"فداء" تونس... جدال حول مرسوم خاص بشهداء وجرحى الثورة

15 ابريل 2022
"عائلات الثورة" في تحرّك احتجاجي سابق (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

في 20 مايو/ أيار المقبل، حُدّد موعد العملية الجراحية الخاصة بجريح الثورة التونسية علاء القيزاني، الذي يرى أنّ صدور المرسوم عدد 20 لسنة 2022 والذي يشمل الإحاطة بالجرحى وعائلات الشهداء "من شأنه أن يسهّل علاجه بعد سنوات من المعاناة وغياب الاهتمام بملفنا". ويقول القيزاني لـ"العربي الجديد" إنّه "بعد 11 عاماً من الانتظار والاحتجاجات والاعتصامات صدر المرسوم الذي طالما انتظرناه"، شارحاً أنّه "بعد الإضراب عن الطعام الذي خضته ورفاقي الجرحى استجاب رئيس الجمهورية (قيس سعيّد) لمطالبنا". يضيف القيزاني أنّ السنوات الماضية لم تكن سهلة، "فقد تعبنا وصبرنا كثيراً وعانينا من البطالة. وأنا شخصياً لا أعمل في ظلّ نقص في الرعاية والعلاج، علماً أنّه من بين أبسط حقوقنا الحقّ في العلاج وفي التغطية الاجتماعية وحفظ كرامتنا".
وبينما يعبّر القيزاني وجرحى آخرون عن سعادة إزاء صدور المرسوم الجديد، فإنّ للأمر صدى مختلفاً بين آخرين. ويقوم جدال بين عائلات شهداء الثورة وجرحاها إزاء المرسوم الذي نصّ على إنشاء مؤسسة "فداء" للإحاطة بتلك العائلات، علماً أنّها انتظرت مثل هذا المرسوم لمدّة 11عاماً.
ففي الوقت الذي وصف فيه كثيرون هذه الخطوة بالمهمّة وبأنّه من شأنها أن تعزّز حقوقهم (للجرحى وعائلات الشهداء) وتضمن العيش الكريم وكذلك العلاج لمن يحتاجه، فإنّ آخرين وصفوا هذه الخطوة بأنّها منقوصة، خصوصاً أنّ المرسوم شمل في جزء كبير منه ضحايا الاعتداءات الإرهابية من العسكريين والأمنيين فيما ورد الحديث عن شهداء وجرحى الثورة في آخر المرسوم. وقد عُدّ الأمر كأنّه عملية إلحاق طاولت الجرحى وعائلات الشهداء، وقيل إنّه كان في الإمكان العمل أفضل على هذا الملف، علماً أنّ لكلّ ملف طبيعته.
من جهته، يقول جريح الثورة خالد بن نجمة لـ"العربي الجديد" إنّ "صدور المرسوم خطوة مهمة لجرحى الثورة وعائلات الشهداء، ونحن كلنا أمل بأن ترى مؤسسة فداء النور"، مضيفاً: "فنحن قدّمنا الكثير للثورة، ولا بدّ من ضمان حقوقنا في العلاج والصحة والعيش الكريم". ويتابع أنّه "بحسب ما بلغنا، سوف تتضمّن المؤسسة في هيكليتها عدداً من الجرحى لأنّهم أدرى بملفّهم، وهم الذين سوف يشرفون على تحقيق المطالب ويعملون على تحليل الصعوبات".
لكنّ ثمّة رأياً مخالفاً يعبّر عنه مسلم قصد الله، وهو كذلك من جرحى الثورة. بالنسبة إليه، فإنّ "صدور المرسوم مهم، خصوصاً أنّ الجرحى ضحّوا كثيراً وهم يستحقّون تحقيق جزء من مطالبهم في العلاج والنقل"، شارحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة من يعاني ومن يتألم لأنّ الرصاص ما زال في جسده ولأنّ جروحه لم تطب بعد، لكنّه غير سعيد بالمرسوم لأنّه يرى أنّ الأهمّ من ذلك هو تحقيق العدالة ومحاسبة من أجرم في حقّ الشهداء وتسبّب في إصابات الجرحى". ويشدّد على "ضرورة أن تُطبَّق العدالة ويُحاسَب الجلادون. فمن المؤلم رؤية هؤلاء (يكملون حياتهم) وكأنّ شيئاً لم يحدث"، مضيفاً أنّه "من الضروري المحاسبة وردّ الاعتبار والاعتذار. بالتالي فإنّ صدور المرسوم خطوة لا بدّ من أن تتبعها خطوات أخرى، بالإضافة إلى وجوب عدم حجبها المحاسبة".

خطوة غير مدروسة
في هذا الإطار، يقول رئيس جمعية "لن ننساكم" علي المكي، وهو شقيق الشهيد عبد القادر المكي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إنشاء مؤسسة تُعنى بالجرحى وبعائلات الشهداء مطلب ننادي به منذ عام 2012، وقد تقدّمنا بطلب رسمي أمام المجلس التأسيسي (النواب)، وبالتالي فإنّ مطالبنا قديمة، لأنّ الملف كان مشتّتاً بين وزارات وهيئات عدّة في غياب هيكل واحد يشرف على هذا الموضوع ويتابع المشكلات التي تعترض عائلات شهداء وجرحى الثورة، بالتالي كان من الضروري إنشاء مؤسسة تُعنى بها".
ويلفت المكي إلى أنّه "عند الاطلاع على المرسوم الصادر واسم المؤسسة فداء، فمن الواضح جداً أنّه موجّه إلى ضحايا العمليات الإرهابية من عسكريين وأمنيين، أي أنّه لفائدة القوات المسلحة، وقد أُلحق أصحاب الحقّ من شهداء الثورة وجرحاها في آخر المرسوم"، موضحاً أنّه "بعد 11 عاماً من الثورة، كان من الأفضل أن يخصّ رئيس الجمهورية ضحايا العمليات الإرهابية من القوات المسلحة بمرسوم خاص ومؤسسة تهتم بهم لأنّ الملفات شائكة ومتعدّدة وتتطلب عناية خاصة ولكلّ منها طبيعتها، هذا لو تحدّثنا من الناحية الشكلية. أمّا لجهة المضمون، فإنّ المرسوم تضمّن 39 فصلاً، ومعظمها مخصصة لضحايا العمليات الإرهابية من عسكريين وأمنيين. وقد ورد في الباب الرابع والأخير ذكر أوّلي الحق من شهداء الثورة وجرحاها، كأنّما هؤلاء أُلحقوا بهذا المرسوم وبهذه المؤسسة".

عائلات شهداء وجرحى الثورة في تونس 2 (ياسين القايدي/ الأناضول)
ورد الحديث عن شهداء وجرحى الثورة في آخر المرسوم (ياسين القايدي/ الأناضول) ​

يضيف المكي أنّ "رئيس الجمهورية كان في تواصل مستمرّ مع عائلات شهداء وجرحى الثورة، كأنّه أراد ترضيتهم بمرسوم. لكنّه كان من الأفضل جعل هذا المرسوم خاصاً بضحايا الاعتداءات الإرهابية وترك ملف شهداء وجرحى الثورة من ضمن مرسوم آخر لأنّه من غير الممكن الجمع بين الملفَّين".
ويشرح المكي أنّه "عند الاطّلاع على الفصول الواردة في المرسوم، فقد تمّ التطرّق إلى منح جراية (راتب) شهرية لجرحى الثورة تُقسّم على ثلاثة أقسام؛ الأوّل يشمل الأجر الأدنى المضمون نحو 365 ديناراً تونسياً (نحو 122 دولاراً أميركياً) ويعني الجرحى مع نسبة سقوط (ضرر) بدني ما بين ستة و25 في المائة. أمّا الثاني فيعني من لديهم سقوط بدني ما بين 25 و50 في المائة ويتضاعف الأجر الأدنى مرّتَين، فيما الثالث يشمل من تتعدّى نسبة السقوط البدني لديهم 50 في المائة وتتضاعف بالتالي الجراية الشهرية الدنيا ثلاث مرّات". ويؤكد المكي أنّ ذلك "سوف يظلّ شكلياً ومجرّد حبر على ورق، إذ إنّه وبحسب ما ورد في الفصول 37 و38 و39، فإنّ كلّ من يتعاطى نشاطاً مهنياً لقاء مقابل مالي لا يستفيد من الجراية"، مبيّناً أنّ "نسبة كبيرة من الجرحى سبق انتدابها في الوظيفة العمومية، فأنجز بعض من هؤلاء مشاريع خاصة بهم في حين لم تتوفّر شروط العمل لدى آخرين منهم فتخلّوا عن انتدابهم لفائدة ذويهم. وبالتالي فإنّ من أشرف على هذا المرسوم يدرك جيداً أنّه لن يستفيد من الجراية سوى أشخاص قليلين وسوف تكون شكلية".
ويلفت المكي إلى أنّ "خطوة إنشاء مؤسسة فداء لم تكن مدروسة، لذا أتى ملف شهداء وجرحى الثورة كملفّ ثانٍ في المؤسسة، لذا كان من الأجدر الأخذ برأي منظمات وجمعيات معنية تعمل على هذا الملف". ويتساءل: "ألهذه الدرجة لا تعي الدولة أهمية وقيمة ملف شهداء وجرحى الثورة، فتدمجهم ضمن ملفّ آخر في كل حقبة سياسية؟".

عائلات شهداء وجرحى الثورة في تونس 3 (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)
مطالبة برد الاعتبار لأمهات الشهداء (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)

لا للمزايدة السياسية
في سياق متصل، ترى رئيسة منظمة "أوفياء لعائلات الشهداء ومصابي الثورة" لمياء الفرحاني، وهي شقيقة الشهيد أنيس الفرحاني، أنّ "رفض منظمتنا لهذا المرسوم مبدئي، كذلك هو رفض كلّ من يساندنا من العائلات والجرحى". وتشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "ما حصل بعد 25 يوليو/ تموز 2021 انقلاب بالنسبة إلينا وليس مجرّد تصحيح مسار. وبالتالي فإنّ كلّ ما يصدر من قرارات ومراسيم هو غير مقبول. فالثورة لم تكرّس حكم الفرد بل قامت على التنوّع والاختلاف، كما أنّ حذف تاريخ 14 يناير/ كانون الثاني 2011 كتاريخ للثورة من قبل رئيس الجمهورية أمر مرفوض، لأنّ هذا التاريخ هو رمز الثورة وهو تاريخ هروب (الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين) بن علي ويعني الكثير للعائلات". وتؤكد الفرحاني من جهتها أنّ "المرسوم واضح كما هو. فهو مخصّص لضحايا المؤسسة الأمنية والعسكرية، وكلمة فداء (اسم المؤسسة) تُستخدم للدلالة الأمنية والعسكرية"، مشيرة إلى أنّ "المآخذ هي شكلية وجوهرية على حدّ سواء".
تضيف الفرحاني أنّ "هذا المرسوم لا يعني شيئاً لنا، ولن يقدّم أيّ جديد للعائلات والجرحى، خصوصاً بعد إرفاق الحديث عن جراية شهرية بالفصلَين 37 و39، الأمر الذي يلغي الامتيازات السابقة". وتتابع: "نحن نطالب بردّ الاعتبار لأمّهات الشهداء وذويهم وتكريمهم بعد سنوات من المعاناة والألم، وهي حركة رمزية لن تكلّف الدولة الكثير. كذلك نطالب بحفظ الذاكرة من خلال حفظ تواريخ الثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 و14 يناير/ كانون الثاني 2011"، مشدّدة على "وجوب عدم المزايدة بهذا الملف لتسجيل نقاط سياسية".

تجدر الإشارة إلى أنّ المرسوم نصّ في باب الأحكام العامة على أنّ "شهداء الثورة وجرحاها، الأشخاص الواردة أسماؤهم في القائمة المنشورة بالرائد الرسمي عدد 26 الصادر في 19 مارس/ آذار 2021، وكلّ من اكتسب تلك الصفة طبق القانون من الأشخاص الذين استشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني في الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى 28 يناير 2011". ونصّ كذلك على "بعث مؤسسة فداء، وهي مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية وتخضع لإشراف رئاسة الجمهورية ويكون مقرّها تونس العاصمة، وتهتمّ إلى جانب الإحاطة بضحايا الاعتداءات الإرهابية من الأمنيين والعسكريين بأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاهم وتدعمهم وترعاهم في المجالات كافة، خصوصاً منها الصحية والمادية والاجتماعية والتعليمية".

المساهمون