"ثوماس توقاس"... احتفالات برأس السنة الأمازيغية في الجزائر

12 يناير 2022
يحتفلن برأس السنة الأمازيغية (بلال بنسالم/ Getty)
+ الخط -

يحتفل أمازيغ الجزائر، بل الجزائريّون عموماً، برأس السنة الأمازيغية في 12 يناير/ كانون الثاني من كلّ عام، وهو ما يوازي عام 2972 بالتقويم الأمازيغي. وهذا تقويم فلاحي كانت تحتفل به المجموعات الأمازيغية في الجزائر كما في دول شمال أفريقيا كالمغرب وتونس وليبيا وفي منطقة سيوة في الصحراء الغربية بمصر. ثمّ أخذ طابعاً اجتماعياً عاماً في الجزائر، ويحتفل به الجزائريون منذ قرون، ويعدّون أطباق عشاء خاصة، ويشترون الحلويات لإحياء عادة "الدراز" في مختلف مناطق البلاد، علماً أنّه في عام 2016، تحول الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى يوم وطني في الجزائر. 
وتقول نانا زبيدة (الجدة زبيدة) إنّه "يوم للأماني والامتنان بوفرة الأمطار والثلوج وافتتاح الرّزق بعام أمازيغي جديد"، لافتة إلى أنّ العائلات الجزائرية تحتفل بقدوم عام جديد ويتضرعون لله بعام وفير وخيّر وسكينة وطمأنينة وتفاؤل بتساقط الثلوج والأمطار.
وفي منطقة جبال الأوراس شرقي الجزائر، وغيرها من المناطق، تطلق احتفالات ونشاطات "الناير"، أي اليوم الثاني عشر من الشهر الجاري من كلّ عام، أو ما يسمى باللغة الأمازيغية " ثابورث أسقاس" أو باب السنة أي بدايتها لدى الأمازيغ. ويُنظر للعام الأمازيغي الجديد بأنه بداية الخير. ففي كلّ عام، تحيي العائلات هذا اليوم بطقوس احتفالية لها مكانة خاصة لدى الأسر الجزائرية، بالإضافة إلى أبعاد ودلالات تتضمن رموزاً تتعلق بالأرض والزراعة والمحصول الزراعي من خلفية ارتباط الانسان في منطقة شمال أفريقيا بالأرض وخدمتها وحمايتها بشتى الوسائل. 
وتبدأ السنة الأمازيغية بطقوس خاصة تشترك فيها العائلات الجزائرية تمثل بداية جميلة أو بداية للخير من باب التفاؤل تسمى "ثابورث أسقاس" أي " باب السنة". ويطهى الكسكسي المكون من القمح، ويعد سيّد الأطباق التراثية الاحتفالية في هذا اليوم، بالإضافة إلى طهي البقوليات الجافة. وتستمر هذه الطقوس لمدة ثلاثة أيام بدءاً من ليلة الحادي عشر من يناير حتى الرابع عشر منه. وتقول نعيمة حمّي المتحدرة من منطقة عين آزال بولاية سطيف شرقي الجزائر لـ "العربي الجديد" إنّه يطلق على الاحتفالات "يوم الحشيش ويوم العيش ويوم الريش". ولهذه التسميات معنى في الواقع، إذ تطهو النساء أطباقاً مكونة من الخضار بلون الحشيش (العشب) كدلالة على الخضرة وانفتاح النفس على الحياة والعلاقة بالأرض. تضيف أنّه يطلق على اليوم الثاني اسم "العيش"، إذ تعد أطباقاً تتشكل من مختلف أنواع الحبوب والعجين من القمح والفول والحمص والدقيق في وجبة حساء ساخنة تقدم لأفراد الأسرة في ليلة ناير الباردة كرمز للتكاتف والتضامن والرزق. واليوم الثالث هو "يوم الريش" وهو اليوم الأخير من الاحتفالية، فيتميز بذبح الديك الرومي وهو طقس من طقوس الاحتفالات يطلق عليه "أسفال" أي عشاء أساسه الكسكسي بلحم الديك الرومي، ويوزع على الجيران والفقراء، وهذه عادة متجذرة في هذا اليوم بين أفراد الحي السكني الواحد، كتعبير عن اللحمة والرحمة بين مختلف فئات المجتمع.

وخلال الاحتفاء بالسنة الأمازيغية، تشتري العائلات الجزائرية ما يعرف محلياً بـ "الدراز" وهو خليط من اللوز والجوز والحلوى والتمر والكاكاو وغيرها، وتتمسك بعض العائلات بعادة جلب كمية من الحلويات التي تم شراؤها، ووضع أصغر أفراد العائلة داخل إناء ليتم إفراغها عليه. وما يسقط داخل الإناء يصبح خاصاً به، بينما يتم توزيع الكمية التي سقطت خارج الإناء على باقي أفراد الأسرة. ويلاحظ خلال هذه الفترة انتعاش لافت في تجارة المكسرات والحلويات وغيرها، وتتنافس المحال التجارية في عرضها على الباعة.
ويعد يناير شهر الأمطار والخيرات، ويتفاءل الجزائريون بفترة "السنة الفلاحية" والحلّة البيضاء مع بدء تساقط الثلوج، فتنظم الاحتفالات في انتظار تحقيق الأمنيات. وتختلف الاحتفالات ببداية السّنة الأمازيغية من منطقة إلى أخرى، من خلال عادات تراثية انتقلت عبر الأجيال وتهدف للحفاظ على الروابط الاجتماعية بين العائلات لما يحمله من تآزر وامتنان والعمل على ترسيخ مختلف عادات التضامن بين الشعب الجزائري. وتقول الباحثة في التراث الأمازيغي في جامعة الجزائر زهيدة معرافي، لـ "العربي الجديد" إنّ الاحتفالات الشعبية تحمل في الغالب أبعاداً رمزية لما يسمى عشاء الناير، إذ تُجهز أطباق متنوعة. ففي منطقة بني سنوس بولاية تلمسان في أقصى الغرب الجزائري على سبيل المثال، يجتمع الرجال في الصباح للقيام برحلة صيد للأرانب والحجل التي تطهى في اليوم التالي. لكنّ هذه العادات تغيرت مع الاكتفاء بذبح خروف أو عنزة أو شراء الدجاج. كما تعكف النساء على تحضير الخبز في البيوت، وإعداد الحلوى المصنوعة من التين الجافّ والرمان والبرتقال والجوز. 

لا غنى عن الرقص بمناسبة كهذه (بلال بنسالم/ Getty)
لا غنى عن الرقص بمناسبة كهذه (بلال بنسالم/ Getty)

والتفسير الشائع لبداية العام الأمازيغي أنّه بداية للتاريخ أو الروزنامة الفلاحية. ويقول الباحث عبد الله زروقي، من جامعة "قسنطينة" شرقي الجزائر، إنّ يناير شهر بدء مرحلة السنة الزراعية بوفرة الأمطار وسقي الأراضي. ومن الأمور التي تتفق عليها غالبية الأسر الجزائرية، تزامناً مع احتفالات "الناير"، أنّ العام الجديد هو عام الخير ووفرة المحاصيل الزراعية. ويؤكد في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ بعض الدراسات التاريخية تشير إلى ارتباط رأس السنة الأمازيغية ببدء التقويم الأمازيغي الذي يعود بحسب المؤرخين إلى اليوم الذي هزم فيه الملك الأمازيغي شيشنيق الأول، الفرعون المصري رمسيس الثالث، وذلك عام 950 قبل الميلاد، بعد معركة طويلة يعتقد أنّها دارت في مدينة تلمسان الجزائرية واستطاع شيشنيق بعد انتصاره تأسيس نظام ملكي ليحكم من ليبيا حتى مصر.

وأقرّ رسمياً لأول مرة الاحتفال بالعام الأمازيغي في الجزائر بعد تعديل الدستور عام 2016، وأصبح عيداً وطنياً يتم الاحتفال به في المدارس والمؤسسات الرسمية منذ يناير 2017، بعدما أقرت السلطات الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية في الدستور. وترعى السلطات الاحتفال الوطنية بعيد السنة الأمازيغية، وتنظم هذا العام في أقصى الجنوب وتحديداً في عاصمة الصحراء والطوارق، أي مدينة تمنراست. وينظم الاحتفال تحت شعار "ثوماس توقاس" هو باللهجة الطارقية الأمازيغية، ويعني "تلاقي كلّ الجزائريين" بحضور مجموعة من الفنانين والأدباء والشعراء القادمين من ربوع الوطن لإحياء فعاليات ثقافية في احتفالات "الناير"، تحت إشراف المحافظة السامية للأمازيغية. وتقام برامج ثقافية ومعارض خاصة بالتراث المادي وغير المادي فضلاً عن الصناعات والمنتجات التقليدية ومعارض للكتب والوسائط السمعية البصرية. كما تتميز هذه الاحتفالات، بتوزيع جوائز الطبعة الثانية لجائزة رئيس الجمهورية للأدب والثقافة الأمازيغية.

المساهمون