عانت المناطق السورية كلها من تضرّر المرافق الصحية في الحرب، خصوصاً على صعيد دمار المستشفيات وهجرة الأطباء الذين تعرّضوا للقتل والاعتقال والمضايقة كغيرهم من العاملين في مجالات إنسانية. لكنّ ثمّة تفاوتاً بين المناطق في حجم الأضرار، وقد يزيد أو ينقص. ولمواجهة ذلك يُصار إلى إعادة تأهيل هذه المرافق واستقطاب عاملين جدد في هذا المجال، كأفضل خيار لتعويض النقص الحاصل.
قد تكون محافظة الرقة الواقعة شمال شرقي سورية من أكثر المناطق السورية معاناة، لأنّ كلّ الأطراف المتقاتلة في سورية مرّت على أرضها، خصوصاً تنظيم داعش الذي حارب كلّ نشاط اجتماعي أو مبادرات خيرية، وحوّل مرافقها الصحية إلى سجون ومراكز اعتقال وتعذيب، وشرّد سكانها بمعظمهم وارتكب فظائع بحقهم. وما زالت الجهات المسيطرة تعثر على مقابر جماعية تعود جثث كثيرة مدفونة فيها إلى مدنيين من سكان المحافظة، لا سيّما بعد القصف الجوي الذي نفّذته قوات التحالف الدولي في عام 2017 والذي دمّر أكثر من نصف أبنيتها، بحسب تقارير وإحصائيات غير رسمية.
في سياق متصل، أطلقت منظمة "أنوار الغد" العاملة في مجال التنمية المجتمعية مبادرات خاصة في المجال الصحي، وكانت آخرها مبادرة "سماعة طبيب". ويقول مدير المنظمة بشير الحميدي لـ"العربي الجديد" إنّ "مبادرة سماعة طبيب التي تهدف إلى بناء قدرات 30 امرأة في مجال الإسعافات الأولية الخاصة بالأطفال ومعالجة الحروق وارتفاع درجة الحرارة، تمتدّ على شهرَين. وسوف تُمنح المستفيدات منها شهادة خبرة تمكنهنّ من دخول سوق العمل، خصوصاً في المستوصفات والمستشفيات العاملة في محافظة الرقة التي عانت الكثير وتأثّرت كلّ مرافقها الصحية بالعمليات العسكرية، إذ إنّها كانت على مدى سنوات عدّة محور الصراع في سورية، الأمر الذي كلّفها الكثير على مستوى الطاقات البشرية والخدمات".
يضيف الحميدي أنّ "من أحد أهداف المبادرة تأهيل هؤلاء النساء لدخول سوق العمل، بهدف توفير مصدر دخل لهنّ في ظلّ تراجع الوضع الاقتصادي في المنطقة. وقد اشتُرط على المتدرّبات أن يكنّ على اطلاع بالحالات الصحية التي تحتاج إلى عناية في مناطق سكنهنّ. وكان المنطلق لتلقّي التدريب من خلال تقييم احتياجات المنطقة، والأمراض التي تنتشر بين أطفالها، لا سيّما الحالات الإسعافية والحرجة، إذ إنّ من الصعب تأمين سيارات إسعاف بشكل فوري في مناطق عانت من حروب، وقد تتفاقم حالة الطفل في حال تأخّر نقله إلى المستشفى".
زينب خلف واحدة من المتدرّبات، تقول لـ"العربي الجديد": "استفدت من الدورة التدريبية في مجالات عدّة، منها الإسعافات الأولية وطرق التعامل مع الأطفال الذين هم في حاجة إلى عناية عاجلة، بالإضافة إلى طريقة التعامل مع حروق الأطفال التي تكون في الغالب حساسة وتحتاج إلى دقة، حتى لا تؤثّر على نفسياتهم مباشرة ولا تترك ندوباً على أجسادهم قد تتسبّب لهم في مشكلات نفسية في المستقبل كذلك".
وتتابع خلف أنّ "المدرّب في خلال الدورة التي ما زالت مستمرّة، تطرّق إلى أمراض أخرى تتعلق بكبار السنّ كذلك. فتعلّمنا طرق رعاية المرضى المصابين بالسكري وبارتفاع ضغط الدم، إلى جانب تركيب السيرومات (القسطرة الوريدية من أجل التغذية بالأمصال) في المنزل وسحب الدم وإعطاء الحقن منزلياً، من دون الحاجة إلى زيارة المراكز الصحية، إذ يشكّل التنقّل صعوبة في كثير من الأحيان، خصوصاً للمرضى من كبار السنّ"، لافتة إلى أنّ "المتدرّبات كنّ يخضعنَ لاختبارات بعد كلّ تدريب في قسم معيّن، وعلى أساسها يُمنحنَ درجات تقييمة".
ويفيد الحميدي بأنّ منظمة "أنوار الغد" التي تأسّست في عام 2019 تعمل في مجال التنمية المجتمعية في محافظة الرقة، ونفّذت مشاريع تتعلق بفيروس كورونا الجديد، بالإضافة إلى أخرى تهدف إلى بناء قدرات الشباب من الذكور والإناث في أساسيات العمل الصحافي والتثقيف الصحي للعلاج الفيزيائي".
ويلفت الحميدي إلى أنّ "المنطقة تشهد تنوعاً عرقياً، وبالتالي تحتاج إلى مبادرات للتماسك المجتمعي، وقد كان للمنظمة دور في هذا المجال. كذلك كانت مبادرات خاصة بالتحذير من عمالة الأطفال وإبعادهم عن المدارس، خصوصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة في يوم الطفل العالمي. وكان للمنظمة دور في تعزيز العمل التطوعي، والقضايا المتعلقة بالمرأة التي تأثرت أكثر من غيرها من فئات المجتمع في خلال سنوات الحرب الطويلة على كلّ الأصعدة".
وفي الإحصاءات الأخيرة لمجلس الرقة المدني التابع للإدارة الذاتية (الكردية)، بلغ عدد سكان مدينة الرقة نحو 300 ألف شخص، فيما تجاوز عدد النازحين المقيمين فيها 3200 نازح.