"الدكات العشائرية" تصل إلى مستشفيات ومدارس العراق

04 مارس 2022
تكثر أسباب الدكة العشائرية اليوم (محمد صواف/ فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من مضيّ أكثر من عامَين على تشريع السلطات العراقية قانوناً يعدّ "الدكات العشائرية" إحدى وسائل التهديد المتّبعة من قبل قبائل كثيرة، فإنّها تلك الهجمات المسلحة على المنازل والمباني لم تتراجع بل زادت في الفترة الأخيرة. وقد سُجّلت هجمات طاولت مباني حكومية من قبيل المستشفيات والمدارس وحتى فروع شركات نفطية في جنوب البلاد.

ما هي الدكات العشائرية؟

وفي دكات العراق العشائرية، يُطلَق رصاص حيّ يُعَدّ تحذيرياً على منزل الشخص المراد محاكمته عشائرياً، وذلك إمّا في الهواء وإمّا على جدران المبنى، مع هتافات وتهديدات عند باب منزله.

وقد تُلقى رسالة خطية تكون بمثابة تبليغ له بضرورة حضوره إلى المحاكمة العشائرية. وتُعطى مهلة ثلاثة أيام للخصم حتى يأتي ويحكم لديهم ويذعن لشروطهم، أو يهجمون ويقتلون في قضايا الأخذ بالثأر أو الشجارات والمنازعات المالية والاجتماعية المختلفة.

وتسبّبت مثل تلك الهجمات بحالات قتل عديدة، فضلاً عن ترويع المواطنين. وتشهد محافظات البصرة وبغداد وميسان وذي قار والمثنى ارتفاعاً كبيراً في مثل هذه الهجمات.

وليلة أمس الخميس، هجم مسلحون بالرصاص الحيّ على مستشفى واقع شرقي بغداد.

وذكرت وسائل إعلام عراقية أنّ خمسة أشخاص نفّذوا هجوماً مسلحاً على مستشفى "فاطمة الزهراء" للأمراض النسائية والتوليد في حيّ الحبيبية بمنطقة مدينة الصدر شرقي العاصمة. أمّا السبب المتداول فخلاف بين إحدى المريضات وإدارة المستشفى.

لكنّ مصادر في المستشفى الذي تعرّض للهجوم أكدت، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أكثر من رواية أشيعت بشأن الحادثة، من بينها رفض المستشفى توليد زوجة أحد الأفراد المسلحين، كون موعد الولادة لم يحن بعد"، مؤكدة أنّ "هذه الرواية غير صحيحة".

وأضافت المصادر نفسها أنّ "المسلحين الذي نفّذوا الهجوم هم أقرباء، وقد اجتمعوا للنيل من طبيب في المستشفى على خلفية مشكلة عشائرية".

يُذكر أنّ القوات الأمنية تمكنت في نهاية المطاف من إلقاء القبض على منفّذي الهجوم.

وقبل هذا الهجوم بساعات، شهدت أحياء منطقة الشعب، شمال شرقي العاصمة بغداد، هجوماً مسلحاً في باحة مدرسة ابتدائية، ما أدّى إلى ترويع التلاميذ وإغلاق المؤسسة التربوية من قبل إدارتها، في حين تسبّب هذا النزاع العشائري المسلح في مقتل جندي عراقي في اليوم ذاته.

وازدادت أسباب الدكة العشائرية أخيراً لتشمل أموراً يعدّها المجتمع تافهة، من قبيل تعليق أحدهم، أو إبداء إعجابه على منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، حول موضوع معيّن تعدّه هذه العشيرة أو تلك مسيئاً لها. كذلك، طاولت دكات أخيراً إعلاميين ومقدّمي برامج حوارية في بغداد، وكذلك مواطنين تهجّموا على مسؤولين في الحكومة.

"عجز" الأمن أمام الدكات

في سياق متصل، يقول ضابط في الشرطة العراقية لـ"العربي الجديد" إنّ "الدكات العشائرية أخذت أشكالاً عنفية أكثر خطورة من السابق، وثمّة تمادياً وتجاوزاً واضحَين على الدولة ومؤسساتها وموظفيها"، مؤكداً أنّ "أفراد القوات الأمنية داخل المدن هم أضعف من أن يُقدموا على إنهاء اشتباك مسلح في الأحياء التي يخدمون فيها، لذلك ثمّة حاجة فعلية إلى تأسيس قوات خاصة لمعالجة النزاعات العشائرية".

من جهته، يشير ياسين العلياوي، أحد وجهاء عشيرة "البو علي" في بغداد، "العربي الجديد"، بأنّ "ثمّة استهتاراً واضحاً من قبل بعض الأفراد المحسوبين على بعض العشائر العراقية، وهم ينفّذون هجمات واعتداءات ضدّ موظفين في الدولة ومؤسسات حكومية"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "العشائر تقف إلى جانب الدولة، وتقوم عادة بتسليم المتسببين بالهجمات الإجرامية إلى السلطات".

يضيف العلياوي أنّ "القوات الأمنية العراقية تخشى التدخل في عمليات صدّ الهجمات العشائرية ضدّ مؤسسات الدولة أو موظفين، لأنّها لا تريد أن تكون طرفاً في نزاع. لذلك نطالب دائماً بتقوية أجهزة الأمن ومنع أيّ ضرر قد يصيب أفرادها من المشكلات العشائرية".

ويؤكد أنّ "النزاعات العشائرية لم تتراجع للأسف، لأنّ ثمّة جهات مستفيدة من الدكات والهجمات المسلحة على أفراد وعشائر أخرى، إذ إنّ هذه المشكلات تنتهي عادة بدفع مبالغ كبيرة من قبل الطرف المتضرّر إلى الطرف المعتدي".

حل الدكات بحصر السلاح بيد الدولة

أمّا الناشط المدني أيهم رشاد من بغداد، فيلفت، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "المخالفات العشائرية تتواصل ضد الدولة والقانون، وثمّة عشائر تدعم الدولة في العلن لكنّها تمارس كلّ أشكال الإجرام والإرهاب في نزاعاتها. بالتالي فإنّ مطلب حصر السلاح بيد الدولة هو العلاج الفعلي لهذه الأزمة، وليس تجريم هذه السلوكيات فقط". يضيف أنّ "الأشخاص المتورطين بالدكات العشائرية والنزاعات المسلحة، بمعظمهم، يُفرَج عنهم بتأثيرات حزبية وسياسية وعشائرية، وبذلك يعودون إلى التجاوز مرّة أخرى".

وكان العراق في وقتٍ سابق قد عدّ "الدكّات العشائرية" من الجرائم الإرهابية، مشدداً على ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم، بحسب ما جاء في بيان لمجلس القضاء الأعلى في البلاد، الذي أوضح أنّ المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب، الذي أُقرّ في عام 2005، تنصّ على أنّ التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أياً كانت بواعثه، يُعَدّ من الأفعال الإرهابية.

المساهمون