لعبت منظمة الصحة العالمية دائماً أدواراً ساعدت في تخطي العراق وتصديه لموجات وبائية، آخرها جائحة كورونا، كما وفرت دعماً بأموال ومعدات وخبرات، ما أعانه في مواجهة الأزمات. "العربي الجديد" حاورت ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق الدكتور أحمد زويتن الذي شخّص مشكلات النظام الصحي العراقي، وكشف مساهمات المنظمة في تطويره، وهنا النص:
* ما مساهمات المنظمة في دعم القطاع الصحي العراقي؟
- تستمر منظمة الصحة العالمية منذ أكثر من 30 عاماً في دعم وزارة الصحة في العراق في مجال تعزيز النظم الصحية والاستجابة لحالات الطوارئ وأولويات الصحة العامة، والوقاية من الأمراض المعدية، وتحسين صحة الأم والطفل. ووسعت في السنوات الأخيرة نطاق دعمها وشراكتها مع وزارة الصحة، والتي شهدت زخماً كبيراً خلال جائحة كورونا وما تلاها من أنشطة تتعلق بتعزيز النظام الصحي.
وتركزت جهود منظمة الصحة العالمية على مدى سنوات على التأهب والاستجابة للوضع الإنساني وحالات النزوح في المحافظات التي تأثرت بأزمتي الحرب ضد تنظيم "داعش" وتفشي جائحة كورونا. واهتمت المنظمة بالتعاون مع وزارة الصحة ببناء استراتيجية شاملة لتطوير النظام الصحي، بهدف دعم تحقيق العراق التغطية الصحية الشاملة وتوفير الرعاية الصحية للجميع. وقد خطونا خطوات حثيثة على طريق الاستثمار في تعزيز الأنظمة الصحية في العراق، بدءاً بالحوكمة الصحية، وإعطاء الأولوية للصحة في جميع السياسات المعتمدة لتحديث القوانين. كذلك جرى تحديث نظام المعلومات الصحية باعتباره يشكل الحاجة الأكثر إلحاحاً لإنتاج معلومات وبيانات مبنية على أسس علمية دقيقة تساهم في صنع سياسات القطاع الصحي، ورفع مستوى الخدمات المقدمة في مختلف المناطق العراقية.
* ما أبرز التحديات الصحية الحالية، وماذا فعلت منظمة الصحة العالمية لمساعدة العراق؟
- تتمثل أبرز التحديات في معالجة مشكلات ضعف البنى التحتية للنظام الصحي، وهذه مشكلة أساسية يضاف إليها عدم التوزيع العادل للكوادر الصحية وعدم تحديث القوانين. وأظهرت جائحة كوفيد - 19 الحاجة الملحة لتحديث اللوائح الخاصة بالأمن الصحي.
ولا شك أيضاً في أن التغيّر المناخي ألقى بظلاله على الواقع الصحي في العراق المصنف في المركز الخامس بين الدول الأكثر تضرراً في العالم، خاصة على صعيد مشكلة العواصف الترابية التي تشكل تحدياً في بعض أيام السنة، وتتسبب في دخول آلاف يعانون من الاختناق دفعة واحدة إلى المستشفيات. والظواهر الجوية المتطرفة تزداد في العالم، مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات، ما يعطل النظم الغذائية السليمة، ويزيد الأمراض حيوانية المنشأ، وتلك المنقولة بالأغذية والمياه والنواقل، كما يحدث مشكلات في الصحة النفسية.
* ما هي مساهمات المنظمة في دعم قطاع الصحة بالأدوية والمستلزمات الطبية الأكثر طلباً وإلحاحاً؟
- عملت منظمة الصحة العالمية مع وزارة الصحة العراقية خلال السنوات الماضية لتوفير الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية الأساسية، وتجهيز المرافق الصحية للتعامل مع الاحتياجات، والاستجابة للأوبئة والحالات الطارئة. كما جرى شراء وتوزيع أنواع مختلفة من المعدات الطبية لدعم مرافق الرعاية الصحية الأولية في المحافظات المتضررة من النزاع. وخلال عام 2022 فقط، وفرت المنظمة حوالى 350 طناً من الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية لمختلف المحافظات العراقية.
وفي نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي افتتحت المنظمة مستودعات جديدة تابعة لها في محافظة أربيل ضمن أهداف الانتقال من تقديم الخدمات إلى بناء قدرات قطاع الصحة على الصمود، وتعزيز الأنظمة الصحية، وبينها على صعيد الاستثمار في إدارة الأدوية والمستلزمات الطبية وسلسلة توريد التقنيات الطبية للوصول إلى تغطية صحية شاملة في إقليم كردستان وجميع محافظات العراق.
* ماذا قدمت منظمة الصحة العالمية للتعامل مع جائحة كورونا في العراق؟
- منذ تفشي جائحة كورونا عمل فريق مكتب منظمة الصحة العالمية في العراق عن كثب مع وزارة الصحة والعديد من الإدارات الصحية والشركاء الصحيين لدعم التأهب وتقديم الدعم الفني، وتوفير الموارد للنظام الصحي في العراق لدعم التدخلات الصحية الطارئة، كما نسّق مكتبنا أيضاً الجهود المتعلقة ببناء القدرات في مجال تدبير الحالات والإبلاغ عن المخاطر، كما ساعد في تخصيص مستشفيات احتوت وحدات للعزل والعناية بمرضى كورونا. وبفضل الله وجهودنا مع وزارة الصحة والاستعداد المبكر تمكنّا من الحفاظ على معدلات إصابات متوازنة لم تسمح ببلوغ مستوى الانهيار في النظام الصحي، كما حدث في بعض الدول.
ومن أجل تنسيق الجهود، وضعت منظمة الصحة العالمية خطة التأهب والاستجابة الاستراتيجية بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية، لتحديد تدابير الصحة العامة لتقليل تأثير الفيروس والسيطرة على انتشاره. كما حشدت منظمة الصحة العالمية فرق الاستجابة السريعة للتعامل مع زيادة الحالات، وقدمت إرشادات فنية وأدوات وإمدادات للترصد والتحقق المختبري، ودعمت منظمة الصحة العالمية إنشاء فرق التطعيم في 102 موقع في أنحاء العراق لتقليل العبء على فرق التلقيح.
وفي العراق، سُجلت أكثر من مليونين و463 ألف إصابة بكورونا، وقد تراجعت كثيراً حالياً عن السابق وصولاً إلى 700 شخص أسبوعياً. وشملت الحصيلة الأخيرة لحملة التطعيم 11 مليوناً و300 ألف مواطن.
وقدمت منظمة الصحة العالمية لوزارة الصحة العراقية أكثر من 33 مليون دولار من المساعدات لدعم البرنامج الوطني للاستجابة لجائحة كورونا، بالتعاون مع دول مانحة مثل الكويت وألمانيا ودول أوروبية أخرى ومكتب الولايات المتحدة للمساعدات الإنسانية.
* كيف تنظرون إلى تحديي الكوليرا والحمى النزفية في العراق، مع تسجيل مئات من الحالات الموجبة؟
- سجل العراق أكثر من 900 إصابة بالكوليرا، نصفها تقريباً في محافظة كركوك. وبلغ معدل الوفيات 0.05 في المائة في عموم البلد، وهو مقبول بحسب تصنيف إدارة الطوارئ في منظمة الصحة العالمية. ووضع الكوليرا في العراق أفضل من دول مجاورة مثل سورية ولبنان.
أما الحمى النزفية فتجاوزت إصاباتها 300، وأكبرها في محافظة ذي قار بحدود 45 في المائة، في حين اقترب معدل الوفيات الكلي من 18 في المائة. وغالبية الإصابات التي أبلغ عنها تعود إلى عاملين في الجزارة ومربي مواشي وبائعيها، وربات بيوت اشترين لحوم حيوانات مصابة.
* كيف تصفون دور منظمة الصحة العالمية في التوعية بمخاطر الأمراض الانتقالية في المدن والأرياف؟
- على مدار السنوات القليلة الماضية، أصبحت حملات الإبلاغ عن المخاطر والمشاركة المجتمعية ركيزة أساسية في عمل منظمة الصحة العالمية، وذلك سعياً منها إلى تعزيز مشاركة المجتمع في التأهب والاستجابة للقضايا الصحية المختلفة، بما في ذلك حالات الطوارئ. وقد تأكدت أهمية هذا الاستثمار الاستراتيجي في هذه الحملات خلال جائحة كورونا.
وفي العراق، تمكنت منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة من الوصول إلى ملايين الأشخاص من خلال الأنشطة التوعوية المختلفة والطرق المتعددة المتبعة للوصول إلى فئات مجتمعية مختلفة استجابة لكوفيد -19، وحمى القرم - الكونغو النزفية، والكوليرا وغيرها من الشواغل الصحية في البلاد.
وقد ساعدت حملات الإبلاغ عن المخاطر والمشاركة المجتمعية في بناء الثقة بين المجتمعات العراقية، كما عززت إحساسها بالمسؤولية والمساءلة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة المخاطر الصحية.
وأثناء تفشي وباء حمى القرم - الكونغو النزفية عمل فريق منظمة الصحة العالمية مع وزارتي الصحة والزراعة في العراق لتوحيد سبل التعاون والتنسيق والاستجابة من أجل الوصول إلى المناطق الأكثر تضرراً بالمحافظات الجنوبية، وإيصال رسائل التوعية إلى المجتمعات المحلية على صعيد أوسع. كما وصلت إلى فئات معرضة للخطر، مثل القصابين والأسر ومربي الماشية.
* ماذا فعلت منظمة الصحة العالمية لدعم نازحي العراق خلال سيطرة "داعش" على المدن، وبعد طرده منها؟
- قدمت منظمة الصحة العالمية خدمات الرعاية الصحية الأولية في مخيمات النازحين واللاجئين من خلال إدارة عشرات من مراكز الرعاية الصحية الأولية، بالتعاون مع مكاتب الصحة في المحافظات المستهدفة وشركاء محليين.
وساهمت هذه المراكز خلال السنوات الماضية في تقديم استشارات طبية في مجالات الصحة الإنجابية والصحة النفسية والدعم الاجتماعي وغيرها، كما أجرت العديد من الفحوصات المخبرية، واتخذت قرارات إخضاع حالات لتدخلات جراحية.
وجرى إنشاء أكثر من 70 عيادة متنقلة، وتوفير حوالي 100 سيارة إسعاف لدعم خدمات الإحالة الطبية. ولا ننسى الدور الأساسي الذي نفذته منظمة الصحة العالمية في تقديم الرعاية الطبية المتخصصة للجرحى والمصابين بالرضوض عبر إنشاء أربعة مستشفيات ميدانية لاستقبال الحالات الطارئة أثناء عمليات تحرير الموصل.
* ما الشراكات التي أبرمتها المنظمة في العراق؟
- أبرمت منظمة الصحة العالمية خلال السنوات الماضية شراكات استراتيجية ناجحة وفرت متطلبات الاستجابة للاحتياجات الصحية الطارئة. وقد ساهم الدعم الذي قدمه مانحون، في مقدمهم مكتب المعونة الإنسانية التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومكتب وزارة الخارجية الأميركية لشؤون السكان واللاجئين والهجرة، والاتحاد الأوروبي، ودول الكويت وألمانيا والسعودية واليابان وكندا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة، في ضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية الأساسية، ما سمح للمنظمة بالاستثمار في تعزيز النظام الصحي، وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأولية والإحالة الطبية وغيرها.
وإضافة إلى الشراكة مع المانحين، استثمرت منظمة الصحة العالمية في بناء قدرات المنظمات المحلية غير الربحية، خصوصاً تلك المتخصصة في القطاع الصحي التي تقدم خدمات الرعاية للنازحين واللاجئين.