أبناء المسلمين... هذه قصة خطف أطفال السويد

13 فبراير 2022
يبدو "اختطاف أبناء المسلمين" عنواناً للتضليل (دافيد راموس/ Getty)
+ الخط -

 

نفت حكومة السويد أخيراً مزاعم انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بأنّ جهاز الخدمات الاجتماعية السويدية "يختطف أطفالاً مسلمين"، مؤكدة أنّ الاتهامات "زائفة ومضللة وتستهدف إثارة التوتر ونشر الارتياب". ويُطرح السؤال عن حقيقة ما جرى.

منذ أسابيع، تنتشر حملة على شبكات التواصل وبعض المواقع الإخبارية تتّهم السويد بـ"اختطاف أبناء المسلمين". وقد بقيت استوكهولم تتعامل بهدوء مع المسألة التي انتشرت كالنار في الهشيم والتي ذهب مثيروها إلى حدّ المطالبة بمقاطعة السويد واتّهامها بأنّها "فاشيّة" و"تضمر الشرّ للمسلمين"، بحسب ما بيّن تقرير يرصد ما يدور على الشبكة من نقاشات احتدّت حتى صارت تمثّل خطراً أمنياً على البلاد من وجهة نظر السلطات السويدية. وقد دفع الأمر السويد في الأيام الأخيرة إلى توجيه اتهامات لبعض الجماعات الإسلامية والعربية باستغلال النقاشات إلى حدّ "نشر نظرية مؤامرة" و"التحريض على السويد".

واتّسعت الحملة إلى أبعد من السويد، فرأى ناشطون على مواقع تواصل اجتماعي أنّ "الغرب مثل السويد والدنمارك يريدون ترحيل الكبار والاحتفاظ بالصغار"، الأمر الذي دفع أخيراً السلطات في استوكهولم إلى التحذير من "حملة افتراء تتّهم السلطات باختطاف أطفال المسلمين ونزعهم قسراً من أهاليهم"، وفقاً لما نقل التلفزيون السويدي عن رئيس العمليات في "هيئة الدفاع النفسي السويدية" ميكائيل توفيسون. يُذكر أنّ مهمة الهيئة الحكومية المذكورة هي مواجهة المعلومات المضللة التي تستهدف السويد ومصالحها.

وفي السياق، حذّر جهاز الاستخبارات السويدي من أنّ "حملة تضليل وأخبار كاذبة" بدأت تنتشر على مواقع عربية وإسلامية ضدّ السويد وفي الإمكان أن تؤدّي إلى "أعمال عنف وإرهاب ضد مصالح السويد" بعد رصد تحريض في مواقع دردشة مغلقة و"تضخيم للقصص". يُذكر أنّ جهاز الأمن السويدي تابع بشكل حثيث ما دار ويدور على وسائل التواصل الاجتماعي، مبدياً خشيته من نشوء أزمة "شبيهة بأزمة صحيفة شارلي إيبدو (الفرنسية في عام 2015) ويولاندس بوستن (الدنماركية التي تسببت في أزمة رسوم النبي محمد في عام 2005)". وحذّر جهاز "سابو" الاستخباري السويدي من مخاطر "حملة التضخيم التي يغذّيها غضب إسلاميين متشددين". 

الصورة
طفل في السويد (جوناثان ناكستراند/ فرانس برس)
نقل طفل إلى عائلة أخرى يأتي بموجب قانون غير مرتبط باللاجئين (جوناثان ناكستراند/ فرانس برس)

ما الذي يجري؟

القصة من وجهة نظر السويد أبسط بكثير من كلّ ما يثار حول أنّ "السويد بلد إرهابي"، بحسب تدوينات رصدتها صحف محلية سويدية، تحت عنوان متابعة "حملة التضليل ضد السويد والسلطات الاجتماعية فيها". وتتمثّل القضية في تطبيق السويد، كمعظم الدول الإسكندنافية قوانين رعاية الطفل، وذلك يشمل "كل العائلات بما فيها السويدية" بحسب الخدمات الاجتماعية السويدية. وتطبيق قانون نقل طفل من عائلة ضعيفة اجتماعياً تحوّل إلى "خطف الأطفال المسلمين". وبحسب وسائل إعلام، نقلاً عن السلطات الاجتماعية، فقد كان الحديث عن "طفل واحد" في البداية، وفُجّر نقاش حوله لأسباب تتعلّق بترحيل العائلة إلى بلدها الأصلي. وتؤكد تلك السلطات أنّ الأمر بمجمله "يتعلق بنقل بضعة أطفال إلى عائلات أخرى أو مؤسسات ريثما يُسوّى الوضع في عائلات ضعيفة اجتماعياً وغير قادرة على تقديم الرعاية والحماية بحسب القوانين".

وقد نقلت الصحافة السويدية عن السلطات أنّ عائلة مستهدف ترحيلها ساهمت في إثارة "بلبلة ونشر نظرية مؤامرة حرّضت على كراهية السويد، بادّعاء أنه يجري حبس الأطفال المسلمين احتياطياً لإجبارهم على التحوّل إلى المسيحية". وأشارت صحيفة "إكسبرسن" إلى أنّ التضخيم وصل إلى حدّ "بث أخبار عن مؤامرة سويدية تستخدم فيها سلطة الشؤون الاجتماعية في البلاد كجزء من الحرب ضد الإسلام. وتُنشَر هذه الشائعات شفهياً وتجري مناقشتها في المساجد وبعض الجمعيات".

ولعلّ خطورة ما جرى ويجري، برأي السويديين، تكمن في أن تدخّل وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال مؤسسات رسمية لرعاية حقوق طفل لا يتعلّق بظاهرة واسعة النطاق، بل يأتي في "نطاق مدروس يستوجب بالفعل التدخّل لمساعدة العائلات الضعيفة على التغلب على المصاعب بعد نقل الطفل منها، وإعادته إليها بعد أن تصير قادرة على رعايته". وهو توجّه يؤكده ناشطون من استوكهولم لـ"العربي الجديد" في إحدى كبريات جمعيات مهاجري السويد. 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

غياب المعرفة باللغة والنظام الاجتماعي

المعضلة التي واجهتها استوكهولم وأبرزتها وسائل الإعلام في خلال الساعات الأخيرة هي أنّ "لا معرفة لهؤلاء الذين يتلقّون المعلومات الكاذبة باللغة السويدية، ومعلوماتهم عن المجتمع السويدي ونظامه الاجتماعي ضئيلة، خصوصا أولئك الذين يعيشون في مناطق غير مأهولة من قبل سويديين (تجمّعات المهاجرين)". ويُذكر أنّه من غير السهل انتزاع طفل من عائلته وعرضه للتبنّي من قبل عائلة أخرى في معظم قوانين الدول الإسكندنافية المتطابقة في القوانين الاجتماعية وفي مجال رعاية حقوق الأطفال. فذلك يتطلب إجراءات معقدة وتسبقها تجربة إجراءات أخرى كثيرة، بخلاف استسهال نشر بعضهم أخبار تحت عنوان "خطف الأطفال".

وأكدت صحف سويدية عدّة، من بينها "سودسفنسكا" و"أفتونبلاديت"، نقلا عن متخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع أنّ "ناشري التضليل، بطبيعة الحال، يعرفون أهمية المعتقد الديني الإسلامي للعائلات الوافدة من الشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن يولّد التضليل خوفاً وغضباً حين يُقال إنّ السويد تخطف الأطفال وتغيّر معتقداتهم".

وعلى الرغم من أنّ التقارير السويدية الصادرة عن سلطات الرعاية الاجتماعية كرّرت مراراً أنّ "لا خطف للأطفال في السويد، وأنّ نقل الأطفال من عائلاتهم إلى أخرى يأتي بموجب قانون مُقَرّ قبل عقود وقبل وفود اللاجئين، علماً أنّه مُعَدّ لحماية الأطفال الضعفاء في مجتمعنا"، فإنّ "ثمّة من يحاول استخدام عدم اندماج بعض الناس وعدم معرفتهم بنظام البلاد الاجتماعي لبثّ أخبار غير صحيحة عن السويد".

الصورة
أطفال يلعبون في السويد (يوناس غراتزر/ Getty)
أكثر من 20% من السكان من أصول مهاجرة إسلامية ويعيشون حياة طبيعية (يوناس غراتزر/ Getty)

وقد لفتت السلطات في الأيام الأخيرة إلى العلاقة ما بين الحملة الجارية وبين بعض الأفراد المنوي ترحيلهم والذين تُعرف قضيتهم بـ"الأئمة المرفوض لجوؤهم". وأوضحت السلطات الأمنية السويدية أنّ "هؤلاء على قوائم الترحيل الذين جرى تقييمهم كخطر على الأمن القومي السويدي، حرّضوا في خطبة الجمعة الماضية متسبّبين في مزيد من التضليل الذي انتشر سريعاً وبلغ آلاف المتابعين. وقد ظهر أحد الأئمّة وهو يستهزأ بالديمقراطية السويدية، فيما يهاجم كثيرون النظام العلماني في البلاد ومؤسسات الخدمات الاجتماعية فيه".

وتعتب وسائل إعلام سويدية على "وسائل إعلام خارج السويد ومواقع إخبارية في داخلها ناطقة باللغة العربية انجرّت وراء الموجة المتضخّمة منذ أسابيع". وتعبّر الخارجية السويدية، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية "تي تي"، عن قلقها من "الحملة المتواصلة على نطاق واسع في الشرق الأوسط، حيث تستمرّ خطابات الإهانة والتحريض بتضخيم معلومات وبثّ أكاذيب". وأشارت السلطات إلى عدد من الدول التي تنتشر فيها تلك النقاشات، مبدية خشية من وقوع أزمة مع العالم العربي شبيهة بتلك التي وقعت مع الدنمارك قبل نحو عقدَين ومع فرنسا في العامَين الماضيَين. وبحسب ما تنقل التلفزة السويدية عن مواطنين من أصول سويدية ومن أصول مهاجرة، فإنّ كثيرين من هؤلاء يستغربون "كيف تتشكل بسرعة حملة كراهية ضدّ بلاد استقبلت في عام 2015 عشرات آلاف اللاجئين، ويعيش فيها أكثر من 20 في المائة من السكان من أصول مهاجرة إسلامية حياة طبيعية بمساجد ومؤسسات مختلفة من دون مشكلة".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

في سياق متصل، رصدت تقارير سويدية، بما فيها تقارير أمنية، تحريضاً على "حرق مكاتب الخدمات الاجتماعية. وعلى الرغم من أنّ الأمر يجري في العالم الافتراضي، على شبكة الإنترنت، فإنّ ثمّة خشية من استغلال الأمر لدفع أفراد إلى تنفيذ هجمات"، وفقاً لما نقلت وكالة الأنباء السويدية "تي تي" عن رئيس العمليات في "هيئة الدفاع النفسي السويدية" ميكائيل توفيسون. وبحسب الهيئة، فإن المزاعم يمكن إرجاعها إلى موقع إلكتروني باللغة العربية، كان من أنشأه قد عبّر عن دعمه تنظيم داعش. وأكد توفيسون للإذاعة السويدية العامة أنّ الهدف من الحملة هو "خلق صورة سلبية عن السويد".

من جهته، صرّح وزير الهجرة والاندماج أندرس يغمان لقناة "تي في 4" التلفزيونية بأنّه "لا بدّ من أن تواجَه الأكاذيب بالحقائق"، لافتاً إلى أنّ المسلمين والأئمة في السويد ينأون بأنفسهم عن هذه الدعاية والمعلومات المضللة.