يأمل القائمون على "رباط الحمائل" في المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة أن يتحوّل رباطهم وصلواتهم فجراً في المسجد إلى واقع أكثر تجذّراً ورسوخاً، على أن يمتد هذا الرباط من الفجر وحتى مغيب الشمس، والتواجد في ساحات المسجد من السابعة والنصف صباحاً وحتى الثانية والنصف من بعد الظهر، وهي الفترة التي يقتحم فيها المستوطنون المسجد الأقصى في جولتين. وتنتهي الأولى عند الساعة الحادية عشرة والنصف، لتبدأ بعد ذلك الجولة الثانية من الاقتحامات بعد صلاة الظهر وحتى الثانية والنصف من بعد الظهر.
ويقول المقدسيّون إنّ هذه الفترة غاية في الخطورة والحساسية، نظراً إلى تكثيف الاقتحامات فيها وما يتخللها من استفزازات وتعديات من قبل المستوطنين المقتحمين وجنود الاحتلال، وسط تواجد أعداد قليلة ومتواضعة من المرابطين تبدو خلالها ساحات الأقصى شبه خالية ومستباحة من قبل المستوطنين.
في هذا الإطار، يقول مسؤول ملف المقدّسات في حركة "فتح"، والناشط المقدسي عوض السلايمة، والذي كانت عائلته قد شاركت وعلى نطاق واسع في فعاليات الرباط هذه، إنّ "القائمين على هذه المبادرة، الهادفة إلى إعمار المسجد وحمايته من الأخطار التي يتعرض لها، حريصون على تطوير مبادرتهم وتوسيعها، سواء من خلال زيادة أعداد العائلات والحمائل المدعوة للرباط أو زيادة مدته، على ألا تقتصر فقط على صلاة الفجر، بل تشمل الصلوات الخمس مع تكثيفها في الفترة الممتدة من الضحى وحتى ما قبل العصر تلبية لنداء الأقصى. كما بادرنا إلى تنظيم يوم في الأسبوع للرباط في مواقيت صلوات العصر والمغرب والعشاء".
ويشير السلايمة، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أنه في الصلاة التي جمعت عائلتي السلايمة والشويكي، أُعلن عن تآخي العائلتين والتوافق على تواجدهما الدائم في الأقصى، على أن ينضم إليهما لاحقاً عائلات وحمائل أخرى ثم تقسيم الأدوار في ما بينهم "بنية الاستمرار حتى نصل إلى واقع نتمكن فيه من حشد جميع المقدسيين في الأقصى وفي جميع الأوقات".
وكانت ساحات المسجد الأقصى قد شهدت على مدى الأسابيع الماضية توافد أعداد كبيرة من المصلين لأداء صلاة الفجر في المسجد الأقصى، بمشاركة عائلات وأطفال وشباب ازدحمت بهم ساحات المسجد ومصلياته المسقوفة. وشاركت في هذه الفعاليات حشود عائلية وحمائلية تمثل عائلات التميمي ومرار وغوشة وجابر والشرباتي والسلايمة والرجبي وأدكيدك والقواسمي والرازم المقدسية، وأدى أبناؤها صلاة الفجر في الأقصى.
في هذا السياق، يناشد أحد المتحدثين من أبناء عائلة التميمي جواد التميمي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، جميع العائلات الفلسطينية، سواء في القدس أو في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، بشد الرحال إلى المسجد الأقصى، مؤكداً أن هذا الرباط هو بمثابة رسالة إلى أبناء الأمتين العربية والإسلامية تدعوهما إلى الحشد والعمل المخلص لتخليص الأقصى من براثن الاحتلال.
من جهته، يرى محمد مرار، وهو أحد المتحدثين من عائلة مرار، أن الرباط في المسجد الأقصى والاعتكاف فيه شرف عظيم يتمناه أبناء الأمة قاطبة، والرباط في المسجد جهاد بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ويقول: "نحث جميع عائلات القدس على الانضمام إلينا والتنافس على القيام بدورها في الدفاع عن الأقصى وحمايته".
ومن بين ما تتضمنه فعاليات الرباط في الفترة الصباحية تبرع العائلات أو أحد أفرادها بتوفير الفطور للمرابطين بعد أداء صلاة الفجر، وتشمل في الغالب الكعك المقدسي الشهير والبيض والفلافل. وتقام موائد كبيرة لأبناء تلك العائلات، كما يدعى إليها المصلون الوافدون للأقصى.
يشار إلى أن مبادرة رباط العائلات المقدسية في الأقصى كانت قد أطلقتها الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني عام 1948، وبدأت عام 2000 تحت اسم "مسيرة البيارق" للرباط في الأقصى. ثم تطورت هذه المبادرة لاحقاً إلى "رباط الحمائل" التي أطلقها رئيس الحركة الشيخ رائد صلاح عام 2007، وهو أسير في سجون الاحتلال حالياً. وتقوم المبادرة على توزيع أيام الأسبوع على كل منطقة في القدس كي يرابط أهلها في الأقصى.
ويحمل هذا المشروع الحالي الذي تنفذه العائلات المقدسية للرباط في المسجد الأقصى اسم "برنامج رباط حمائل القدس الشريف في المسجد الأقصى"، ويستند إلى وجود أكثر من 150 حمولة في القدس، تتوزع إلى مجموعات، وكل مجموعة تضم عشر حمائل فقط، وترابط كل مجموعة يوماً واحداً في كل شهر يومي الجمعة والسبت.
كما يحث المشروع كل حمولة في كل مجموعة على استنفار رجالها ونسائها وكبارها وصغارها إلى المسجد الأقصى في يوم رباطها لرفد المسجد يومياً بعشرات الآلاف لنصرته.
وغالباً ما تنظم هذه المسيرات طوال أيام العام لأهداف عدة، أهمها: إحياء الأيام الخوالي والدور الريادي للأقصى عبر وجود المرابطين فيه وإعماره بالمصلين، وترشيد وجود المسلمين في الأقصى وجلبهم إليه، وإعادة جيل الشباب إلى درب الهداية، ناهيك عن إحياء البلدة القديمة ومدها بآلاف الزوار يومياً.
أما عن اسم مسيرة البيارق، فهو مستوحى من الأعلام أو المشاعل (البيارق)، وهي فكرة سنها القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، بعد تحرير القدس والمسجد الأقصى، بتحديد يوم يستنفر فيه المسلمون لتنظيم مسيرات إسلامية تنطلق من كل مكان حاملة الأعلام أو المشاعل لتزحف بعشرات الآلاف وتجتمع في المسجد الأقصى، بهدف رفع قيمته في قلوب أبناء الأمة الإسلامية وتذكيرهم بقبلتهم الأولى، وتذكير أعداء الأمة الإسلامية بما تحمل هذه الأمة من حب عميق وتعلق كبير بالمسجد الأقصى. وعليه، وعملاً بالحكمة والتجربة الصلاحية، تقرر إنشاء مؤسسة "البيارق" لتكون رافداً قوياً لتسيير الحافلات إلى الأقصى.
وغالباً ما يشكو القائمون على المسيرة من العقبات التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي في وجه هذا المشروع، ويحتجز جنود الاحتلال الحافلات لساعات على الطرقات، وتارة تراهم يضيقون الخناق عليهم ما إن يصلون أبواب القدس، ناهيك عن تربّص حافلاتهم محاولين تحرير المخالفات بذرائع عدة.
ويذكر أن رباط الحمائل جاءت رداً على محاولات الاحتلال هدم جزء من المسجد الأقصى المعروف باسم طريق المغاربة عام 2007، ومحاولات تحويل مسجد البراق إلى كنيس يهودي. ويبارك مسؤولو الأوقاف الإسلامية في القدس رباط العائلات المقدسية في الأقصى، نظراً إلى الأخطار الكبيرة التي تحدق بالمسجد في هذه الأيام، كما يقول الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى.
ويشير الكسواني، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن أعداد مقتحمي المسجد الأقصى في الآونة الأخيرة سجلت ارتفاعاً غير مسبوق، سواء بأعداد المجموعات المقتحمة التي تضاعف عددها من 10 مجموعات إلى 45 مجموعة، والتضييق على حراس المسجد الأقصى ومنعهم من ممارسة عملهم. ويقول الكسواني: "شهدنا خلال الأعياد اليهودية الأخيرة اقتحامات بالآلاف للأقصى، بحسب اعتراف جماعات التطرف اليهودية التي تقود هذه الاقتحامات. من هنا، فالرد العملي على هذا التصعيد هو من خلال تكثيف التواجد المقدسي والفلسطيني في ساحات المسجد وعلى مدار الساعة".
ويذكر أنّ اقتحامات المستوطنين للأقصى كان قد بدأها الجنرال الإسرائيلي مردخاي جور برفقة جنوده عام 1967 بعد احتلال مدينة القدس وما تبقى من أرض فلسطين. يومها رفع الجنرال العلم الإسرائيلي فوق قبة الصخرة، وأحرق مع جنوده المصاحف، ومنعت الصلاة في المسجد لمدة أسبوع كامل.
واستولت سلطات الاحتلال في حينه على مفاتيح باب المغاربة، ومنعت الفلسطينيين من المرور منه، وأبقت هذا الباب مخصصاً لاقتحامات المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي بأعداد كبيرة.