يواجه البدو الرحّل في أفغانستان مشاكل مختلفة بسبب الجفاف والتغيرات السياسية الأخيرة المرتبطة باستعادة حركة "طالبان" السلطة في أغسطس/ آب الماضي. ويضاعف معاناتهم نصب باكستان سياجاً حدودياً منعهم من التنقل بين الدولتين من أجل توفير مراع لمواشيهم، والحفاظ على مصالحهم ومصادر رزقهم.
في ولاية ننغرهار (شرق) المحاذية للحدود مع باكستان، والتي تعد من أهم مناطق البدو الرحل في أفغانستان، يعاني أفراد هذه الشريحة من مشاكل الجفاف الحاد الذي ألحق أضراراً كبيرة بحياتهم، وتعمد أمراء الحرب القضاء على مراعي المواشي لأسباب مختلفة، إضافة إلى حرمانهم من المساعدات الإنسانية التي تقدمها حكومة "طالبان" حالياً، إلى جانب منظمات إنسانية.
يقول راع من البدو الرحل يدعى سيد محمد ويعيش قرب مدينة جلال آباد لـ"العربي الجديد": "أجبرنا الجفاف الحاد هذا العام على بيع مواشينا بأسعار رخيصة، بعدما اغتصب أمراء الحرب ورجال العصابات، على امتداد أعوام، مراعي كثيرة في شرق أفغانستان، ما فاقم معاناتنا".
ويوضح أن "تهميش الحكومات السابقة والحالية من أهم المشاكل التي يواجهها البدو الرحل. والحقيقة أنّ الحكومات السابقة لم تهتم يوماً بنا، ولم تطبق أي خطة أو آلية للتعامل مع شريحتنا المهمّشة التي حرمت أيضاً من المساعدات التي تقدمها حكومة طالبان ومؤسسات إنسانية".
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حذر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي من أن الحالة المتدهورة للجفاف والاضطرابات الاقتصادية الأخيرة ترتب تداعيات قاسية على أفغانستان، حيث يواجه حوالي 19 مليون شخص مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي. ويحتم ذلك اتخاذ إجراءات دولية عاجلة لمنع وقوع كارثة.
وأظهرت عمليات مسح أجراها البرنامج، أنّ نحو 98 في المائة من الأفغان لا يحصلون على كفايتهم من الطعام، وأن 7 من بين كل 10 أسر تلجأ إلى اقتراض الطعام، ما يدفعهم بعمق إلى براثن الفقر.
ويقول أحد زعماء البدو في ولاية ننغرهار، قربان محمد، الذي يسكن حالياً في قرية مؤقتة أنشأها البدو في منطقة وتش تنكي بمديرية بهسود القريبة من مدينة جلال آباد لـ"العربي الجديد": "كانت المراعي كثيرة في السابق وكنا مرتاحين جداً، علماً أنّ مصدر دخلنا الوحيد هو رعي المواشي، لكن الأعوام الأخيرة شهدت اغتصاب أمراء الحرب كل المراعي، ما جعلنا نواجه مشاكل كثيرة، والوضع الحالي للبدو الرحل سيئ جداً، وحكومة طالبان تواصل تهميشنا".
ويعلّق الناطق باسم إدارة الزراعة المحلية في ولاية ننغرهار أجمل سبحاني على الموضوع بالقول لـ"العربي الجديد": "ننسق مع الإدارات المختلفة لاسترجاع أراضٍ زراعية ومراعٍ للبدو استولى عليها أمراء الحرب سابقاً، ونحاول تحسين وضعهم في الولاية عموماً".
ولا تختلف حال البدو في ولاية قندهار الجنوبية عنها في ننغرهار، إذ يواجهون المشاكل ذاتها وأكثر، فهم يعانون من عدم وجود المراعي الكافية والجفاف الحاد، ما يدفعهم إلى بيع المواشي بأسعار زهيدة، كونهم غير قادرين على الحفاظ عليها في ظل الظروف الراهنة.
ويقول محمد كريم، أحد سكان مديرية تخته بول بقندهار حيث يعيش عدد كبير من البدو بسبب توافر المياه الجارية والمراعي لـ"العربي الجديد": "توقفت المياه الجارية بسبب عدم هطول أمطار كافية والجفاف الحاد، كما اغتصب أمراء الحرب غالبية المراعي والأراضي الزراعية التي كانت يستفيد منها البدو الرحل، فتعثرت حياتهم بالتالي إلى حد كبير، علماً أنّ السلطات لا تسمح لهم بحفر آبار للحصول على مياه يحتاجونها في شكل يومي لأجلهم ولمواشيهم".
وفي شأن المساعدات يشكو البدو الرحل في قندهار من عدم وصولها إليهم في الأشهر الأخيرة. ويوضحون أن "الحكومة والمؤسسات المعنية كانت توفر لهم رعاية صحية وأدوية للمواشي والحيوانات، لكننا لم نحصل على أي منها في الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى تفشي أمراض مختلفة في الحيوانات والمواشي التي تدنت قيمتها". ويشرح كريم: "كنا نبيع شاة واحدة بمبلغ 20 ألف أفغانية (نحو 200 دولار)، واليوم نبيعها بأقل من 15 ألف أفغانية (150 دولاراً)، ما يشكل خسارة كبيرة لنا باعتبار أنّ المواشي مصدر دخلنا الوحيد".
ويؤكد مسؤول إدارة الزراعة في ولاية قندهار الملا محمد مظلوم لـ"العربي الجديد" أنّ "السلطات المحلية تعمل على توفير الدعم المطلوب للبدو الرحّل، ووزعنا حتى الآن أدوية لأكثر من 68 ألف حيوان يملكها البدو في الولاية، من أجل الحفاظ على مواشيهم من الأمراض، ونتعهد القيام بالمزيد حيال حياة البدو الرحل في أفغانستان وجنوبها تحديداً".
وتعتبر الولايات الأفغانية التي تقع على الحدود المحاذية لباكستان خصوصاً في الشرق والجنوب من أهم المناطق التي يتواجد فيها بدو رحل، كونهم يضطرون إلى التنقل بين الدولتين للحصول على مراع وتسويق مواشيهم. لكن إغلاق الحدود واتخاذ الباكستانيين إجراءات بينها نصب سياج، عرقل حياة البدو في المنطقة، علماً أنهم اعتادوا أن يتنقلوا صيفاً وشتاءً بين المناطق المختلفة في البلاد من أجل الحصول على قوت حياتهم.