- الأشهر الأولى من العام الحالي شهدت تسارعاً في القبض على المتهمين، مع التعامل مع ملفات جنائية كبرى مثل المقابر الجماعية والاعتداءات الإرهابية، ما يعكس التزام السلطات بمحاسبة المتورطين في جرائم ضد الإنسانية.
- رغم التحديات الأمنية والسياسية، هناك إصرار على استمرار الحملات الأمنية لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب، مع التأكيد على أهمية التنسيق بين الأجهزة الأمنية وتوسيع نطاق الملاحقات لتشمل جرائم أخرى.
قبل أكثر من عامين، فتحت الأجهزة الأمنية الليبية، سواء التابعة لسلطات الغرب أو الشرق، ملف الجرائم مجهولة الفاعلين، وأطلقت حملات ملاحقة للمتهمين الفارين منذ سنوات، وأعلنت القبض على أعداد منهم.
وأعلنت مديرية أمن النواحي الأربعة، جنوب شرق طرابلس، الأسبوع الماضي، القبض على 21 متهماً، بالتزامن مع إعلان مديرية أمن بنغازي القبض على متهم في قضية قتل جرت قبل أربع سنوات. وفي طرابلس، أدى القبض على متهم مطلوب منذ سنوات في جرائم تتعلق بالممنوعات والمخدرات إلى القبض على أفراد من شبكة لبيع الحبوب المخدرة في عدد من أحياء العاصمة.
وشهدت الأشهر الأولى من العام الحالي متابعة واسعة لمتهمين ومتورطين في جرائم وقعت قبل سنوات، وجرى القبض على عدد منهم، وأدين بعضهم قضائياً بالسجن، كما في إعلان جهاز البحث الجنائي في بنغازي اعتقال عناصره أحد الهاربين من السجون منذ 11 عاماً، والذي كان يقضي عقوبته على خلفية واقعة قتل. كما ألقى عناصر من مديرية أمن العاصمة القبض على متهم في جريمة قتل تعود إلى عام 2016، وفي واقعة أخرى، قُبض على متهم بقتل ابن عمه في عام 2020.
وتعد الملفات الجنائية المتصلة بالجرائم الكبرى، كالمقابر الجماعية في ترهونة، أو الاعتداءات التي نفذتها المجموعات الإرهابية التي نشطت في البلاد خلال السنوات الماضية، من بين الوقائع المتصلة، ففي أغسطس/آب الماضي، كشف رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة عن القبض على قيادي في تنظيم "داعش" متورط في التخطيط وقيادة العمليات الإرهابية التي استهدفت مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مايو/أيار 2018، والمؤسسة الوطنية للنفط في سبتمبر/أيلول، ومقر وزارة الخارجية في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن جهاز أمني تابع لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية القبض على أحد عناصر مليشيا "الكانيات"، وهو من الشخصيات البارزة في المليشيا المتورطة في قضية المقابر الجماعية بمدينة ترهونة خلال عامي 2019 و2020.
وطوال العام الماضي، لم تتوقف الجهات الأمنية عن الكشف عن القبض على متورطين في جرائم جنائية سابقة، بعضها يعود إلى أكثر من عشر سنوات، وإحالتهم إلى الجهات ذات الاختصاص، سواء الشرطية أو القضائية. وهي خطوات يصفها الناشط المدني إبراهيم الناجح بـ"المهمة"، ويطالب باستمرارها لتعزيز مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
ويوضح الناجح لـ"العربي الجديد" أن "عمليات القبض تلك مؤكد أنها تجرى إما بناء على بلاغات سابقة لدى مراكز الشرطة أو أوامر من النيابات، وبعد مرور عام ونصف عام تقريباً على بدايتها، يجب أن تكون هناك خطة عمل واضحة لدى النيابات بعد أن تكون معالم قضية الملفات الجنائية قد تكاملت. فهل لدى الأجهزة الأمنية خطط واضحة لمتابعة ملفات تلك الجرائم؟".
ويضيف: "لا نعلم على وجه التحديد ما هو مصير المقبوض عليهم، خاصة الذين يُقبض عليهم في شرق البلاد. هل يُعرضون على الجهات القضائية، وهل هناك تنسيق فعلي بشأن حملات القبض هذه، فمثلا في ما يخص الشخصية المتورطة في مقابر ترهونة العائدة لمليشيا الكانيات، هل شاركت أجهزة أمن بنغازي في الادلاء بمعلومات عن وصوله إلى مناطق غرب ليبيا حتى يُقبض عليه؟ إن حدث هذا فهو أمر مبشر، وإن ثبت عكسه فهذا يعني أن ملف الجرائم السابقة لا يزال رهن المناكفات السياسية، وأن عمليات القبض تجرى وفقاً لمواقف أطراف الصراع".
ويعلق المحامي بلقاسم القمودي قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "رفع سقف الآمال لا يبدو مناسباً في ظل ظروف البلاد الحالية، والحديث عبر خطاب يشي بأن الدولة مستقرة، وأن أجهزتها يمكنها أن تتحرك بحرية، هو خطاب مثالي أكثر من كونه واقعياً، لكني أعتقد أن ما تحققه أجهزة الأمن اليوم مهم، وخطوة في الطريق الصحيح".
ويشيد القمودي بجهود الأجهزة الأمنية في مختلف أنحاء البلاد مضيفاً: "في حال استمر العمل على هذه الوتيرة، فسيكون هذا إنجازاً كبيراً، ويجب أن تتمدد ملاحقة الجرائم السابقة الخاصة بالقتل والسرقة والتعديات الأخرى لتشمل مناطق أخرى غير المدن الكبرى مثل طرابلس وبنغازي، وأن يضم مناطق الجنوب خصوصاً، وهذا سيبعث شعوراً يعزز الاطمئنان بين الناس، بينما يختلف الوضع في خصوص القضايا الجنائية الكبرى، كالمجازر والمقابر الجماعية المتصلة بأطراف الصراع، ومن الحكمة أن يؤجل النظر فيها إلى مراحل لاحقة لضمان عدم خسارة الاستقرار النسبي الحاصل حالياً في الجهازين الأمني والقضائي".