عموم أفغانستان، تواجه تلك الموجودة مشاكل عدم تماشي منشآتها وتجهيزاتها مع العصر الحاضر، وعدم القدرة على التعامل مع الكثافة السكانية في البلاد، ويكرر الأطباء المطالبات بتشييد مستشفيات جديدة، معتبرين أن كثير من المستشفيات الحالية غير صالحة لاستقبال المرضى.