"احتراق" مصر... وفيات شباب الأطباء إنذار بالخطر

30 سبتمبر 2022
يعمل أطباء مصر تحت ضغط هائل (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

توفي ستة من الأطباء الشباب العاملين في عدد من المستشفيات والمراكز الحكومية في مصر خلال نحو عشرة أيام، لأسباب تتعلق بالإجهاد في العمل، أو توقف عضلة القلب وارتفاع ضغط الدم نتيجة المجهود الزائد. 
ولفتت تلك الزيادة الملحوظة في عدد وفيات شباب الأطباء أنظار عدد من أعضاء مجلس نقابة أطباء مصر، ومنهم إبراهيم الزيات وإيهاب الطاهر، خاصة بعد أن شهدت الأسابيع الأخيرة وفاة أطباء لم تتجاوز أعمارهم الأربعين سنة، ولم يكن أيهم يعاني من أية أمراض مزمنة. 

في منتصف أغسطس/آب الماضي، نعت نقابة الأطباء، الطبيب الشاب نبيل عادل سيدار، والذي كان طبيباً مقيماً للجراحة العامة بمستشفى بنها الجامعي، وقد توفي قبيل مباشرته إجراء جراحة لمريضة أثناء عمله. بعدها بأسبوعين، توفيت طبيبة أمراض النساء والتوليد، نورا العبد، داخل عيادتها الخاصة في مركز الشهداء بمحافظة المنوفية، خلال تحضيرها لإجراء عملية ولادة قيصرية، وفي أوائل سبتمبر/أيلول الجاري، توفي الطبيب أحمد محمد حسن، مدرس مساعد النساء والتوليد بكلية الطب جامعة أسيوط، أثناء عمله في مستشفى خاص.
وبعدها بأيام، نعت نقابة الأطباء، الطبيب محمد زين العابدين، الحاصل برغم صغر سنه، على درجة استشاري الأمراض الباطنة، والذي أسس قسم العناية المركزة بمستشفى كوم أمبو بمحافظة أسوان، وخلال الأيام الماضية، توفي ستة من شباب الأطباء في ظروف عمل مختلفة، ومنهم إيمان السيد حسن، طبيبة الكلى بمستشفى حميات بنها، والطبيب الشاب عاصم عبد اللطيف عبد المولى، استشاري التخدير والعناية المركزة بمحافظة الجيزة، والطبيب محمود عبد القوي، مدرس مساعد الحالات الحرجة بكلية الطب جامعة المنوفية.
ووفقاً لصفحة "الموقف المصري" على موقع "فيسبوك"، والقائم عليها عدد من المتخصصين في مجالات مختلفة، فإن ظاهرة وفاة شباب الأطباء المفاجئة جزء من مشكلة أكبر ملحوظة على مستوى العالم، تسمى علمياً "burnout"، وترجمتها الحرفية "الاحتراق"، وهي تعبر مجازاً عما يحدث في داخل جسم الإنسان، مشيرة إلى أن  "الاحتراق" يحدث نتيجة متلازمة من أعراض الإجهاد الجسدي والنفسي الشديد التي يعاني منها الإنسان نتيجة الضغوط المتزايدة في عمله، والتي يمكن أن تصل إلى حد وفاته بتوقف مفاجئ للقلب.
واستندت صفحة "الموقف المصري" إلى دراسات تشير إلى أن "أكثر من 50 في المائة من الأعراض المرضية التي يستشعرها الأطباء والعاملون في مجال تقديم الخدمة الطبية، مثل الممرضين والفنيين، ترجع إلى تلك المشكلة، وبالتالي فإنها تواجه الكوادر الطبية أكثر من أي فئة أخرى في المجتمع". 
ورغم تأكيد المتخصصين أن ظاهرة "احتراق الأطباء" تواجه أطباء العالم كله، لكن تزايد عدد الوفيات بين أطباء مصريين في العشرينيات أو الثلاثينيات من أعمارهم كل شهر أثناء أداء عملهم، يستلزم وقفة جادة، خاصة أن جائحة كورونا وصلت فيها نسبة وفيات الأطباء من إجمالي الوفيات المسجلة عالمياً بسبب الفيروس إلى 5 في المائة فقط، في حين سجلت مصر أرقاماً مفزعة لوفيات الأطباء والممرضين أثناء فترات ذروة الجائحة. 
ويأتي فقد المزيد من الأطباء الشباب في وقت تعاني فيه مصر من نقص شديد في عدد الأطباء، إذ يوجد 82 ألف طبيب فقط في بلد عدد سكانه يتجاوز 104 ملايين نسمة، ما يعني أقل من طبيب واحد لكل 10 آلاف مواطن، فضلاً عن وجود نحو 100 ألف طبيب مصري يمارسون المهنة في خارج البلاد لأسباب لها علاقة مباشرة بسوء الأوضاع المهنية في مصر.

الصورة
يتعرض أطباء مصر للإجهاد الشديد خلال العمل (خالد دسوقي/فرانس برس)
يتعرض أطباء مصر للإجهاد الشديد خلال العمل (خالد دسوقي/فرانس برس)

وتتعدد مشاكل الأطباء الاقتصادية والنفسية في مصر، وعلى رأسها مشكلة ضعف الأجور، إذ تبدأ رواتب الأطباء الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 سنة في القطاع الحكومي بنحو ألفي جنيه، ولا تتجاوز في أفضل الأحوال 5 آلاف جنيه (255 دولارا أميركيا)، وهو راتب لا يكفي كي يعيش الطبيب حياة كريمة، ولا يمكنه من أن يعول أسرة، أو أن يتابع دراساته العليا، وبالتالي يضطر الأطباء إلى قضاء ساعات طويلة في العمل بين مستشفى حكومي ومستشفى خاص أو عيادة، مما يؤدي لتعرض الكثير منهم للإجهاد الشديد، نفسياً وجسدياً.
وعلى الرغم من صدور قانون في سنة 2014، حصل فيه الأطباء على بعض المكتسبات بصدور قرارات إدارية شكلت مكاسب لهم بعد ثورة يناير 2011، إلا أن الدولة تراجعت عن كل التزاماتها بعد صدور القانون، فضلاً عن تراجع وزارة الصحة عن إعطاء إجازة للطبيب في وقت امتحانات الدراسات العليا، باستثناء يوم الامتحان نفسه.
واعترض الأطباء سابقاً على استغلال الحكومة لجائحة كورونا في إلغاء كافة الإجازات، بما فيها إجازة التفرغ للدراسة الإلزامية، والتي كانت الدولة تمنحها للطبيب لمدة عام للانتهاء من درجة الماجستير، إذ قامت بإيقاف رواتب الأطباء المتفرغين، وأجبرتهم على العودة إلى العمل، ومنعت منحهم إجازات جديدة، رغم مخالفة ذلك للقانون.
كما بدأت الحكومة التخلي عن التزامها بالقانون الذي ينص على دفع تكاليف الدراسات العليا للأطباء، ليتحمل الطبيب الشاب نفقات العمل على الماجستير، وكذا النفقات الدراسية المرتبطة بنظام الزمالة المصرية، مما يضاعف الأعباء المادية المطلوب من الأطباء توفيرها.
ولا يواجه أطباء مصر التعسف الإداري، ونقص الأجور فقط، لكنهم أيضاً يعملون داخل بيئة عمل سيئة للغاية، إذ لا تتوفر لهم الإمكانات والمستلزمات الضرورية، ولا السكن المناسب في أماكن العمل التي تفرض عليهم البقاء لفترات طويلة تتضمن الإقامة الكاملة، ويتواصل التعسف الإداري من إدارات المستشفيات مع الأطباء خلال محاولة إنهاء أية أمور وظيفية شهرياً للحصول على حقوقهم المالية، مما يستنزف الطبيب أثناء عمله بشكل مضاعف.

ويعاني أطباء مصر من غياب التشريعات التي تحميهم، ما يجعل الكثيرين منهم يتعرضون لاعتداءات متكررة أثناء عملهم من قبل بعض أهالي المرضى، وأحيانا من أفراد الشرطة، فضلاً عن وجود قصور تشريعي في قانون المسؤولية الطبية، يسمح بالتعامل مع الأطباء في حالة الخطأ أو المضاعفات الطبية العادية كمجرمين، وصدورعقوبات مشددة ضدهم.

المساهمون