"أصيبت والدتي بكوفيد-19، فأدخلناها إلى المستشفى لتلقي العلاج. لكنّنا تبلغنا بعد أيام أنّها أصيبت بمرض الفطر الأسود". يضيف الشاب الإيراني آرمين الذي التقته "العربي الجديد" أمام صيدلية "13 آبان" في شارع كريم خان زند وسط العاصمة طهران، أنّ "العائلة فوجئت بالخبر وقلقت جداً على والدتي، إذ باتت تواجه مرضَين شديدَين بجسمها النحيف". ويتابع آرمين أنّ "معاناتنا لم تتوقّف عند هذا الحد، بل زادت عندما أعلمنا المستشفى أنّ والدتي في حاجة ماسة إلى دواء أمفوتيريسين-بي لعلاج الفطر الأسود، غير أنّ ثمّة نقصاً حاداً فيه بمستشفيات إيران كما بالسوق". ويؤكد آرمين أنّه "كما ترونني، أنا الآن أبحث عن هذا الدواء منذ الصباح وقد قصدت صيدليات أخرى، لكنّه غير متوفّر"، لافتاً إلى أنّه سوف يلجأ إلى السوق السوداء علّه يجده. لكنّه لا يخفي أنّ "ثمة مخاوف تراودني في ظل كلام عن دواء مزوّر في البلاد، وأنا لست طبيباً ولا صيدلانياً لأتمكّن من التمييز ما بين الأصلي والمزوّر".
وقد علمت "العربي الجديد" أنّ أسعار عشر جرعات من هذا الدواء في السوق السوداء تتراوح ما بين 30 مليوناً و40 مليون تومان، أي ما قد يصل إلى ألف دولار أميركي. وهذا الدواء مستورد من الخارج، لذا يرتفع سعره بحسب ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق. ويُذكر أنّ المدير العام للأدوية في منظمة الغذاء والدواء الإيرانية حيدر محمدي كان قد أعلن قبل أكثر من شهر عن نفاد "أمفوتريسين-بي"، قبل أن تعلن المنظمة لاحقاً أنّها استوردت كميات منه. لكنّ رصد "العربي الجديد" يشير إلى أنّ المتوفّر ما زال قليلاً، وهو الأمر الذي يثير قلق الإيرانيين.
وقد حذّرت منظمة الدواء والغذاء الإيرانية في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي من شراء "الأدوية المزوّرة لعلاج الفطر الأسود"، لافتة إلى أنّ "انتهازيين عمدوا في خلال الأسابيع الأخيرة إلى بيع مثل هذه الأدوية لقاء مبالغ تفوق 10 أضعاف أو 20 ضعفاً أسعارها الحقيقية، في ظل نقص مؤقت لهذه الأدوية".
والفطر الأسود هو نوع من الفطريات، ينتج عن العفن الموجود في البيئات الرطبة من قبيل التربة أو المواد العضوية المتحللة أو السماد، وبإمكانه مهاجمة الجهاز التنفسي. ولا يُعَد هذا المرض معدياً، فلا ينتقل من شخص إلى آخر، علماً أنّ الفطريات التي تتسبّب به ليست من نوع واحد. وهذه الفطريات، بحسب خبراء في مجال الصحة، ليست ضارة لمعظم الناس، إنّما هي قادرة على التسبّب في التهابات خطيرة لأولئك الذين يعانون ضعفاً في جهاز المناعة، بحسب ما يفيد المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي).
وكان الفطر الأسود قد انتشر في إيران على نطاق محدود في ذروة تفشي الموجة الوبائية الخامسة من فيروس كورونا الجديد في البلاد، قبل نحو شهرَين. لكنّ وزارة الصحة في البلاد لم تعلن بعد حصيلة المصابين بهذا المرض، في حين كشفت السلطات المحلية في المحافظات الإيرانية تسجيل إصابات به في بعضها مثل مازندران وخراسان الرضوية وكرمان وكردستان وطهران ولرستان.
وفي تصريح أخير له، أعلن رئيس لجنة مكافحة كورونا في العاصمة الإيرانية علي رضا زالي، عن عشرات من المصابين بالفطر الأسود في مستشفيات طهران، مشيراً إلى عدم تسجيل أيّ حالة جديدة في الأيام الأخيرة. وقد أوضح أنّه مع تراجع وتيرة الموجة الخامسة من الوباء انخفضت الإصابة بالفطر الأسود كذلك.
يقول الطبيب الإيراني محمد براري لـ"العربي الجديد" إنّ "المرضى الذين يعانون من ضعف في المناعة، خصوصاً المصابين بداء السكري والذين يخضعون لعلاج كيميائي أو أولئك الذين زُرعت أعضاء لهم، هم الأكثر عرضة إلى الفطر الأسود، وذلك بسبب الأدوية التي يتلقّونها في علاجاتهم المختلفة، إذ من شأنها إضعاف مناعتهم". يضيف براري الذي يعالج مصابين بكوفيد-19 في مستشفيات مدينة سنندج مركز محافظة كردستان غربي إيران، أنّ "الفطر الأسود يصيب بعض مرضى كورونا لضعف مناعتهم على خلفية الأدوية العلاجية التي يتلقّونها"، لافتاً إلى أنّ "السبب الرئيسي في إصابتهم بالمرض هو أدوية الكورتیكوستيروديات التي تُعَدّ حيوية للمصابين (بحالات حادة من كوفيد-19) ولا يمكن التخلّي عنه". يُذكر أنّ الفطر الأسود لا يصيب جميع المرضى الذين يخضعون إلى مثل هذا العلاجات.
ويلفت براري إلى أنّ "أمفوتريسين-بي هو الدواء الأساسي المستخدم في علاج المصابين بالفطر الأسود، وسعره غال وارتفع أكثر مع الزيادة المسجّلة في الإصابات". وإذ يقول إنّ هذا الدواء متوفّر في المركز حيث يعالج، يلفت إلى أنّ "ثمّة نقصاً بكل تأكيد في البلاد". ويشرح براري أنّ "الفطر الأسود يصيب الأنف والجيوب الأنفية أكثر من بقية الأعضاء، لكنّه في حال أصاب الدماغ والرئتَين فيمكن أن يؤدّي إلى تلف الأنسجة ويتسبّب في موت المريض"، مؤكداً أن "لا علاقة مباشرة ما بين فيروس كورونا الجديد والفطر الأسود الذي يظهر لدى بعض المصابين بكوفيد-19 نتيجة الأدوية التي يتناولونها".
في سياق متصل، يتحدّث الصيدلاني الإيراني لقمان ستودة لـ"العربي الجديد" عن "نقص حاد نسبياً" في أدوية الفطر الأسود، قائلاًَ إنّها "غير متوفّرة في الصيدليات العامة وإنّما توزّعها منظمة الدواء والغذاء فقط على مستشفيات وصيدليات محددة، لكنّ ثمّة نقصاً في هذه المراكز كذلك". وإذ يلفت ستودة إلى أنّ صيدليته من الصيدليات المنتقاة لتوزيع بعض أصناف الأدوية الخاصة التي لا توزَّع في عموم الصيدليات الإيرانية، يؤكّد أنّه لم يتلقَّ أدوية الفطر الأسود، "وهي لا تتوفّر إلا في صيدليات معدودة". ويحذّر ستودة من أنّ "انعدام الأدوية الخاصة بالفطر الأسود يهدّد حياة المصابين به، وثمّة يُصار فيها إلى استئصال العين التي يصيبها هذا المرض".