مع تزايد المخاوف الناتجة من استمرار تراجع عدد سكان روسيا، في ضوء الفجوة بين عدد الوفيات والمواليد الجدد، ترتفع بين الحين والآخر الأصوات المطالبة بفرض "ضريبة عدم الانجاب"، وسط تشكيك الخبراء في فاعلية مثل هذا الإجراء لتحسين الوضع الديموغرافي في البلاد. وجاءت آخر دعوة من هذا القبيل على خلفية اقتراح "اتّحاد الأمهات" في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بفرض "ضريبة عدم الإنجاب" بقيمة رمزية بحدود 500 روبل (نحو 7 دولارات) شهرياً للرجال والنساء في عمر الإنجاب، في حال عزوفهم عن الإنجاب، مع إعفاء من لا يتسنى لهم ذلك لأسباب طبية من الضريبة. رغم ذلك، لم تلقَ المبادرة تأييداً من سلطات البلاد. وأكدت وزارة المالية الروسية أن مسألة فرض "ضريبة عدم الإنجاب" في روسيا غير مطروحة للنقاش، كذلك لم تحظَ بدعم البرلمان الروسي. ويقول النائب الأول لرئيسة لجنة السياسات الاجتماعية في مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، فاليري ريازانسكي، لصحيفة "إر بي كا": "أعتقد أن هذه المبادرة غير قابلة للحياة، لأنها تتعارض مع أسس الدستور. هذه حرية اختيار للإنسان. وإذا كان الشخص غير قادر على الإنجاب لأسباب صحية، فهل عليه جمع شهادات طبية لتقديمها إلى هيئة الضرائب؟ هذه مبادرة سخيفة لن تنال الدعم على الأرجح".
في هذا الإطار، يقول مدير معهد الديموغرافيا التابع للمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أناتولي فيشنيفسكي، إن فرض "ضريبة عدم الإنجاب" يتعارض مع مبادئ العدالة والأخلاقيات، لافتاً إلى أن التجربة السوفييتية لتطبيق مثل هذه الضريبة هدفت إلى تأمين أموال للدولة في أثناء الحرب العالمية الثانية، لا تحفيز الإنجاب. ويقول فيشنيفسكي لـ "العربي الجديد": "تُفرض ضريبة على الدخل أو الأملاك، لا على غياب شيء، وخصوصاً أن الناس غير ملزمين بالإنجاب. من هنا، يتعارض فرض ضريبة عدم الإنجاب مع مبادئ العدالة". ويقلل من مساهمة فرض الضريبة في زيادة معدلات الإنجاب وإيرادات الدولة، قائلاً: "تعدد الأبناء في العائلة لا علاقة له بالظروف الاقتصادية. المبلغ الذي يمكن تحصيله بفضل هذه الضريبة لا يعادل نصف الراتب في كل الأحوال".
وفي ما يتعلّق بالإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحفيز العائلات على الإنجاب، يقول: "تبلغ ضريبة الدخل في روسيا 13 في المائة، ويمكن تخفيفها لدى العائلات التي لديها ثلاثة أطفال فأكثر، أو زيادة الإعفاءات الضريبية. أما على صعيد القوانين، فيجب خلق البنية التحتية اللازمة لدعم العائلات التي لديها أكثر من طفل وزيادة دعمها مادياً". ويخلص إلى أن حل المشكلة الديموغرافية في روسيا لا يتطلب زيادة معدلات الإنجاب، بل يجب الارتقاء بالأعمار المتوقعة وسداد الفجوة بين أعمار الرجال والنساء. ويقول: "الأعمار المتوقعة للنساء في روسيا أقل من تلك في أوروبا. وتؤدي الفجوة بين أعمار النساء والرجال إلى خسائر كما في أوقات الحرب". يضيف أن معدلات وفيات الرجال في روسيا مرتفعة جداً، والإفراط في تناول الكحول ليس السبب الوحيد لذلك. كذلك إنّ واقع منظومة الرعاية الصحية غير مرضٍ. صحيح أن الأعمار المتوقعة في بلادنا تشهد ارتفاعاً منذ عام 2004، لكن لم يتسنَّ تغيير الوضع جذرياً حتى الآن".
وبحسب الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة الروسية، ارتفع متوسط الأعمار المتوقعة في العام الماضي إلى أعلى مستوى تاريخياً، وقد بلغ 73.4 سنة، بينما تقتضي أهداف التنمية القومية التي حددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الارتقاء بهذا المؤشر إلى 78 عاماً بحلول عام 2024، و80 عاماً بحلول عام 2030. مع ذلك، أظهرت دراسة سابقة نشرت في مجلة "ذا لانسيت" الطبية الدولية أن روسيا تعاني من فجوة كبيرة تزيد على عشر سنوات، بين الأعمار المتوقعة للنساء (76.2 عاماً) والرجال (65.4 عاماً)، بحسب الأرقام الصادرة عام 2016. وكان نحو 60 في المائة من الوفيات المبكرة للرجال ما بين الـ 15 والـ 49 من العمر ناتجاً من التدخين وتناول الكحول والمخدرات، في مقابل 47 في المائة من الوفيات لدى النساء.
جذور سوفييتية
تعود جذور "ضريبة عدم الإنجاب" في روسيا إلى الحقبة السوفييتية، إذ كانت الدولة تفرض ضريبة نسبتها 6 في المائة من الراتب الشهري على الرجال الممتنعين عن الإنجاب الذين تراوح أعمارهم ما بين 20 و50 عاماً، والنساء المتزوجات من دون أطفال اللواتي تراوح أعمارهن ما بين 20 و45 عاماً منذ عام 1941، وألغيت بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي عام 1991.