استمع إلى الملخص
- يعبر بعض الرجال عن استعدادهم لتولي مهام الرعاية المنزلية للحفاظ على تماسك الأسرة، استجابة لضغوط الحياة الاجتماعية والاقتصادية، مما يعزز تقاسم المسؤوليات بشكل متساوٍ.
- تشير الباحثة لورا شانغ إلى أن الاستقلال المادي للمرأة أدى إلى تغييرات اجتماعية، منها عزوف النساء عن الزواج والإنجاب، وزيادة استعداد الأزواج لتقبل أدوار الرعاية المنزلية.
أظهر مسح حديث أجراه المركز الصيني للصحة النفسية في العاصمة بكين أن 50 % من الرجال الصينيين الذين استُطلعت آراؤهم يفكرون في أن يصبحوا آباءً متفرغين لرعاية أطفالهم في المنزل في تحدّ واضح للأعراف التقليدية في المجتمع. كما كشف أن 38 % منهم لا مانع لديهم في استبدال أدوارهم مع زوجاتهم، بمعنى الحلول بدلاً منهن في المطبخ، وتولي الزوجة مسؤولية المنزل المادية من خلال الانصراف إلى العمل بدوام رسمي.
وأظهر المسح جدالاً واسعاً في شأن ميل هذه الفئة من الرجال إلى تنفيذ مهمات الطبخ والتنظيف ورعاية الأطفال المخصصة للزوجات في المنزل في الوضع الطبيعي.
ولم يقتصر هذا التوجه على مقاومة شبان التقاليد الأبوية المتجذرة، بل ألهم بعض من لم يتزوجوا بعد تفضيل هذا الخيار باعتباره تحرراً من ضغوط بيئة العمل ومسؤوليات الزوج تجاه أسرته.
وقد انقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الصين حول هذا الأمر، ورأى البعض أن الظاهرة استجابة طبيعية لضغوط الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وآخرون أنها تشير إلى شرخ كبير في القيم والمثل التي ميزت المجتمع الصيني طوال القرون الماضية.
انصهار الفوارق
يقول دا وي، وهو متزوج ولديه طفلة في الـ 12 من العمر، ويعمل في مصنع ملابس بمدينة شنغهاي، لـ"العربي الجديد": "لا أمانع البقاء في المنزل لرعاية ابنتي الوحيدة مقابل عمل زوجتي وتحملها مسؤولية مصروف البيت. زوجتي تعمل منذ سنوات رغم إلحاحي الشديد عليها بأن تترك العمل لتدير شؤون المنزل، وتتابع ابنتنا التي تحتاج في هذه المرحلة العمرية إلى رعاية أسرية كثيفة، وما دمت لم أنجح في ذلك، لا مانع لدي من أن أقدم على هذه الخطوة إذا كان الثمن هو الحفاظ على ابنتي وتوفير رعاية خاصة لها بدلاً من بقائها مع جدها المسن الذي يدبر أمره بصعوبة.
من جهته، قال لي تشاو، وهو طالب في جامعة صن يات سن، لـ"العربي الجديد": "في الوقت الحالي لا فارق بين الرجل والمرأة، كلاهما يعمل، ولديهما القدرة على تحمل المسؤولية داخل المنزل أو خارجه. إلى ذلك جعل انصهار الفوارق في المجتمع الصيني بين الذكر والأنثى تبادل الأدوار ممكناً، وعلى سبيل المثال نجد فتيات يتشبهن برجال على صعيد المظهر الخارجي أو العكس، فلماذا يجب أن نتوقف عند تبادل الأدوار في مسألة الرعاية إذا توافق الزوجان على ذلك، وإذا كانت الغاية تقاسم المسؤوليات على قدم المساواة بما يحفظ الأجواء الأسرية والتواصل الاجتماعي بين الآباء والأبناء.
دوافع مشروعة
وتعلّق الباحثة في مركز دونغوان للإرشاد والتأهيل النفسي، لورا شانغ، على الظاهرة بالقول لـ"العربي الجديد": "الاستقلال المادي للمرأة أفسح في المجال أمام العديد من الظواهر السلبية في المجتمع الصيني، أبرزها عزوف النساء عن الزواج والإنجاب، ووضعهن شروطاً صعبة أمام الأزواج في مسألة العصمة والملكية ورعاية الأبناء. والدوافع التي تقف وراء إبداء بعض الأزواج استعدادهم لشغل مقاعد الأمومة لا علاقة لها بالرغبة في الاسترخاء وتجنّب المسؤولية لأن المهمات المنزلية أيضاً مجهدة بدنياً وذهنياً، لكن السبب يرتبط برغبتهم في الحفاظ على تماسك الأسرة ومتابعة شؤون الأبناء بدلاً من إلقاء هذه المهمات على عاتق الأجداد أو مدبرات المنزل".
وترد لورا على سؤال عن عدم رغبة زوجات عاملات في ترك العمل للتفرغ لرعاية الأبناء بالقول إن "نسبة كبيرة من الزوجات العاملات يخشين ترك الوظيفة كي لا يتحكم فيهن الرجل، ويعتبرن العمل وجني الأموال حصانة ضد تقلبات الزوج المزاجية، لأنه في مجتمع ذكوري لا تُحترم المرأة إلا إذا كانت عاملة ومنتجة. عدا ذلك تتعرض للعنف الأسري والتهديد بالطلاق وسوء المعاملة من الزوج أو من أفراد أسرته".
تضيف: "الأزواج أكثر استعداداً لتقبل هذا الدور لأن نسبة النساء العاملات كبيرة جداً مقارنة بحقب زمنية سابقة كان يُنظر فيها إلى المرأة أنها مجرد كائن يعمل لإرضاء الزوج وتحقيق رغباته، وأنه لا مكان لها خارج المنزل أو المطبخ، بينما تتمتع المرأة اليوم بحقوق أوسع وتتولى مناصب إدارية عالية، وتزاحم الرجل في معترك الحياة وكل ميادين العمل".
يشار إلى أن معدل مشاركة النساء في القوى العاملة في الصين يعد من بين الأعلى في العالم. وأفاد تقرير أصدره عام 2023 المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو منظمة دولية غير ربحية مستقلة مقرها سويسرا، وصل معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة في الصين إلى 63 %، وهو أعلى بكثير من المتوسط الدولي البالغ 47 %، ما يجعلها من بين الأفضل بين الاقتصادات الكبرى في العالم.