في وقت خلّفت الحروب حالات إعاقة لدى الليبيين الذين ينتظر بعضهم منذ سنوات الحصول على أطراف صناعية لتعويض تلك المبتورة، لا توفّر الجهات الحكومية إحصاءات رسمية دقيقة لعددهم، بسبب التبعيات المختلفة لمعوقي هذه الحروب للأطراف المتصارعة، فيما كانت حكومة الوفاق الوطني قد قدّرت عام 2019 عدد المعوقين في صفوف قواته بـ 120 ألفاً، ثم أعلن الرئيس الحالي لحكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في منتصف فبراير/ شباط الماضي إنشاء هيئة جديدة مسؤولة عن علاج جرحى الحروب، وتخصيص مبلغ مليار دينار (200 مليون دولار) لها.
وأوضح الدبيبة أن الهيئة شُكلت لرعاية الجرحى داخل ليبيا وخارجها، والقضاء على الفوضى التي رافقت ملف علاجهم. لكن الصديق الكرامي، أحد المعوقين الذي فقد أطراف أصابعه خلال الحرب مع تنظيم "داعش" عام 2016، يقول لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة لم تصدر حتى الآن أي بيان يحدد عدد معوقي الحروب".
وكان رئيس ديوان المحاسبة (أعلى سلطة رقابية في ليبيا)، خالد شكشك، قد أكد وجود أكثر من 11 ألف ليبي يخضعون لعلاج في تونس وحدها، بعضهم من معوقي الحروب. واشتكى من فوضى في ملفات الأشخاص الذين يخضعون لعلاج في الخارج، وعدم القدرة على متابعتها، وتحديد نسب نجاح العمليات التي أجريت لهم وحالات الشفاء، وكذلك من غياب الدراسات اللازمة لتحديد الدول الأكثر قدرة على علاج هذه الحالات.
وفيما أكد شكشك إنفاق الحكومة 9 مليارات دينار (1.8 مليار دولار) على قطاع الصحة العام الماضي وحده، أشار إلى أن "حصة قليلة من هذه المبالغ ذهبت لتوفير خدمات للمواطنين، في مقابل حصة كبيرة جداً لجيوب الفاسدين".
وشدد شكشك على أهمية توفير العلاج داخل ليبيا، وأيده رئيس الهيئة العامة للرقابة الإدارية سليمان الشنطي الذي نقل عنه بيان صحافي أصدرته حكومة الوحدة الوطنية منتصف الأسبوع الجاري، قوله إن "الحكومة تولي أهمية كبيرة لتأمين متطلبات العلاج في الداخل، والهيئة ستركز على القيام بخطوات جدّية في هذا الملف، وبينها إجراء مراجعة لملفات العلاج في الخارج خلال السنوات الماضية من أجل تخفيف الأعباء المالية التي يواجهها ليبيون يُعالَجون في دول مختلفة، وضمان انتهاء علاجهم في أقرب وقت، وبينهم معوقو حروب".
لكن الكرامي المصاب بإعاقة قال إن "المعوقين اعتادوا سماع التصريحات والأخبار المتداولة عن الإجراءات الحكومية الجديدة الخاصة بضمان معالجة المعوقين، لكن أياً منها لم تعد لنا أمل الحصول على علاج، وتعويض الأطراف التي فقدناها".
من جهته، تعمّد مفتاح كويدر الذي بترت رجله في أثناء مشاركته في معارك مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس، في مواجهة ضعف فرص حصوله على علاج، التحايل عبر تلفيق تقرير طبي يفيد بأن إصابته نتجت من حادث سيارة. وقال لـ"العربي الجديد": "هناك من يعقّد ملف علاج معوقي ومبتوري الحروب بسبب الخلافات السياسية، ومغادرة مرضى البلاد بحجج أخرى غير الحروب أسهل بكثير. وقد نجحت في الحصول على منحة للعلاج في دولة عربية، وحصلت على رجل صناعية سمحت لي بالتحرك مجدداً، ومتابعة مزاولة مهنتي كمعلم التي انقطعت عنها لفترة طويلة".
وتختلف الإعاقات التي يعانيها جرحى الحروب، ومنها بتر الأطراف، والتعرض لإصابات بالغة في العيون وغيرها، لكن لجان العلاج في الخارج اخترقها الفساد وأصبحت تضم علاج مرضى لا علاقة لهم بالحروب بسبب محسوبيات، ما أثر سلباً في النظرة الخاصة بأحقية معوقي الحروب في تلقي العلاج، بحسب ما يقول كويدر.
وبالعودة إلى الكرامي، يتحدث عن أسباب أخرى عرقلت حصول معوقي الحروب على فرص للعلاج، وبينها تراكم الديون المستحقة على الدولة الليبية لدى المراكز الصحية في عدد من الدول، منها ألمانيا التي رفضت إكمال علاج أحد رفاقه من معوقي الحرب بسبب عدم تسديد لجان العلاج الخارجي مستحقات علاجهم. وقال: "رجع رفيقي ناجي من دون أن يكمل علاجه بعدما أمضى أشهراً بعيداً عن أسرته بأمل أن يستطيع استعادة البصر في العين التي تضررت كثيراً. وأبلغه الأطباء أن فرصة علاج العين ستتراجع مع تقدم الوقت. وفي كل الأحوال لم يستطع تنفيذ العمليات الجراحية المقررة له على حسابه الخاص بسبب سعرها المرتفع".
يضيف: "بين الأسباب الأخرى تعدد لجان العلاج في الخارج وكثرتها وتضارب تبعيتها لجهات مختلفة، ما اضطر الكثير من الدول إلى طلب توحيد الجهات المسؤولة عن علاج معوقي الحرب لضمان مستحقاتها المالية أو التوقف عن استقبالهم".
وتتعدد حقوق معوقي الحرب، بحسب الكرامي، "فأولوية علاجهم لا تعني إهمال باقي حقوقهم في توفير فرص تتناسب مع أوضاعهم على صعيد تلقي التعليم والحصول على تأهيل نفسي، خصوصاً أن بعضهم تضرروا جراء انعزالهم فترات طويلة، وتأثرهم بصدمة إصابتهم بإعاقات".