"السلطان أحمد"... عجائب إسطنبول الأربع في حيّ واحد

20 أكتوبر 2020
بني مسجد السلطان أحمد عام 1603 (بولنت كلج/ فرانس برس)
+ الخط -

سفرك إلى تركيا غير محسوب في عداد الزيارات، إن لم تزر إسطنبول، بل تبقى الزيارة ناقصة، إن لم تتجول في حيّ السلطان أحمد؛ فهناك بيت أسرار القسطنطينية وتحف بيزنطة وعجائب التاريخ

تمتزج الحضارات في حيّ السلطان أحمد، في إسطنبول، فالطابع البيزنطي الغالب حتى اليوم اتشح بما يلزم من حداثة من دون الإساءة للتاريخ، بل حتى خطوط الترامواي التي تخترق الحيّ، تخالها من مخلفات الإمبراطور قسطنطين. نال هذا الحيّ شهرته من كثرة ما ضمّ من معالم، ربما تتربع على قائمة المواقع السياحية، في تركيا، فأن تجوب "السلطان أحمد" كأنّك دخلت التاريخ من أوسع أبوابه وعبرت من خلال حضارات متعاقبة.
قبل التعريج على أهم مواقع هذا الحيّ، ربما الفضول يدفعنا أولاً لمعرفة من هو السلطان أحمد الذي يحمل هذا الحي "العجيب" اسمه. ولد السلطان أحمد الأول، ابن السلطان محمد الثالث ووالدته هاندان خاتون عام 1590 بمدينة مانيسا في منطقة إيجه، وتوفي في عام 1617، ودفن في ضريح بالقرب من مسجد السلطان أحمد في إسطنبول. عرف السلطان أحمد بتوليه السلطنة في سنّ مبكرة (14 عاماً) إذ عينه والده، محمد الثالث بن مراد في ولاية العهد وهو في الثانية عشرة، لكنّ وفاة والده بعد عام ونصف العام عجّلت بتوليه الخلافة وهو في الرابعة عشرة فقط.

ويجمع متخصصون أتراك، على أنّ حي السلطان أحمد، هو كلمة سر السياحة بإسطنبول، وهو الأكثر استقطاباً للسائحين بحسب سيهان بلوكجو، المتخصصة بالتاريخ التركي المعاصر، التي تكشف لـ"العربي الجديد" حرص الحكومات التركية المتعاقبة، على إبقاء خصوصية المكان، بالرغم من البناء الحديث والترميم الذي طاول تلك المعالم، وآخره ما يحدث بجامع السلطان أحمد منذ أربع سنوات، وهي أكبر عملية ترميم منذ بنائه عام 1603 للميلاد. وتشير بلوكجو إلى إمكانية إدراج معالم منطقة إمينونو إلى الحيّ، سواء السوق المصري أو الميناء والجامع الحديث "لتكون هذه المنطقة أهم معالم إسطنبول ويزورها يومياً أكثر من مليوني إنسان"، ففيها الحدائق والكنائس والجوامع والبحر والتجارة "وكأنّها اختصار لوجوه المدينة جميعها".
ويروي العامل بالقطاع السياحي، إيرجان يلدز، لـ"العربي الجديد" كيف تتضمن معالم الحيّ، جميع الرحلات الخارجية التي تزور إسطنبول، فمن لا يسكنه هاجس زيارة آيا صوفيا يخطط لرؤية الجامع الأزرق (السلطان أحمد)، ومن ينجو من التاريخ سيقع في فخ الأسواق وزيارة أكبر سوق مغلق بإسطنبول أو يدفعه فضوله لرؤية كيف كان يعيش السلاطين العثمانيون. ويشير يلدز إلى أنّ ميناء إمينونو يتبع الحيّ، ما يتيح للسائحين الاطلاع على البوسفور وزيارة القسم الآسيوي للمدينة، بعبّارات عامة أو مراكب أجرة. في هذا الحي بحسب يلدز، يلتقي السائح الشاب مع كبار السن، ويمتزج الأوروبيون بالعرب والآسيويين، وهي ميزة قلما يحققها معلم أو تمتاز بها منطقة، فحيّ السلطان أحمد يلغي مقولة السياحة المتخصصة أو استهداف شريحة والبحث عن مهتم.
وهنا، سنأتي على بعض معالم هذا الحيّ - المتحف، على نحو تعريفي سريع، لأنّ كلّ معلم بمنطقة السلطان أحمد، قد يحتاج إلى ملف كبير يفيه حقه. ومن "العجائب الأربع" لإسطنبول، نبدأ من جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق نسبة لغلبة اللون الأزرق على رخامه وزخرفاته، فقد اكتمل بناؤه عام 1616 بعدما طلب السلطان أحمد من المهندس محمد فاتح آغا، تلميذ المعماري الأشهر سنان باشا، بناء مسجد ومجمع إسلامي في عاصمته، تقليداً لأسلافه، لكنّ السلطان أحمد أراد أن يكون مسجده الأعظم والأكبر في البلاد، فجعله مطلاً على مضيق البوسفور ومقابلاً لآيا صوفيا. ومن ميزات الجامع أنّ فيه 6 مآذن وفناء كبيراً مغطى بثلاثين قبة وتتوسطه ميضأة سداسية محمولة على ستة أعمدة منقوشة بالقرنفل والتوليب النافر.
وهناك قصر "طوب قابي" الذي يصنّف كأكبر قصر في مدينة إسطنبول. كان هذا القصر مقراً يعيش فيه السلاطين العثمانيون ابتداء من عام 1465 حتى عام 1856. وكان يعيش فيه نحو 4 آلاف شخص، وقد بُني القصر بأمر من السلطان محمد الفاتح، وكان أيضاً مركزاً لإدارة شؤون الدولة العثمانية لمدّة 380 عاماً. وتحوّل "طوب قابي" إلى متحف خلال عهد السلطان عبد المجيد، ليضم مجموعة من المقتنيات التي كانت في خزائن القصر، وتم في عهد السلطان عبد العزيز، وضع هذه المقتنيات داخل خزائن زجاجيّة لعرضها بأسلوب وشكلٍ جديد.

الصورة

وهناك أيضاً البازار الكبير الذي ينسب بناؤه إلى محمد الفاتح أيضاً ما بين عامي 1451 و1481، وهو من أكبر وأقدم البازارات المغطاة في العالم، إذ تبلغ مساحته 30.700 متر مربع مع أكثر من 60 شارعاً وزقاقاً و4 آلاف متجر فيه. لكنّ البازار توسع بأزمنة متعاقبة، ليشمل الخدمات، بالإضافة إلى الأعمال التجارية المباشرة، فضم المطاعم والحمّام بل أيضاً قسم شرطة خاصا به، كأنّه حيّ أو منطقة سكنية بحدّ ذاته. ويعمل في السوق أكثر من 26 ألف شخص، كما قدّر عدد زائريه، العام الماضي بنحو 100 مليون زائر.
أما "آيا صوفيا" التي ولدت كنيسة ثم تحولت إلى مسجد، فقد بنيت عام 360، في عهد الإمبراطور قسطنطين الثاني، لكنّها سرعان ما دمرت بسبب حريق، لتأخذ آيا صوفيا شكلها النهائي، بعد ذلك، بطول 100 متر وارتفاع للقبة لنحو 55 متراً بقطر 30 متراً، ولم تأخذ الكنيسة اسم أيّ قديس كالمعتاد، بل يعني اسمها "الحكمة الإلهية". لاحقاً، تدخلت اللمسات العثمانية، وبالرغم من عدم تدمير الفسيفساء، بل تغطية الأيقونات والرسوم المسيحية بالجبس من دون تخريب، جاء المعماري العثماني الأشهر سنان باشا ليضيف المآذن في دعم القبة. وهكذا بقيت "آيا صوفيا" مسجداً لنحو 482 عاماً حتى وصول أول رئيس للجمهورية التركية مصطفى كمال "أتاتورك" ليحولها إلى متحف، لكنّ المحكمة الإدارية العليا، ألغت في يوليو/ تموز الماضي بالذات قرار مجلس الوزراء لعام 1934، القاضي بتحويل "آيا صوفيا" من مسجد إلى متحف، ليشهد 24 يوليو/ تموز أول صلاة جمعة منذ ذلك التاريخ بعد إلغاء رسوم الدخول إلى المسجد.

يصف الدليل السياحي، سردار دونميز لـ"العربي الجديد" حيّ السلطان أحمد بـ"أكبر متاحف إسطنبول المفتوحة" ففيه كلّ ما يسعى إليه السائح، سواء من معالم بيزنطية قديمة أو أكثر من ألف معلم بهندسة عثمانية، جعلت من المنطقة شاهداً على تعاقب الحضارات.

المساهمون