وسط بسطات بيع الملابس والأحذية والحلويات المنتشرة في شوارع مدينة نابلس ينادي الشاب الفلسطيني مأمون حميد على "الفسيخ" بأنواعه المختلفة، وتلقى بضاعته رواجاً بين الزبائن الذين يفضّلون تناول هذا النوع من الأسماك المملحة في عيد الفطر.
يقول حميد (27 سنة) ضاحكاً: "البعض يستغرب المشهد. الفسيخ على يمينه ملابس، وعلى يساره حلويات ومكسرات. كأنه جزء أصيل من طقوس الاحتفال بالعيد".
يلفت الشاب الفلسطيني الأنظار بأسلوبه، ويتبيّن أنه يحمل شهادة البكالوريوس في الجغرافيا، لكنه لم يفلح منذ تخرجه قبل خمس سنوات في الحصول على وظيفة. يقول: "الشغل مش عيب. استصعبت الأمر في البداية، لكني أصرف على نفسي من خلال بيعي على بسطة الفسيخ. صحيح أن ما أجنيه يومياً قليل، لكنه أفضل من أن أمدّ يدي إلى أبي طلباً للمال".
وضع وائل بدير (42 سنة) الفسيخ المغمور بالماء المملح في خزانة سيارته الخلفية، وهو يجوب شوارع مدينته طولكرم، وهو ينادي عبر مكبر صوت يدوي يحمله بيد، وباليد الأخرى يقود ببطء: "معنا الفسيخ. زاكي ومالح يا فسيخ".
يعول بدير أربعة أشخاص، ويقول إنه يذهب إلى الزبائن بدلاً من انتظار أن يأتوا إليه. "زبائني يعرفون جودة بضاعتي. فأنا أتجول بسيارتي لأبيع في المواسم. اليوم فسيخ، وقبلها اللوز، وفي موسمها أبيع الجوافة. الرزق يحتاج إلى نشاط، خاصة في ظروفنا الصعبة".
ويقول فريد ترابي، وهو مسؤول فرع شركة لبيع اللحوم والأسماك في نابلس، إن عدداً لا بأس به من الشباب طلبوا العمل في بيع الفسيخ خلال عيد الفطر. "وزّعنا عليهم كميات معقولة، وفي حال كان الطلب جيداً سنمدهم بكميات إضافية. نبيع لهم الفسيخ بسعر الجملة، وهم يبيعونه بسعر السوق".
ويأتي في مقدمة الأصناف وأغلاها سعراً فسيخ البوري الجاف، والذي يتراوح سعر الكيلو منه بين 40 و60 شيكلاً، أما الأصناف الأخرى فأشهرها "المكاريل"، وهو مقطوع الرأس ونظيف من الشوك والأحشاء، وسعره 25 شيكلاً، و"الهيرنج" ويتراوح سعره ما بين 15 و17 شيكلاً بحسب حجمه (الدولار 3.3 شيكل).
يشتري المهندس خالد الأدهم الفسيخ المدخن ذهبي اللون، لأنه "مملح جاهز، ولا يحتاج إلى نقع في الماء لتخفيف الملح، ونقوم بقليه، واستخدام زيت القلي لعمل صلصة البندورة، وصلصة الكزبرة مع الثوم وعصير الليمون. هذه أكلات رائعة. هذا النوع من الفسيخ متوفر بسعر 40 أو 50 شيكلاً للكيلو، حسب المكان الذي تشتري منه".
ولا يحبذ الأدهم الأنواع الأخرى من الفسيخ التي توضع في دلاء صغيرة، أو في براميل، ويشير إلى أنه لا يمانع الشراء من البسطات بعد سؤال البائع عن المصدر. "المهم أن يكون مهتماً بالنظافة، وأن يكون لون السمك مقبولاً، ولا رائحة له".
يشتري عماد وادي الفسيخ لأول مرة. يقول: "سأجربه. سألت البائع عن الأنواع. هناك فسيخ ملوحة كاملة، ونوع مقطوع رأسه نصف ملوحة، وفسيح منظف. وهناك السمك ذو اللون الذهبي، والنوعية الفاخرة المضاف إليها التتبيلة تباع بسعر أغلى".
وتقول نهاوند أحمد: "لا آكل الفسيخ. لكن ابنتي تحبه. ولكني أعرف الفسيخ الجيد. أقوم بفحص السمكة، فلون اللحم يجب أن يكون وردياً، مع ضرورة الابتعاد عن الأسماك ذات اللون البني أو الأسود، كما يفضل ألا يوجد في الأسماك المملحة أي تشققات، والابتعاد عن الأسماك المنتفخة، أو ذات الملمس المهترئ، فلا يجب أن يترك أصبعي مكاناً غائراً في السمكة عند الضغط عليها، كما أن الرائحة المميزة لسمك الفسيخ تختلف عن رائحة التعفن، وهو أمر يستطيع من يأكلون الفسيخ تمييزه".