آلاف النازحين من المدن المنكوبة بفيضانات ليبيا بلا مأوى

17 سبتمبر 2023
باتت درنة مدينة لا يمكن البقاء فيها (عبد الله بونغا/الأناضول)
+ الخط -

جرفت سيول وادي درنة الناتجة من انهيار السدين في أولى ساعات صباح الاثنين الماضي، أغلب أحياء وسط المدينة، ومن بينها أحياء شارع حشيشة، والكواش، والبحر، والعتيق، والمغار، والصحابة وغيرها، التي كان يقطنها قرابة ثلاثين ألف نسمة.
ووفق تأكيدات شهود عيان لـ"العربي الجديد"، يقبع مئات من الناجين في الباحة المقابلة لمستوصف "شيحا" في الجانب المرتفع من المدينة، ولا تتوافر لهم الخدمات الأساسية الواجب توافرها في هذه الظروف، مثل الخيام والإعاشة، بالإضافة إلى أن بعضهم يعانون من أمراض مزمنة، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، ومن بينهم عدد من كبار السن والأطفال.  
ودعت الكثير من المؤسسات والجمعيات الخيرية إلى توفير أماكن ملائمة لإيواء النازحين، فيما انتشرت كثير من عروض تسكين المتضررين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أغلبها يقع في مناطق غرب بنغازي ومناطق غربيّ البلاد، إذ تضررت المناطق الواقعة شرق بنغازي وصولاً إلى درنة بشكل كبير، وأغلب النازحين هم من هذه المناطق.
وأكد النائب العام الليبي، الصديق الصور، أن "نحو 800 مبنى في درنة تعرضت لأضرار من جراء السيول التي اجتاحت المدينة"، مؤكداً في مؤتمر صحافي، الجمعة، شروعه في التحقيقات بشأن انفجار سدي درنة، وأنها ستجري "بأقصى سرعة ممكنة، وستصدر نتائجها بعد فترة قريبة"، وأنه بدأ باستدعاء المسؤولين عن السدود في الجهات الحكومية، وأن التحقيقات "ستطاول كل من أهمل أو قصر، وستتخذ بحقهم إجراءات حازمة، وسيحالون على المحاكمة".

بلغت أعداد المشردين بسبب سيول وفيضانات ليبيا نحو 30 ألف شخص

بدوره، قال المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ الحكومي، أسامة علي، لـ"العربي الجديد"، إن "أعداد المشردين بسبب السيول بلغ نحو 30 ألف شخص، وهؤلاء لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم التي دمرها الفيضان، أو ألحق بها أضراراً بالغة".  
كانت الناجية آمال بن ناصر تسكن مع أسرتها في حيّ الساحل البعيد عن مسار السيول، إلا أن الأسرة اضطرت إلى مغادرة مدينة درنة في اليوم الثالث من الفاجعة، وهي تصف وضع المدينة بأنها "لم تعد ملائمة للعيش في الوقت الحالي، فثلثها انهار تماماً، وما بقي فيها يعاني من انعدام سبل الحياة. الدكاكين والمحالّ أقفلت، ولشراء المواد الغذائية والماء، كان يتعين على زوجي الانتقال إلى مرتوبة (35 كيلومتراً شرق درنة)، وبالطبع يجب أن يتوافر لديه المال الكافي بعد ارتفاع الأسعار. غالون الماء ذو السبع لترات كان يباع بدينار ونصف دينار، وارتفع سعره إلى خمسة دنانير".   
تتابع بن ناصر لـ"العربي الجديد": "وسط الأخبار المتوالية عن وفاة أغلب من نعرفهم، لم تتوقف الشائعات حول إمكانية فيضان البحر، أو عودة السيول، وكلها أسباب للنزوح. انتقلنا إلى مدينة إجدابيا (150 كيلومتراً غرب بنغازي) في ضيافة صديق لزوجي، في انتظار الحصول على شقة بإيجار مناسب، والتفكير في حلول لأمور أساسية مثل كيفية الوصول إلى مصارف لسحب المال، وكيف ستنظر السلطات في أوضاعنا كموظفين، فأنا معلمة، وزوجي موظف في مصلحة الموانئ".

دمرت مئات من السيارات الخاصة في درنة (حمزة الأحمر/الأناضول)
دمرت مئات من السيارات الخاصة في درنة (حمزة الأحمر/الأناضول)

ويلفت علي المجبري، وهو متطوع من مدينة إجدابيا، إلى أن "وقوع أغلب عروض تسكين النازحين في مناطق بعيدة عن المناطق المنكوبة زاد من معاناة النازحين الذين يعيشون ظروفاً مأساوية، فغالبيتهم فقدوا سياراتهم الخاصة، ولا يملكون المال للتنقل عبر سيارات الأجرة، ولهذا السبب توجه قطاع من المتطوعين إلى التخصص في نقل النازحين إلى مناطق غربي البلاد، لكن هناك صعوبات تعترض الوصول إلى متبرعين بمساكن بسبب عدم وجود تنسيق بين المتبرعين بالنقل والمتبرعين بالتسكين".  
ويؤكد المجبري لـ"العربي الجديد"، أن "عدداً كبيراً من المتضررين لا يمكنهم مغادرة مناطقهم قبل الاطمئنان على ذويهم من المفقودين، إذ يبحثون عنهم بين الجثث المنتشلة، والكثير من أهل درنة اضطروا إلى العيش في حالة نزوح داخل مدينتهم. أغلب المناطق المنكوبة ذات طبيعة جبلية، وكانت تعتمد في التنقل على الطرق المربوطة بالجسور، وأغلب الطرق والجسور انهارت، وهذا يعطل جهود الإغاثة، ويفاقم من الصعوبات. بعد النزوح، تقضي العائلات المنهكة من السفر ساعات طويلة قبل التمكن من العثور على مسكن مناسب، وبعدها ساعات أطول لترتيبه، وجلب ما لم تستطع إنقاذه أو اصطحابه معها كالملابس، إما بشرائها وإما عبر التبرعات". 
ويلفت الناشط عقيلة الأطرش، إلى أن أسباب النزوح من المدن المتضررة ستتزايد مع تفاقم الأوضاع الصحية بسبب التلوث القائم، خصوصاً في مدينة درنة، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، بقوله إن "من قابلناهم من نازحي درنة يتحدثون عن تهديد حقيقي يعيشه سكان حي الساحل الشرقي بالمدينة، فإلى جانب كل بيت مصدر مباشر للتلوث، إذ يعتمد سكان الحي على صهاريج تملأ بواسطة الآبار المنزلية في الحصول على مياه الشرب، وكلها أصبحت مياهها ملوثة، فرغم أن الحيّ لم يضربه الفيضان، لكن الأمطار الغزيرة نقلت كل ما ألقت به العاصفة إلى الصهاريج والآبار، وتلك المخلفات بدأت بالتحلل، وتحولت إلى مصدر تلوث خطير".  

يحاول كثير من الليبيين مغادرة المدن المنكوبة (حمزة الأحمر/الأناضول)
يحاول كثير من الليبيين مغادرة المدن المنكوبة (حمزة الأحمر/الأناضول)

ويرى الأطرش أن "المشكلات المتصلة باستمرار الحياة، كعدم توافر مياه الشرب، من بين الأسباب المباشرة التي دفعت الأهالي إلى النزوح. الصدمة دفعت الناس في الأيام الأولى إلى مواصلة البحث عن المفقودين، لكن بمرور الوقت تبين لهم أنه لا يمكنهم البقاء في المدينة. لقد نجوا من السيول، لكن أكثرهم يعيش في وضع يحول دون البقاء فيها، تفاقمه المضاعفات النفسية من جراء الأهوال التي عايشوها، وقد عُثِر على شاب في منطقة أم الرزم (49 كيلومتراً شرق درنة) هائم على وجهه، وتبين أنه ناجٍ من السيول، ويعاني من مضاعفات الصدمة، ومثله كثير من الأشخاص، وينبغي التوسع في التركيز على الدعم والتأهيل النفسي، وعلى برامج توعوية للأهالي، ويمكن أن يمتد ذلك إلى مناهج التعليم". 
وحذرت الشركة العامة للمياه، في بيان مساء الجمعة، المواطنين في درنة من استخدام مياه الآبار المنزلية للشرب، وكشف رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض (حكومي)، حيدر السائح، عن تسجيل 57 طفلاً يعانون أعراضاً مرضية تؤشر على شربهم مياهاً ملوثة في مدينة درنة.
في المناطق الأخرى المتضررة، مثل سوسة والمخيلي والوردية وتاكنس والبياضة، التي ما زالت المياه تغمر أجزاءً كبيرة فيها، يحاول الناجون الحصول على الإغاثة اليومية. من بين هؤلاء فتحي أبو شغيلة، وهو أحد سكان سوسة، الذي يحاول توفير احتياجات أسرته عبر السير على الأقدام برفقة العديد من جيرانه مسافات طويلة بغية الوصول إلى سيارات توفر الدعم لمدينته المنكوبة بالسيول.
ويرجع أبو شغيلة الأمر إلى صعوبة وصول السيارات إلى المناطق المغمورة بالمياه، والتي ضاعت فيها معالم الطرق، لكنه يستدرك بالقول: "في الأيام الأخيرة، بدأت قوافل الإغاثة تقترب منا، وتوفر لنا المواد الغذائية الأساسية".  

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لرتل من شاحنات الإغاثة المصرية التي كانت تحاول الوصول إلى سوسة، لكن إحداها انقلبت على الطريق، واختلطت حمولتها بالمياه، فاضطرت بقية سيارات القافلة إلى التوقف في منتصف الطريق خشية تعرضها للمصير نفسه بسبب انجراف الطرق والحفر المغمورة بالمياه.
ورغم الجهود الرسمية التي تبذلها حكومتا طرابلس وبنغازي، والمساعي الدولية للمساهمة في جهود الإنقاذ والإغاثة، تظل حملات الدعم والتطوع الشعبية هي الأبرز في توفير الاحتياجات الطبية والغذائية للمتضررين. 
وفيما تتسم تلك الجهود بالطابع الوطني، إلا أن بعض المظاهر تعرقل استمرارها، أو تطورها، إذ حذرت إدارة إنفاذ القانون بالإدارة العامة للعمليات الأمنية المواطنين من التبرع بالأموال للأشخاص المنتشرين بالشوارع. وقالت عبر صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك"، إن "بعض هؤلاء يقومون بعمليات نصب واحتيال من خلال ادعائهم دعم المتضررين، مستغلين تعاطف الأهالي في جمع الأموال ونهبها. عناصر الإدارة ضبطوا خلال تجوالهم داخل مدينة بنغازي أشخاصاً يجمعون الأموال، واتضح في أثناء التحقيق معهم أنهم لا يتبعون لأية منظمة أو حملة خيرية، وأنهم يستغلون تبرعات الأهالي لجمع الأموال لأنفسهم". 

المساهمون