من أخطأه الموت من أطفال سورية بقذائف وحمم النظام السوري وحلفائه، لم ينجُ من المعاناة في خيم التهجير والكد بحثاً عن لقمة العيش الكريم، وإعالة ذويه بعيداً عن مقاعد الدراسة وساحات اللعب بالكرة. أطفال كبروا في الخيم قبل أوانهم، وباتوا تجاراً أحياناً وعاملين في مهن صعبة أحياناً أخرى.
كاميرا "العربي الجديد"، رصدت في إحدى الخيم المهترئة متجراً صغيراً يديره الطفل، أحمد طكو، الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر. يبيع فيه الخضار والطعام لسكّان المخيم والعابرين بالقرب منه، على أطراف مدينة معرة مصرين، في ريف إدلب الشمالي. وقد أصبح جزء من هذه الخيمة المهترئة مسكن أحمد، أما الجزء الآخر فصار مصدر رزقه وعائلته.
500 ليرة تركية أيّ قرابة 80 دولارا أميركيا هي قيمة البضاعة في متجر أحمد. وهذه الأموال مهمة بالنسبة إليه، لأنها تساعده في تأمين عمل يؤمن بعضاً من احتياجات أسرته، التي فقدت معيلها، والد أحمد، الذي أصيب بعجز في يده جرّاء إصابته بغارة جوية من طيران النظام، أثناء سكنهم في قرية مصيبين، في ناحية أريحا، جنوبي إدلب.
يقول أحمد لـ"العربي الجديد"، إنّهم أُجبروا على العيش في هذه الخيمة لأنهم لم يستطيعوا العودة إلى منزلهم في مصيبين، بسبب استمرار النظام السوري في قصف المنطقة وعموم ريف إدلب الجنوبي، الذي من المفترض أن يكون خاضعاً لاتفاق وقف إطلاق النار، إلاّ أنّ النظام لا يحترم أيّ اتفاق.
يبدي أحمد، قوة وقدرة لا يمتلكها الكثير من الرجال، وهي تساعده على التكيّف مع ظروف الحرب، سواء الجسدية أو النفسية منها، بالإضافة إلى التكيّف مع حياة الخيم. يشتري أحمد ما تيسّر له من بضاعة لمحله الصغير، من مدينة معرة مصرين القريبة من مخيمه، مراعياً ميزانيته الصغيرة. يقصد المدينة بأيّ سيارة عابرة، ترضى بإقلاله من دون أن يضطر إلى دفع أجرة.
ولم يتمكّن أحمد من إكمال دراسته، لأنّ الخيمة التعليمية في مخيمه تقدّم التعليم للمرحلة الابتدائية فقط، ولا توجد مدرسة قريبة يستطيع محمد الدراسة فيها، ويقول: "لا أوفر المال من هذا العمل لكن الحمد لله أقدم الغذاء و الدواء لأسرتي، لست سعيداً بهذا العمل الشاق وأتمنى تركه والعودة لدراستي كي أصبح طبيباً أو معلماً". ويضيف أحمد: "أتمنى العودة إلى بيتنا وبستاننا في قرية مصيبين، وأن ألعب هناك مع إخوتي وأصدقائي وأن نعيش مع جميع أطفال سورية حياةً حرة ،كريمة، دون الطيران الحربي وقصفه ودون بشار الأسد الذي هجّرنا من بيوتنا وأراضينا".
أحمد، طفل من آلاف الأطفال النازحين، شمال غربي سورية، يعيشون تحت خط الفقر في ظروف إنسانية صعبة، دون رعاية صحية أو تعليمية جيدة، حياتهم مهددة بالجهل والأمراض الجسدية والنفسية، ولا أمل أو حلّ لأوضاعهم في القريب المنظور، إن لم تتحرك منظمات دولية لإنقاذ الطفولة في سورية.
وبحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونسيف"، فإنّ أكثر من نصف الأطفال في عموم سورية، محرومون من التعليم، ويعانون من آثار الحرب و جائحة كورونا، كما يعانون من فقدان الأمن، خاصة في المناطق التي يتم فيها استهداف المنشآت التعليمية والصحية