رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات الجزائرية في كل المحافظات لجمع النفايات وتدويرها، ينغص انتشارها الكثيف في مداخل الأحياء والطرقات والشواطئ والمواقع السياحية والغابات حياة المواطنين ويتسبب في تشويه المناظر العامة للبلدات، ما يعني ضياع حقوق الجزائريين في التمتع ببيئة نظيفة والعيش في محيط أخضر وجو يخلو من التلوّث. واللافت أن المواطنين والمسؤولين يتبادلون التهم حول مقدار مساهمتهم في هذا الواقع البشع وغير السليم على صعيد المعايير المثالية للحياة، إذ يشتكي المسؤولون من عدم احترام المواطنين الفترات المحددة لإخراج النفايات من منازلهم ورميها في الأماكن المخصصة، بينما يرى المواطنون أن السلطات لا تتعامل بفاعلية مع أي من مشاكل النفايات المنزلية أو تلك المعلقة بالمواد الصلبة والأتربة ومخلفات عمليات الهدم والأشغال الخاصة بالمشاريع.
وفيما ترتبط مشاكل النفايات بتغيّر نمط استهلاك المواطنين واعتمادهم على مواد من بلاستيك وكرتون وتخليهم عن الفرز الانتقائي، وأيضاً بعدم إعطاء السلطات أهمية كبيرة لإعادة التدوير رغم أنها قد تدّر أرباحاً كبيرة، وتجلب موارد مالية جيدة للبلديات والشبان الذين يستثمرون في المجال، يشهد الواقع على الأرض تخصيص البلديات عدداً كبيراً من مكبات النفايات التي يجري جمعها تمهيداً لإخضاعها لتقنيات إعادة التدوير، وذلك بخلاف الأعوام السابقة حين كانت النفايات توضع في أماكن فوضوية وعشوائية أو تحرق ما يبعث سحب دخان مضرّة وينشر الروائح الكريهة التي تلوّث البيئة.
وقد شيّدت وزارة البيئة في الأعوام الأخيرة مكبات عدة للنفايات، ما منحها قدرة معالجة أكثر من 13 مليون طن من المخلفات حتى عام 2018، بحسب ما تفيد تقارير الوكالة الوطنية لتسيير النفايات، التي تشير أيضاً إلى أنها تقترب من افتتاح 33 مركزاً جديداً لمعالجة النفايات في محافظات مختلفة تواجه حالياً صعوبات في التعامل مع نفايات سكانها، بعدما امتلأت المكبات القديمة.
نجاح مقابل فشل
وقد انفردت محافظة العاصمة الجزائرية بتجربة فريدة في معالجة النفايات من خلال تطبيقها استراتيجية إنشاء مؤسسات عامة مثل "نات كوم" للقيام بمهمات جمع النفايات عبر اتفاقات تبرمها مع رؤساء البلديات، وتشمل القيام بعمليات الجمع والنقل والفرز، وإخضاع الأحياء السكنية لمراقبة دورية من أجل اختيار الأماكن المخصصة المناسبة لوضع الحاويات. وعالجت هذه الاستراتيجية كل مشاكل النفايات في مختلف المدن الكبيرة بالعاصمة رغم التوسع العمراني الكبير الذي شهدته خلال الأعوام الأخيرة، وتشييد مجمعات سكنية كبيرة، ما دفع جمعيات تنشط في مجال البيئة إلى المطالبة بتوسيع التجربة وتعميمها في المحافظات من خلال تقديم مساعدات مالية للبلديات، وإنشاء مؤسسات مماثلة توفر فرص العمل من جهة، ومن جهة أخرى المحيط البيئي المريح للمواطنين الذين باتت النفايات تشكل مصدر قلق كبير لهم.
ومن أجل تحويل النفايات الى وسيلة لتحقيق موارد والحفاظ على نظافة البلدات وجمالها وتوفير جو معيشي مريح للمواطنين، وضعت الحكومة خطة تدعم إنشاء شبان مؤسسات صغيرة تتولى مهمات جمع النفايات في البلدات والقيام بحملات تنظيف، باعتبار أن هذه المهمات تكلف خزينة الدولة 35 مليون دينار (2 مليون دولار) سنوياً. وأطلق على هذا البرنامج اسم "الجزائر البيضاء" لكن فاعليته بقيت ضعيفة على الأرض بسبب سوء إدارته ومواجهة آلياته فساد المسؤولين الذين غطوا عمليات حصول بعض أصحاب هذه المؤسسات على أموال من دون القيام بحملات التنظيف.
اقتراحات "الردع"
ومع تزايد وعي المواطنين في الفترة الأخيرة واهتمام السلطات المركزية بملف البيئة، كثفت الجمعيات الناشطة في مجال البيئة وتلك في الأحياء ضغوطها على السلطات المحلية من خلال حملات هدفت إلى فرض تطبيق القانون البيئي بصرامة. لكن الناشط حمزة بلعباس الذي يرأس جمعية لتحسين البيئة يؤكد لـ"العربي الجديد" أن "التوسع العمراني الكبير الذي عرفته المدن، وتجاهل متطلبات مواكبة هذا التغيير عبر توفير إمكانات أكثر ووضع استراتيجيات واضحة وفعاّلة لمعالجة النفايات المنزلية فاقم الوضع السلبي، لذا يجب أن تترافق الحملات الميدانية مع عمليات تعزز وسائل ردع المخالفات وتطبيق السلطات القوانين بصرامة تمهيداً للقضاء على مشاكل النفايات، وبينها إلزام المواطنين بالتقيد بمواعيد إخراج النفايات من منازلهم، وحصر إلقائها بالأماكن المخصصة لهذا الغرض". كما طالب بضرورة العودة إلى تلقين تلاميذ المدارس المعايير الصحيحة للتعامل مع النفايات، وتخصيص مواد تعليمية تهتم بالحفاظ على سلامة البيئة من أجل تحقيق تقدم ملموس في الثقافة البيئية في المستقبل.
إقرار بالعجز
في المقابل، تقرّ بعض البلديات بعجزها عن إدارة مكبات النفايات والسيطرة على الملف بسبب ضعف إمكاناتها، وبينها بلدية سيدي راشد في ولاية تيبازة التي تضم مكباً كبيراً لرمي النفايات بعد جمعها من مناطق عدة. ويصف رئيس بلديتها عفراوي جلول في حديث لـ"العربي الجديد" معالجة مشاكل النفايات بأنها "أمر صعب بالنسبة إلى مسؤولي بلدية سيدي راشد باعتبارهم يتعاملون مع مواطنين ذوي ثقافة بيئية محدودة رغم أنهم بذلوا جهوداً مضاعفة لتعزيز المعرفة العامة في هذا الشأن وتوفير الوسائل والإمكانات المادية اللازمة لفعل ذلك. من هنا تحوّلت مشاكل النفايات إلى صداع كبير لنا، في وقت زاد الوضع سوءاً في الأعوام الأخيرة، خصوصاً بعد قرار توقيف مسابقات التوظيف الخاصة بمعاوني التنظيف الذي دفع إلى عقد بعض البلديات اتفاقات مع مؤسسات خاصة لتولي مهمات جمع النفايات ونقلها الى المكبات".
لكن وزارة البيئة اعترفت نهاية العام الماضي بعجزها عن مواجهة مشاكل نفايات البلاستيك، وفرض استخدام أكياس الورق بدلاً من تلك البلاستيكية في المتاجر والمخابز، والتي قالت إن "نحو 7 مليارات منها تستخدم سنوياً، بمعدل 180 كيساً لكل جزائري".
أهمية مشاريع التدوير
تكشف أرقام الوكالة الوطنية لتسيير النفايات تزايد كميات النفايات المنزلية وصولاً إلى أكثر من 15 مليون طن، وتتوقع أن تبلغ 20 مليون طن عام 2035، فيما يقدّر خبراء قيمة مشاريع إعادة التدوير بـ90 مليار دينار (نصف مليار دولار)، وهو رقم مهم للاقتصاد الوطني في حال تطوير منشآت نحو 200 مركز تقني لمعالجة النفايات.