"سوبيرات" الجزائر... متاجر تشجّع المواطنين على الاستهلاك

26 مايو 2022
لدى المستهلك خيارات متنوعة (العربي الجديد)
+ الخط -

يُلاحظ ازدياد عدد المحال الكبرى أو ما يعرف بـ "السوبيرات" في مختلف الأحياء والبلدات الجزائرية التي توفّر كل ما يحتاجه الزبون من مواد ومنتجات غذائية واستهلاكية وخضار وفاكهة وأجهزة كهربائية وأدوات للزينة وملابس وقرطاسية وغيرها بأسعار تنافسية. في المقابل، بدأت تتراجع الدكاكين أو الحوانيت القديمة أمام هذه المحال الكبرى، مع بروز التجمعات السكانية التي توسعت على أطراف المدن والأحياء، الأمر الذي يؤشّر إلى تغيّر النمط الاستهلاكي والقدرة الشرائية لدى الجزائري في الوقت نفسه على تغير نمط تبضع الجزائريين وتحولات تشهدها طبيعة استهلاكهم اليومي. وبخلاف "الحانوت القديم" أو البقالة حيث الخيارات محدودة، فإن انتشار المحلاّت الكبرى يمنح الزبائن سهولة أكبر في التبضع.  
ويتماشى هذا التوجه مع النمط الاستهلاكي وإقبال الناس على الشراء وسرعة الحياة اليومية. وتقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة "الجزائر" وسيلة مباركي لـ "العربي الجديد": "هذه المتاجر التي تأخذ التسمية الفرنسية بحروف عربية تعكس مظاهر التقدّم الظاهر في نمط حياة الجزائريين، والتطور في التواصل البشري المتعلّق بالعرض والطلب والبيع والشراء والتحفيز على الاقتناء والاستهلاك". وتقول لـ "العربي الجديد" إن "تغير نمط معيشة الجزائريين عامل مهم في السلوك الاستهلاكي للأفراد، في ظل بروز التجمعات السكنية الجديدة التي فرضت نوعاً جديداً من القيم والعادات المرتبطة بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المستجدة للعائلات، والتي تتكيف معها طريقة العرض في المتاجر الكبرى".  

وفي ظلّ تحول أنماط الجزائريين المعيشية، توضح مباركي أن الدكاكين تلاشت شيئاً فشيئاً من التجمعات السكنية في الأحياء القديمة، لافتة إلى أن التوجّه الاقتصادي الحرّ أثر على الهياكل القاعدية وأساليب التفكير وأنماط الحياة لدى الأسر الجزائرية وحاجاتها ورغباتها. وتتيح السوبيرات الكثير من السلع والمنتجات، سواء كانت محلية الصنع أو عالمية مستوردة من خارج الجزائر بكميات كبيرة وبأسعار منخفضة مقارنة بالمحلات الصغيرة. ويبحث المستهلك عن شراء ما يلبي رغباته للاستهلاك أو الاستخدام اليومي.
ويكشف أحد العاملين في "سوبيرات المنظر الجميل" في منطقة القبة وسط العاصمة الجزائرية عبد الرحمان راشدي، أن هذه المتاجر الكبرى انتشرت في الأحياء السكنية الجديدة والمناطق التي شهدت توسّعاً عمرانياً. وتوفّر للزبائن مختلف المنتجات المطلوبة تماشياً مع الإمكانيات الشرائية للمواطنين في هذه المنطقة. ويقول لـ "العربي الجديد" إن تواجد مثل هذه المحلات الكبرى يريح السكان ويتيح لهم شراء ما يحتاجون إليه بسهولة أكبر. 
واللافت أن انتشار هذه المتاجر تزامن مع التوسّع السكاني والتجمعات البشرية الجديدة على أطراف المدن ضمن الأحياء السكنية الجديدة بالإضافة إلى المدن الجديدة التي نمت وتطورت عند تخوم المدن القديمة الكبرى، منها الجزائر العاصمة وقسنطينة ووهران والبليدة وبجاية وسطيف، والتي تحتاج إلى مثل هذه المتاجر لتلبية احتياجاتها، وتنسجم مع متطلبات الحياة اليومية.

"سوبيرات" الجزائر 2 (العربي الجديد)
رفوف جميلة في في "السوبيرات" (العربي الجديد)

وتأثّرت عمليات البيع والشراء في الجزائر بالتطوّر الاقتصادي والتجاري والاقتصاد الحر، الأمر الذي انعكس على العرض الخاص بالمنتجات ذات الاستهلاك الواسع. وعرفت الجزائر خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وحتى التسعينيات منه  ما يسمى بـ "أسواق الفلاح"، وهي مجمعات تجارية كبرى تسيّرها الدولة وتدعمها الحكومة. 
إلا أن الانتقال من اقتصاد ريعي مبني على مداخيل النفط إلى اقتصاد متعدد يعتمد على الخصخصة عزز النمط الاستهلاكي بين المواطنين، بحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة "بومرداس "عبد العزيز بطيش. ويقول لـ "العربي الجديد" إن القدرة الشرائية لدى الجزائريين تغيّرت، لافتاً إلى أن المتاجر الكبرى تروج سلع محلية ومستوردة في العديد من البلدان، الأمر الذي يزيد من التنافس بين المنتجات المحلية والأجنبية. 
يضيف بطيش أن هذه المتاجر الكبرى تمكّنت من استقطاب نسبة كبيرة من المستهلكين عن طريق ضمان وفرة المنتجات المعروضة للبيع، وذات الطّلب الكبير في التجمعات السكانية التي تفتقر إلى الدكاكين. ويوضح أن أي "محل كبير المساحة يدرس السوق أو الفئة المستهدفة، الأمر الذي يتضح بشكل لافت في التجمعات السكانية الجديدة التي تحتاج إلى مثل هذه المتاجر".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من الناحية النفسية، فإن سلوك المستهلك ــ الزبون يعدّ الحلقة الأهم لفهم انتشار "السوبيرات" في مختلف الأحياء تلبية لمطالب الناس في ظل النمط الاستهلاكي الحالي. في هذا الإطار، تقول الأستاذة في علم النفس السلوكي عالية بن عبد الله إن "السوبيرات" توفر علامات تجارية مختلفة للسلعة الواحدة، الأمر الذي يتيح للزبائن اختيار سلعة تناسب إمكانياتهم المادية وتشبع رغباتهم. وتقول لـ "العربي الجديد" إن "المحلات الكبرى تضع أمام المستهلك خيارات عدة، الأمر الذي يدفعه إلى الشراء".

المساهمون