آخر شريان للحياة... الوقود القليل لن ينقذ خدمات الأونروا في غزة

15 نوفمبر 2023
يعد الخبز في إحدى مدارس الأونروا في قطاع غزة (عبد رحيم خطيب/ الأناضول)
+ الخط -

في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من توقف عملياتها خلال 48 ساعة ما لم تتمكن من إعادة تزويد شاحناتها بالوقود لنقل المساعدات إلى أكثر من مليون شخص نزحوا داخل القطاع من جراء القصف الإسرائيلي المتواصل بلا هوادة. وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازارني إنه "لأمر لا يصدق أن تضطر المنظمات الإنسانية للتوسل من أجل الوقود"، مضيفاً أنه "منذ بدء الحرب، تم استخدم الوقود كسلاح في الحرب، ويجب على ذلك أن يتوقف فوراً". وكتب لازاريني الأربعاء على موقع "إكس" أن "عملياتنا على وشك الانهيار. توفير الوقود للشاحنات لن يُنقذ الأرواح بعد الآن"، مشيراً إلى أن "الانتظار لفترة أطول سيكلف مزيدًا من الأرواح"، وأنه "بحلول نهاية اليوم، لن يتمكن نحو 70 في المائة من سكان غزة من الحصول على المياه النظيفة".
ودخلت شاحنة وقود من مصر إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي، هي الأولى منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل أكثر من شهر. وأكد مصدر مصري أن الشحنة "مخصصة للأمم المتحدة لتسهيل دخول المساعدات بعد توقف شاحناتها في الجانب الفلسطيني لنفاد الوقود". إلا أن الأونروا أعلنت أن الوقود الذي دخل قطاع غزة "ليس كافياً على الإطلاق". وقالت عبر حسابها على موقع "إكس": "هذا يعادل نصف شاحنة، لا تكفي على الإطلاق، هناك حاجة إلى المزيد، يجري استخدام الوقود كسلاح حرب وهذا يجب أن يتوقف". 
وكانت الأونروا قد أعلنت أن الاحتلال الإسرائيلي وافق على إدخال 24 ألف لتر من الوقود، لكن الكمية المسموح بها لا تكفي الوكالة إلا 48 ساعة فقط. وذكر مصدر من الأونروا طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال ينوي إدخال نفس الكمية كل يومين، واصفاً الأمر بأنه "أسلوب يهدف إلى تكريس التقييد على عمل الأونروا لتبقى ورقة ضغط سياسية".
وتعمل الأونروا على تقديم الخدمات الإغاثية للغزيين في مراكز الإيواء، وقد وصفت في بياناتها الحرب بأنها الأقصى التي واجهتها منذ سنوات، لافتة إلى أنها تعيق عملها في جميع المناطق.  

خمسة برامج خلال العدوان

تعمل الأونروا في قطاع غزة ضمن خطة طوارئ تشمل خمسة برامج أساسية. الأول هو ملاجئ الأونروا في المناطق الوسطى والجنوبية التي أصبحت مكتظة للغاية وغير قادرة على استيعاب الوافدين الجدد. وتشير البيانات إلى أن الملاجئ ليست مصممة لاستيعاب هذا العدد الكبير من الناس، كما تم استغلال جميع مساحات الملاجئ لإقامة خيام فيها، وسط معاناة كبيرة في ظل نقص الغذاء ومستلزمات البقاء الأساسية والنظافة. ويستمر البرنامج الصحي في العمل في تسعة مراكز صحية تابعة للأونروا من أصل 22، في وقت يصعب تحديث أرقام عدد المرضى في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت. وتقدم هذه المراكز الخدمات الطبية وتزود المرضى بالأدوية.

وتعاني هذه المراكز بشدة في ظل نقص الأدوية وعدم فتح المعابر ونقص الوقود لضمان تشغيلها، وهي غير قادرة على استخدام أنظمة التسجيل عبر الإنترنت للمرضى. وزاد الضغط على المراكز الصحية بعدما أصبحت تستقبل حالات الولادة، وتسجل أكثر من 180 حالة ولادة كل يوم. ويبرز برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية والدعم النفسي الاجتماعي من خلال فريق يشمل مرشدين وعاملين اجتماعيين في مراكز الإيواء، يتولى تقديم الإسعافات الأولية النفسية وغيرها من خدمات الدعم بالإضافة إلى الأنشطة الترفيهية.
وتشير إدارة الأونروا إلى أنها تتخوف على برنامج المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية، على الرغم من مواصلة عملها في مدينة خانيونس ورفح من أجل توفير إمدادات المياه الصالحة للشرب والاستخدامات المنزلية ونقل مياه الشرب بالشاحنات إلى مراكز الإيواء، إلا أن الكميات قليلة. ولا تكفي المياه لتلبية الاحتياجات الشخصية. 
أما البرنامج الخامس، فيعمل على تزويد مراكز النزوح وبعض المخابز المحلية بالدقيق، لإعداد الخبز للغزيين. كما تزود النازحين داخلياً بالدقيق لإعداد الخبز في المدارس. وفي الوقت الحالي، ترتدي طواقم إدارة الأونروا سترات عليها علم الأمم المتحدة، كما تضعه على المباني والمراكز التي تعمل فيها، علماً أن القصف شمل مدارسها. وفي تصريحات سابقة، قال مدير الأونروا في قطاع غزة توم وايت: "في غزة، علينا أن نبقي علم الأمم المتحدة يرفرف عالياً كعلامة على أننا ما زلنا نقف ونخدم سكان غزة".
ويقول المصدر من داخل الأونروا الذي تحدثت "العربي الجديد" معه إنه "في حال توقف الأونروا عن العمل، سيفقد قطاع غزة آخر شريان للحياة، في ظل تعطل معظم المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية وغيرها من القطاعات في مختلف مناطق قطاع غزة، وخصوصاً مدينة غزة وشمال القطاع وعدد من مناطق وسط وجنوب قطاع غزة، في وقت تعمل الأونروا في مدينة غزة والشمال في نطاق محدود جداً في عدد من مراكز النزوح القليلة المتبقية". 

أونروا (سعيد خطيب/ فرانس برس)
نازحون في إحدى مدارس الأونروا (سعيد خطيب/ فرانس برس)

ويضيف: "المشكلة الأساسية لدى الأونروا هي نفاد الوقود الذي يشغل عدداً من مراكز عملها وخصوصاً في جنوب ووسط قطاع غزة، لتقديم الخدمات الإغاثية لجميع النازحين في مراكز الإيواء. وإذا لم يتوفر الوقود بشكل مستمر، سنفقد التواصل وقواعد البيانات الداخلية التي تسهل عملنا تحديد الاحتياجات الأساسية وضمان سيرها في نطاق المساعدات التي تدخل والإمكانات المتاحة".
ويتابع: "المشكلة الأساسية منذ السابع من أكتوبر هي أنه لم يدخل قطاع غزة شيء. أعددنا خطة في حال فقدان الوقود، وستعتمد عمليات الأونروا كلياً على الطاقة الشمسية المصممة فقط لتلبية الحد الأدنى من العمليات، ولا نضمن استمرارية عمل الطاقة الشمسية في حال حدوث أي عطل". ويشير إلى أن الغزيين سيخسرون خدمات أساسية تلبي حاجة قرابة 800 ألف نازح داخل مراكز الإيواء في جميع أنحاء قطاع غزة، بحسب آخر تحديث لأرقام النازحين الصادر في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. وينسحب الأمر على المراكز الصحية التي لا تزال تعمل ضمن الطوارئ في الوقت الحالي، فيما تأثر القطاع الإغاثي الغذائي بعدما زودت عدداً من المخابز القليلة العاملة بالدقيق لتلبية احتياجات المواطنين جميعاً.

غزة (أحمد زقوت/ Getty)
مساعدات قليلة إلى النازحين (أحمد زقوت/ Getty)

وتعرض 12 مخبزا للقصف والتدمير، ولا يستطيع سوى مخبز واحد من التي تعاقد معها برنامج الأغذية العالمي العمل اعتماداً على الدقيق المقدم من الأونروا، بالإضافة إلى ثمانية مخابز أخرى في المناطق الجنوبية والوسطى توفر الخبز للملاجئ، إلا أنها تعمل بشكل متقطع.
وتقوم الأونروا بتلبية احتياجات أكثر من مليون و200 ألف غزي مسجلين في قواعد بياناتها الأساسية للخدمات الإغاثية والصحية والتعليمية في قطاع غزة، إذ إن نسبة اللاجئين في قطاع غزة هي قرابة 60 في المائة هي من سكان قطاع غزة بالكامل. لكن في الوقت الحالي، فإن خدماتها محدودة جداً، وفقدت القدرة على تسجيل البيانات في شمال القطاع ومدينة غزة مع التوغل الإسرائيلي وتوقف عدد من مراكزها عن العمل.
وتقدّر وكالة الأونروا أنها تحتاج إلى 160 ألف لتر من الوقود تقريباً، بشكل يومي، مع المؤسسات الشريكة والمستشفيات لتسيير عملها بالكامل في قطاع غزة. وأعلنت عن توقف جميع آبار المياه عن الضخ بمدينة رفح وخدمات مستشفى الأمل باستثناء الطوارئ.

تمويل شحيح  

منذ عام 2017، تواجه وكالة الأونروا أزمات مالية متتالية، وخصوصاً بعد فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالرئاسة وتوقف الولايات المتحدة الأميركية عن دعم المنظمة، ثم عودتها بشكل محدود قبل عامين بعد فوز جو بايدن بالرئاسة. لكن العجز المالي مستمر. ورغم أنها جمعت 108 ملايين دولار خلال مؤتمر المانحين في يونيو/ حزيران الماضي، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال إذ إن المبلغ غير كاف لمواصلة المهام، ما يهدد مصير الخدمات التي تقدمها إلى نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها، في وقت زاد العدوان الإسرائيلي على غزة من أزماتها بشكلٍ كبير.
وتضررت ما لا يقل عن 63 منشأة تابعة للأونروا منذ بداية العدوان على غزة، وتقع معظم هذه المنشآت في مناطق جنوب وادي غزة في المناطق الوسطى والجنوبية، بينما وصل عدد شهداء طواقم الأونروا في القطاع إلى 102، فيما أصيب ما لا يقل عن 30 آخرين بجروح مختلفة بحسب البيانات، مشيرة إلى أنه أكبر عدد لموظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة الذين يقتلون في صراع في تاريخ الأمم المتحدة.

المساهمون