يخيّم صمت غريب على شوارع القدس القديمة وأزقّتها التي تضجّ عادةً بالحياة، مع تواصل الحرب الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة، الأمر الذي يُثني السياح عن القدوم.
في أزقّة البلدة القديمة حيث تكثر المتاجر في محيط المواقع المقدّسة، أغلقت المحال بغالبيتها أبوابها مع مرور نحو أربعة أسابيع على عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على غزة. أمّا أصحاب المحال الذين اختاروا فتح أبوابهم، فيترقّبون يوماً بعد يوم السياح الذين لا تظهر أيّ بوادر لعودتهم قريباً.
يقول مروان عطية البالغ من العمر 48 عاماً، وهو دليل سياحي وصاحب متجر للتذكارات، لوكالة فرانس برس، إنّ "السياحة انتفت كلياً". يضيف: "لدينا عائلات ولدينا أطفال، لكنّ لا نشاط ولا عائدات ولا حياة. كيف عساك تنفق المال في حال عدم توفّره؟".
في داخل أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، أماكن مقدّسة رئيسية للمسيحيين واليهود والمسلمين، تستقطب عادة الحجّاج والزوّار منذ قرون.
لكنّ قطاع السياحة في القدس المحتلة، الذي يدرّ عائدات كبيرة في العادة، انهار منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، بعد عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصل لليوم الثامن والعشرين.
يُذكر أنّ البيانات الأخيرة لوزارة الصحة في غزة، الصادرة اليوم الجمعة، تفيد بسقوط 9227 شهيداً من بينهم 3862 طفلاً، إلى جانب 23516 جريحاً.
"لا ناس فيه"
وقد خلت كنيسة القيامة، أمس الخميس، من قاصديها، باستثناء كاهن من هنا أو هناك.
ويقول بيترو ماتزوكو البالغ من العمر 31 عاماً، وهو طالب إيطالي في مدرسة إكليريكية في القدس المحتلة، لوكالة فرانس برس، إنّ "الحياة كانت تدبّ في هذا المكان، فكان يغصّ بعدد كبير من الأشخاص الذين يصلّون ويعرضون مشكلاتهم على الربّ في أجواء من الخشوع. لكنّه الآن مقفر كما ترون. لا ناس فيه".
من جهته، رفض السائح الفرنسي رشيد البالغ من العمر 24 عاماً إلغاء رحلته، مؤكداً أنّه يريد أن يرى الوضع على الأرض بأمّ العين. وهو كان قد وصل في وقت سابق من الأسبوع براً من الأردن، بعدما خضع إلى استجواب مركّز من قبل السلطات الإسرائيلية.
ويشير، لوكالة فرانس برس، إلى أنّ "الأمر غريب بعض الشيء. لا أحد في الشوارع"، مضيفاً أن الشرطة الإسرائيلية استوقفته مرّات عدّة منذ وصوله. ويتابع أنّ "الناس من الجانبَين خائفون. الناس متوجّسون إذ لا يعرفون من أنا ومن أين أتيت".
"يركلون الجميع"
وبعيداً عن السياحة، يخيّم جمود على الحياة اليومية كذلك. فقد تراجعت أعداد المصلّين في المسجد الأقصى مع تشديد نقاط التفتيش والدوريات في القدس المحتلة.
ويخشى كثيرون من سكان البلدة القديمة، غالبيتهم من الفلسطينيين، الخروج من مساكنهم، متحدّثين عن مضايقات وعنف جسدي في حقّهم من قبل القوات الإسرائيلية.
يُذكر أنّ في الضفة الغربية المحتلة استشهد أكثر من 130 فلسطينياً (حتى أمس الخميس)، منذ السابع من أكتوبر الجاري، بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي أو المستوطنين.
وقد نُفّذ، أوّل من أمس الأربعاء، إضراب عام في الضفة الغربية المحتلة تضامناً مع سكان قطاع غزة المحاصر، فأُغلقت المتاجر وصولاً إلى القدس المحتلة.
وقد آثر كثيرون من أصحاب المتاجر عدم الحديث إلى وكالة فرانس برس، أمس الخميس، خوفاً على أمنهم.
ويؤكد عماد سعيدية، صاحب متجر في البلدة القديمة، أنّ "المرحلة خطرة وليست آمنة". يضيف أنّ "الجنود (الإسرائيليين) يركلون الجميع. لا يعاملون الناس بطريقة جيّدة".
وفي حين أكّد رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ وقف إطلاق النار مستبعد كلياً، راح اليأس يتجذّر. ويقول السعيدي: "نريد أن نعيش".
(فرانس برس)