باتت آلاف العائلات المغربية في العراء بالمناطق المتضررة من الزلزال القوي الذي ضرب البلاد، خصوصاً المتضررين في مدينة مراكش، ومن بينهم من تهدم منزله كلياً أو جزئياً، وغالبية يخشون تهدم منازلهم المتصدعة، أو أن تضربها هزات ارتدادية قوية، على غرار الهزة القوية التي تبعت الزلزال الأصلي.
تشتهر مدينة مراكش بوجهها السياحي، وبجامع الفنا وساحته التي تعد قلب المدينة النابض، والتي تحولت إلى ملاذ للخائفين والهاربين من تداعيات الزلزال، لكن من يتوغل في القرى المحيطة بمراكش يكتشف واقعاً مختلفاً بالكلية عن ذلك القائم في المدينة، فتلك القرى ضربها الزلزال بقوة، وأحدث دماراً هائلاً في منازلها، وأوقع مئات الضحايا والمصابين.
تواصلنا مع عدد من شهود العيان، والذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، عن لحظات الزلزال الأولى، وكيف انهارت المنازل، وفقدوا الأحبة، وعن المبيت في العراء ملتحفين بما تمكنوا من إنقاذه من متاع بسيط.
يقول لحبيب أماغوص (25 سنة)، من دوار تدركين: "فقدنا منزلنا وثلاثة أطفال تحت أنقاض الزلزال. أعمل في مدينة الدار البيضاء أنا وإخوتي الذكور لإعالة العائلة، إذ لا وظائف ولا نشاط اقتصادي في منطقتنا، وفور علمي بما حدث، عدت إلى المنطقة لرعاية عائلتي، واكتشفت أن كل ما كسبناه من عملنا خلال سنوات بات تحت الأنقاض خلال ثوان. أختي ما زالت لا تقوى على الحركة أو الكلام، إذ تعيش صدمة فقدان أطفالها الثلاثة الذين دخلوا غرفتهم للنوم، بينما بقيت هي في الغرفة المقابلة لمشاهدة التلفاز، فسقط سقف غرفة النوم، ولم ينج أحد منهم".
وقع الزلزال بعد الساعة الحادية عشرة مساء بالتوقيت المغربي، ما يعني أن غالبية الأسر كانت في منازلها، وكان كثيرون نياماً، ولأن المنطقة لا تشهد زلازل عادة، فإن سكانها لا يملكون الخبرة اللازمة للتعامل مع تداعيات الزلزال، كما أن منطقة الزلزال جبلية ريفية، ما يجعل منازلها ضعيفة، وغير مقاومة للزلازل.
يضيف لحبيب أماغوص لـ"العربي الجديد": "في غياب رجال الأسرة، اضطرت أختي إلى انتشال جثامين أطفالها من تحت الأنقاض بنفسها، وبمساعدة الجيران، كما فعلت جل نساء المنطقة المعروفة بمغادرة رجالها للعمل في المدن المجاورة كمجاط وشيشاوة، أو البعيدة مثل أكادير ومراكش والدار البيضاء".
أحمد أب لستة أطفال، وهو عاطل في جل أيامه ويعمل في بعضها، وكان يمني النفس بدريهمات يجمعها لتوصيل الكهرباء إلى البيت، وشراء تلفاز لأطفاله. يقول لـ"العربي الجديد": "هذه الخيمة البلاستيكية هي سقفنا في هذه الليلة. نجا الأطفال بعد أن أنقذتهم أمهم بمساعدة نساء القرية، لكن البيت تهدم، وبتنا نفترش حصيراً من البلاستيك، والنجوم مصابيح ليلتنا، ربما لا تكون هذه الليلة الوحيدة في العراء، وقد يتبعها غيرها من الليالي بعد أن فقدنا البيت".
غير بعيد تقف فاطمة، وهي سيدة في الخمسين من عمرها، تلف منديلاً على ملابسها وخصرها خلال محاولات انتشال بعض المقتنيات والممتلكات من أنقاض بيت دمر الزلزال معظم حوائطه. تشير السيدة الخمسينية إلى بعض الحطام قائلة: "كان هذا مطبخ منزلي، وهذا ما تبقى منه، وهنا أعددت الطعام صباحاً (الأحد)، ويبدو أنني سأعد الطعام لعائلتي بين الحطام في المكان نفسه طوال الأيام القادمة".
بات بورحيم ليلته برفقة العائلة بالعراء، وبينما ما زالت الصدمة بادية على ملامحه، تحامل على نفسه ليروي لـ"العربي الجديد"، تفاصيل ما عرفه عن الثواني الأولى للزلزال التي لم يحضرها بنفسه، يقول: "لا أقيم برفقة العائلة في المنزل، إذ أعمل في مجاط، وما علمته أن النساء هن من باشرن مهام الإنقاذ الأولى، الصديق جمال أماغوص، ذاك القادم على عكازه من بعيد، أنقذته أمه، لكنه لم يستطع أن يحكي ما حدث بسبب الصدمة. الأسر هنا فقيرة، ومعوزة، ولا سبيل لتوفير القوت اليومي غير مغادرة من يستطيع العمل إلى المدن، ولا يتبقى في المنازل سوى النساء، وهن كن المنقذات عند وقوع الزلزال، وما تبقى من كل بيت من متاع هن من أخرجنه من تحت الأنقاض".
ووفق الديوان الملكي، نصت تعليمات العاهل المغربي الملك محمد السادس على زيادة الإجراءات التي تشمل تعزيز وسائل وفرق البحث والإنقاذ، من أجل تسريع إنقاذ العالقين، وإﺟﻼء المصابين، وﺗزوﯾد اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﺗﺿررة ﺑﺎﻟﻣﺎء اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻟﻠﺷرب، وﺗوزﯾﻊ ﺣﺻص ﻏذاﺋﯾﺔ وﺧﯾﺎم وأﻏطﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻛوﺑﯾن، والعمل على اﺳﺗﺋﻧﺎف كل اﻠﺧدﻣﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ.